ضمن "مبادرة بداية".. جامعة بنها تنظم قوافل توعوية وتثقيفية بمركز شباب كفر عابد    محافظ القليوبية: ضبط منظومة العمران وتسهيل الإجراءات في التصالح على مخالفات البناء    رئيس الوزراء يبحث مع رئيس وزراء بافاريا الألمانية ملفات التعاون المشترك    «القاهرة الإخبارية»: إسرائيل تشن غارات جوية مكثفة على لبنان دون تحذير    حزب الله يعلن عن استهداف تجمع لجنود إسرائيليين في مستوطنة شوميرا بصاروخ "فلق"    الحرب الروسية الأوكرانية| تصعيد جديد أم بداية الحسم؟.. فيديو    البعثة المصرية للرياضة الجامعية تكتسح بطولة الألعاب الأفريقية للجامعات    اجتماع بين الأهلي وفيفا لبحث ترتيبات مباراة العين ب كأس الأنتركونتننتال    يوفنتوس يحقق رقما تاريخيا فى دورى أبطال أوروبا    جوميز يخطر الزمالك برحيل رباعي الفريق    بيراميدز يتجه إلى تركيا لخوض معكسر إعدادي استعدادًا للسوبر المصري    غلق إداري لأكاديمية تمريض غير مرخصة في حملة ببني سويف    محافظ المنيا يُتابع الحالة الصحية لمصابي حادث انقلاب سيارة على كوبري أبو شناف    200 عنوان وبرنامج فني.. تفاصيل مشاركة «قصور الثقافة» في معرض دمنهور للكتاب    تتويجا لرحلته الفنية.. مهرجان الإسكندرية السينمائي يحتفي بتاريخ الفنان لطفي لبيب    بدلاً من العزلة.. 3 أبراج تعالج قلوبها المحطمة بمساعدة الآخرين    صحة الدقهلية تطلق إشارة البدء لفعاليات الدورة التدريبية لإعداد القيادات    رئيس جامعة عين شمس: نضع على رأس أولوياتنا تنفيذ توجهات الدولة لتطوير القطاع الطبي    مجدي سليم رئيسًا للجنة الطاقة والبيئة والقوى العاملة بالشيوخ    السيسي يؤكد دعم مصر لرئاسة موريتانيا الحالية للاتحاد الأفريقي    سناء خليل: مايا مرسي تستحق منصب وزيرة التضامن بجداره    الحكومة تدرس نقل تبعية صندوق مصر السيادي من التخطيط إلى مجلس الوزراء    نائب وزير الإسكان يتابع موقف تقديم خدمات المياه والصرف الصحي بدمياط    حلاوة رئيسًا للجنة الصناعة والتجارة بمجلس الشيوخ    جون دوران بعد هدفه أمام بايرن: سجلت في شباك أحد فرق أحلامي    مجلس الشيوخ.. رصيد ضخم من الإنجازات ومستودع حكمة في معالجة القضايا    سر مثير عن القنابل الإسرائيلية في حرب أكتوبر    للخريف سحر لا يقاوم.. 15 صورة من شواطئ عروس البحر المتوسط    ضبط 17 مليون جنيه حصيلة قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    الأمن يكشف لغز العثور على جثة حارس ورشة إصلاح سيارات مكبل في البحيرة    قرار عاجل من مدير تعليم الجيزة بشأن المعلمين    "الإسكان" يُصدر قراراً بحركة تكليفات وتنقلات بعددٍ من أجهزة المدن الجديدة    وزير الخارجية السعودي: لا علاقات مع إسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية مستقلة    لحسم الشكاوى.. وزير العدل يشهد مراسم