لم تسلم المؤسسة الأمنية بالبلاد من موجة الاعتصامات التي تضرب البلاد منذ فترة، فرغم أنها كانت لأيام قليلة مضت هي أداة السلطة لكبح جماح هذه الاضرابات والاعتصامات بالشارع, إلا أنها تحولت لتمارس نفس الفعل وتضيف فئة جديدة للفئات الرافضة لأخونة الدولة. فمنذ أيام بدأت تتصاعد نبرة الغضب داخل صفوف ضباط الشرطة والأمناء وعساكر معسكرات الأمن المركزي، وبدأوا فعلياً الانسحاب من أمام الأماكن الحيوية التي كلفوا مسبقاً بتأمينها، وأعلنوا الإضراب رسمياً عن العمل, مطالبين بإقالة وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم بدعوي استخدام قوات الأمن في تحقيق أهداف سياسية، فضلاً عن مطالبتهم بقانون يحدد صلاحياتهم والتزاماتهم، بالإضافة إلي تزويدهم بالسلاح لتمكينهم من التصدي للتظاهرات المستمرة التي تعصف بالبلاد. «إضراب الضباط ضرورة لإخلاء ساحة الشرطة من الصراع السياسي».. هذا ما أكده اللواء هلال أحمد هلال الخبير الأمني ومدير معهد إعداد القادة سابقاً. وتابع: رغم رفض فكرة الإضراب باعتباره سلوكاً لا يناسب العسكريين، إلا أنه أصبح ضرورة لتبرئة ساحة الشرطة من الصراع السياسي الدائر بالشارع المصري, مشيراً إلي أن عدم تعاطف الكثيرين مع الإضراب ناتج عن المنظر السيئ الذي ظهر عليه الإضراب، فضلاً عن سلبية النظام الحاكم في التعامل مع الأزمة ومحاولة تشويهه. وتعليقاً عن خطورة غياب الشرطة عن الشارع قال «هلال»: «الشرطة موجودة مش موجودة الشارع باظ خلاص ومحدش بيحس بوجوده ولا بيعمل بتوجيهاته». واعتبر «هلال» حل الأزمة يتلخص في اقتصار عمل وزارة الداخلية علي توفير الأمن للمواطنين فقط, فهي وزارة الأمن العام وعدم إقحامها في أية أمور أخري, فضلاً عن تسليح العاملين بها ليواجهوا البلطجة المنتشرة بالشارع حالياً. «مايحدث حالياً يذكرنا بالأجواء التي سادت البلاد قبل ثورة 1952».. هذا ما ذكره اللواء حمدي البطران - الخبير الأمني - معلناً تأييده لإضراب الشرطة ليعبروا عما يواجهونه، خاصة أن الوقائع التي يتحدثون عنها تمثل جرائم «علي حد قوله». وأضاف: علي الدولة الاستماع لأفراد جهاز الشرطة واحترام وجهات نظرهم والاستجابة لمطالبهم, كما يجب علي موسسة الرئاسة تدارك الموقف وإبعاد الشرطة عن العمل بالسياسية, خاصة أن الوضع السياسي مرتبك جداً ويجب ألا يدفع فاتورته الجهاز الأمني بإقحامه في أعمال العنف والقتل.. قائلاً: «لا يجب أن تتحمل الشرطة أوزار الحكام وتبعات القرارت الخاطئة لهم, خاصة أن معظم القرارت السياسية التي تصدر حالياً خاطئة». وطالب «البطران» بسرعة تغيير فكر المؤسسة الأمنية، التي مازالت تطبق نفس السياسة منذ 60 عاماً تقريباً والقائمة علي القمع والعنف, مؤكداً أن العقلية الجديدة لرجل الشرطة والمطبقة بكل دول العالم تستند إلي تطبيق القانون وبمنتهي الحسم. وشدد الخبير الأمني، علي أن غياب الشرطة من الشارع سيحولها إلي غابة وسيؤدي إلي زيادة نسبة الجرائم وأعمال العنف. فيما أكد أحمد بهاء الدين شعبان - مؤسس الحزب الاشتراكي والقيادي بجبهة الإنقاذ - أن السبب الأساسي لتفريغ مصر من الشرطة يعود إلي أن النظم المصرية المتعاقبة، خاصة نظام المخلوع «مبارك» و«مرسي» ألقت علي عاتق قوات الأمن مسئوليات جسيمة جداً في طبيعتها ليست من مسئوليتها، وهي خاصة بأبعاد سياسية وأزمات اقتصادية وثقافية لا علاقة للشرطة بها. ويتابع «شعبان»: أي قضية وأي مشكلة في الشارع الآن يتم توجيه الشرطة إليها بدءاً من مباراة كرة القدم وأزمات الفتنة الطائفية والتظاهرات في الشوارع، وأغلب هذه القضايا تحل سياسياً وليست بعصا الأمن، ولذلك فقد الأمن صورته أمام المواطنين وفقد تعاطف الشعب وزج به مع الشارع، وانتهي الوضع بأن الأمن تحمل كل أخطاء الحاكم وتخبط سياساته وما نراه الآن أن الرئيس مرسي وحزب «الحرية والعدالة» وجماعة الإخوان المسلمين لا نسمع لهم صوتاً علي الإطلاق ومن يتصدر المشهد هو الأمن. ويضيف: لا يوجد مجتمع في العالم يعيش دون أمن، ولكن الأمن اصطدم مع الجميع لأن لهم طريقة في التصدي للمشكلات لا تقيم اعتباراً للحوار وإنما بالعنف ونتيجة استنزافه في الأمن السياسي لم يعد يقوم بأي وظيفة من الوظائف المنوط بها، ونحن الآن أمام منطقة شديدة الحرج لأنه عندما نجد أن جهاز الأمن يعلن العصيان المدني ويتخلي عن وظيفته، فهذا يهدد بخطورة قادمة لا محال والرئيس مشغول «مش فاضي» وغير مهتم بما يحدث، والجماعة التي تحكم من مصلحتها أن يتدهور الأمن ومؤسسات الدولة الرسمية حتي تستطيع أن تحكم كما تريد. بينما رأي محسن بهنسي - المحامي وعضو الأمانة العامة للجنة تقصي الحقائق - أن العصيان الشرطي مبني علي أمور خارج نطاق القانون، والإدعاءات بإقالة الوزير واهية ولا أساس لها وهي ليست مطلباً أساسياً لكل ضباط وأفراد الداخلية، وإنما هم معترضون علي الحكم الصادر ضد الضابط محمود الشناوي «قناص العيون» وأمين الشرطة الذي قام بدهس المتظاهرين، رغم أن الحكم بسيط وليس علي مستوي الفعل الذي قام به الضابط. ويستطرد «بهنسي» قائلاً: الضباط يحاولون فرض سيطرتهم علي الشارع المصري كما كان يحدث قبل ثورة 25 يناير، ونحن لن نسمح لهم بذلك ولابد من اتخاذ إجراءات معينة لإعادة هيكلة الشرطة.. الوزير مسئول عما يحدث ولكنه لابد أن يتعامل بمنهجية مع ما يحدث من جرائم تعذيب وقتل داخل أقسام الشرطة، وعلي الداخلية أن تعترف أنها شاركت في قتل الثوار في 25 يناير وما بعدها، ثم بعد ذلك ندخل في إطار المحاسبة والمصالحة وإعلان المسئولية.