إتفاقية تسوية منازعة استثمار    في أول أيامه.. إقبال كبير على برنامج «مصر جميلة» لرعاية الموهوبين    معرض الرياض الدولي للكتاب يناقش دور الصورة في حفظ التراث الثقافي وأهمية الصور التاريخية    بسبب عادل إمام.. لطفي لبيب يحكي قصة زيادة اجره "صفر" جنيه    فى احتفالية كبرى، الأوبرا تحتفل بمرور 36 عامًا على افتتاحها بمشاركة 500 فنان    بعد إعلان اعتزالها.. محطات في حياة بطلة «الحفيد» منى جبر    التموين تكشف حقيقة حذف فئات جديدة من البطاقات    «مش بس أكل وشرب».. جهود مكثفة من التحالف الوطني لتقديم الرعاية الصحية للأكثر احتياجا    الصحة: تطعيم الأطفال إجباريا ضد 10 أمراض وجميع التطعيمات آمنة    «التضامن» تشارك في ملتقى 57357 للسياحة والمسئولية المجتمعية    نائب وزير الصحة يوصي بسرعة تطوير 252 وحدة رعاية أولية قبل نهاية أكتوبر    «القاهرة الإخبارية»: استمرار القصف الإسرائيلي ومحاولات التسلل داخل لبنان    بريطانيا تستأجر رحلات جوية لدعم إجلاء مواطنيها من لبنان    مركز الأزهر للفتوى يوضح أنواع صدقة التطوع    ب367 عبوة ل21 صنف.. ضبط أدوية بيطرية منتهية الصلاحية في حملات تفتيشية بالشرقية    الحالة المرورية اليوم الخميس.. سيولة في صلاح سالم    4 أزمات تهدد استقرار الإسماعيلي قبل بداية الموسم    باحث سياسي: حرب إسرائيل بلبنان تستعيد نموذج قطاع غزة.. فيديو    رئيس الوزراء يُهنئ وزير الدفاع بذكرى نصر أكتوبر    حكم الشرع في أخذ مال الزوج دون علمه.. الإفتاء توضح    كيفية إخراج زكاة التجارة.. على المال كله أم الأرباح فقط؟    هانئ مباشر يكتب: غربان الحروب    محافظ الفيوم يُكرّم الحاصلين على كأس العالم لكرة اليد للكراسي المتحركة    تعدد الزوجات حرام.. أزهري يفجر مفاجأة    فوز مثير ل يوفنتوس على لايبزيج في دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العصيان المدنى ملاذ الشعوب المقهورة

عندما تضيق السبل بالشعوب فى الحصول على حرياتها ونيل كرامتها واستقلالها، لا يتبقى أمامها سوى اللجوء إلى العصيان المدنى باعتباره خيار من لا خيار له، كونه الملاذ الأخير لمواجهة سياسات القمع والعبودية والديكتاتورية، سواء كانت هذه السياسات موجهة من قبل سلطات الاحتلال، أو مبرمجة من قبل الأنظمة الشمولية.
المشهد الدولى حافل بالعديد من تجارب الشعوب مع خيار العصيان المدنى الذى انتقل أخيراً إلى بلدان الربيع العربى ليكون صاحب الصوت العالى فى العديد من محافظات مصر واليمن.
والعصيان الذى عرفه الغرب قبل 163 عاماً احتجاجاً على العبودية وضريبة الحرب، وقاد الهند إلى الاستقلال بعد ذلك فى مسيرة الملح الشهيرة، يحدد خلال هذه الأيام مسيرة ومستقبل الشعوب العربية الثائرة، الأمر الذى يتطلب الوقوف على تجارب الآخرين وتلمس رياح التغيير فى مسيرة الشعوب.
«غاندى» يسقط «إمبراطورية الشمس»
العصيان المدنى هو سلاح الشعوب، تستخدمه لمواجهة الاحتلال أو الأنظمة الفاشية والديكتاتورية، سلاح تستخدمه عندما يصل بها الأمر إلى حد اليأس فى تحقيق مطالبها المشروعة من الحرية والعدالة والديمقراطية، وتفشل فى كل الطرق السلمية على غرار المظاهرات أو الاعتصامات السلمية لتحقيق مطالبها، والعصيان وسيلة ضغط وتصعيد، وهو آخر خطوة سلمية ممكن أن تلجأ لها الشعوب للثورة، وينسب مصطلح «العصيان المدنى» للأمريكى هنرى دافيد ثورو، حيث كان أول من استخدمه فى بحث له نشر عام 1849، فى أعقاب رفضه دفع ضريبة مخصصة لتمويل الحرب ضد المكسيك، بعنوان «مقاومة الحكومة المدنية».
وانتقلت فكرة العصيان المدنى من «ثورو» الأمريكى إلى أوروبا، وإن كان اللجوء إلى مفهوم العصيان المدنى قد تأخر صياغته فى أوروبا رغم أن فكرة مقاومة قانون جائر أو غير عادل كانت موجودة قبل القرن التاسع عشر، وفى عام 1898 ظهرت كلمة «العصيان المدنى» كمصطلح سياسى جديد فى دوريات ونشرات سياسية، حتى أصبح المصطلح أسما متعارفاً عليه فى العلوم السياسية.
استقلال الهند
ولعل أبرز عصيان مدنى سجله التاريخ، هو عصيان الشعب الهندى المعروف بعصيان أو مسيرة الملح، بزعامة المهاتما غاندى فى 12 مارس عام 1930، عندما قرر المستعمر البريطانى للهند رفع ضريبة الملح، فقرر الزعيم الوطنى غاندى إعلان عصيان مدنى عام للتوقف عن انتاج الملح أو شرائه، وهو المنتج الأول الذى كان الاحتلال البريطانى يعتمد على تصديره بصورة كبيرة فى تمويل جيشه وخزانته، وبدأ غاندى مسيرة عصيان الملح تحت شعار حملة اللا عنف وبدأت المسيرة إلى داندى، وكانت المسيرة أكبر تحد لسلطة الاحتلال البريطانى منذ حركة عدم التعاون الهندى مع المستعمر البريطانى والتى تأسست عام 1920، وكانت المسيرة سبباً فى لفت أنظار العالم إلى قضية الهند التى تئن تحت المستعمر البريطانى، وإلى أموالها وثرواتها المستنزفة، ورغم اعتقال البريطانيين لغاندى لإيقاف العصيان المدنى فى 5 مايو 1930، إلا أن الهند شغلت الإعلام والساسة فى العالم واستمرالعصيان المدنى ومقاومة الشعب الهندى ضد ضريبة الملح لمدة عام تقريبا، وانتهت مع إطلاق سراح غاندى من السجن، وكان لعصيان الملح تأثير كبير على قضية استقلال الهند فيما بعد، عن امبراطورية بريطانيا التى لا تغيب عنها الشمس، حيث كان أكبر برهان على فعالية استخدام العصيان المدنى كأسلوب لمحاربة الظلم الاجتماعى والسياسى.
محاربة التمييز العنصرى
وكان لعصيان أو مسيرة الملح، أكبر الأثر على الناشط الأمريكى مارتن لوثر كنغ، وكفاحه من أجل الحقوق المدنية للسود والأقليات الأخرى فى الستينيات، ومارتن هذا الطفل (الأمريكى) جذورة كانت تعود إلى أفريقيا التى اقتلع منها أجداده ليباعوا ويشتروا فى الأراضى الأمريكية، ولكى تستغل أجسادهم وأرواحهم لخدمة السيد الأبيض، كان والده راعياً لكنيسة صغيرة، وكان مؤسسا لحركة نضال الزنوج، وهى الحركة التى سار فيها الابن مارتن على نفس الدرب حتى أصبح أشهر الدعاة للمطالبة بالحقوق المدنية للزنوج، وكان مارتن يعيش فى أتلانتا المدينة التى كانت تعج بأبشع مظاهر التفرقة العنصرية، حيث كان السود يعانون العديد من مظاهر الاضطهاد والاحتقار، خاصة فيما يلقونه من شركة خطوط أتوبيسات المدينة التى اشتهرت بإهانة عملائها من الزنوج، حيث كانت تخصص لهم المقاعد الخلفية فى حين لا تسمح لغير البيض بالمقاعد الأمامية، وعليه كان من حق السائق أن يأمر الركاب الزنوج بترك مقاعدهم لنظرائهم البيض، وكان الأمر لا يخلو من السخرية من هؤلاء «النسانيس السوداء»! وكان على الركاب الزنوج دفع أجرة الركوب عند الباب الأمامى، ثم يهبطون من السيارة، ويعاودون الركوب من الباب الخلفى فكان بعض السائقين يستغلون الفرصة، ويقودون سياراتهم ليتركوا الركاب الزنوج فى منتصف الطريق!
واستمر الحال إلى أن جاء يوم الخميس أول ديسمبر 1955، حيث رفضت إحدى السيدات وهى حائكة زنجية أن تخلى مقعدها لراكب أبيض، فما كان من السائق إلا أن استدعى رجال البوليس الذين ألقوا القبض عليها بتهمة مخالفة القوانين، فكانت البداية، وكانت الأوضاع تنذر برد فعل عنيف يمكن أن يفجر أنهار الدماء لولا مارتن لوثر كينج اختط للمقاومة طريقا آخر غير الدم. فنادى بمقاومة تعتمد مبدأ «اللا عنف» أو «المقاومة السلبية» أى العصيان المدنى، وكانت حملته إيذانا ببدء حقبة جديدة فى حياة الزنوج الأمريكان، فكان نداؤه الزنوج بمقاطعة لشركة الأتوبيسات، وهى مقاطعة امتدت عاماً كاملاً، وكان لها أثر كبير على إيراداتها، حيث كان الزنوج يمثلون 70% من ركاب خطوطها، ومن ثم من دخلها السنوى.
ولم تجد السلطات الأمريكية البيضاء تهمة تزيح بها مارتن عن الحياة الشعبية والواجهة الاجتماعية للقضاء على حالة العصيان المدنى والمقاطعة التى كبدتها الخسائر المالية الجمة، إلا اختلاق تهمة ضده، فألقى القبض عليه بتهمة قيادة سيارته بسرعة 30 ميلا فى الساعة فى منطقة أقصى سرعة فيها 25 ميلاً، وألقى به فى زنزانة مع مجموعة من السكارى واللصوص والقتلة! وكان هذا أول اعتقال له أثر فيه بشكل بالغ العمق، حيث شاهد وعانى بنفسه من أوضاع غير إنسانية، إلى أن أُفرج عنه بالضمان الشخصى، وبعدها بأربعة أيام فقط وفى 30 يناير 1956، كان مارتن يخطب فى أنصاره حين ألقيت قنبلة على منزله كاد يفقد بسببها زوجته وابنه، وحين وصل إلى منزله وجد جمعاً غاضباً من الزنوج مسلحين على استعداد للانتقام، وأصبحت مونتجمرى على حافة الانفجار من الغضب، ساعتها وقف كينج يخاطب أنصاره: «دعوا الذعر جانبا، ولا تفعلوا شيئاً يمليه عليكم شعور الذعر، إننا لا ندعو إلى العنف».
وواصل «مارتن» سياسة اللاعنف فى محاربة القوانين العنصرية الجائرة فى امريكا، ففى أواخر صيف عام 1962 بدأ سلسلة من الاعتصامات والعصيان المدنى فى برمنجهام، وحاولت السلطات الأمريكية مواجهة حركة اللاعنف بالعنف، وهاجمت المعتصمين بالعصى والكلاب البوليسية، ثم صدر أمر قضائى بمنع كل أنواع الاحتجاج والمسيرات الجماعية وأعمال المقاطعة والاعتصام، فقرر كينج لأول مرة فى حياته أن يتحدى علانية حكما صادراً من المحكمة، وسار خلفه نحو ألف من المتظاهرين الذين كانوا يصيحون «حلت الحرية ببرمنجهام»، وألقى القبض على كينج وأودعوه سجنا انفراديا، وحرر خطابا أصبح فيما بعد من المراجع الهامة لحركة الحقوق المدنية، وقد أوضح فيه فلسفته التى تقوم على النضال فى إطار من عدم العنف.
فى عام 1963 أطلقت مجلة «تايم» على مارتن لقب «رجل العام» فكان أول زنجى يمنح هذا اللقب، ثم حصل فى عام 1964 على جائزة نوبل للسلام لدعوته إلى اللاعنف واستخدام الاعتصام والعصيان وسيلة للتعبير والرفض وفى 14 فبراير 1968 اغتيلت أحلام مارتن لوثر كينج ببندقية أحد المتعصبين البيض ويدعى (جيمس إرلراى) وكان قبل موته يتأهب لقيادة مسيرة زنجية فى ممفيس لتأييد إضراب (جامعى النفايات) الذى كاد يتفجر فى مائة مدينة أمريكية، مات مارتن لوثر كينج اشهر زعيم للعصيان المدنى فى التاريخ الحديث، والان توسع مفهوم العصيان المدنى لتلوح به الشعوب فى كل بقعة بالعالم، لإسقاط نظام ظالم، أو قانون جائر، أو قرار غير عادل.
اليمن يجفف نهر الدماء
فى ذكرى مرور عام على الانتخابات الرئاسية التوافقية التى تسلم فيها هادى كرسى الرئاسة من سلفه الرئيس السابق على عبدالله صالح بصورة سلمية لم يسبق لها مثيل شهدت مدينة عدن أحداثاً دامية وأصرت السلطة المحلية بقيادة حزب الإصلاح على تحويل هذه المناسبة الرائعة والذكرى الطيبة إلى أنهار من الدماء فى شوارع المدينة المسالمة بسقوط العشرات من الشهداء ومئات الجرحى من مناضلى الحركة الوطنية الجنوبية السلمية وتطور الأمر إلى عصيان مدنى بمدينتى عدن والمكلا بجنوب اليمن، وسط تصاعد أعمال حملة أمنية تشنها السلطات بهدف محاولة كسر العصيان ووقف أعمال الاحتجاجات التى باتت تأخذ منحى تصاعدياً، واحتجاجاً على مقتل 15 من الحراك الجنوبى.
ويتكرر المشهد من جديد ويعيد التاريخ نفسه مذكرنا بحقيقة الحزب الإسلامى (الإصلاح) الذى حول مدينة عدن إلى بركان من الدماء باسم الرئيس هادى والوحدة التى غدروا بها بفتاوى التكفير التى أحلت دماء الجنوبيين فى حرب صيف 94م.
ويعيش جنوب اليمن منذ 21 فبراير على صفيح ساخن، نظراً لما يشهده من أحداث دامية راح ضحيتها العشرات من أبناء اليمن نتيجة الاشتباكات بين الحراك الجنوبى المطالب بالانفصال، وحزب التجمع اليمنى المؤيد للوحدة وفى ذات السياق شل عصيان مدنى منذ السبت الماضى، الحركة التجارية والمصالح الحكومية بمدينتى عدن والمكلا بجنوب اليمن.
وتوقفت مديريات عدن السبع عن العمل تماماً وقام أنصار الحراك بقطع الطرق فى المنصورة والمعلا وخور مكسر، احتجاجاً على أعمال القمع التى حدثت الخميس.
وفشلت قوات الجيش فى محاولة فتح الطرق فى مدينتى عدن والمكلا أكبر مدن الجنوب، بسبب المقاومة الشديدة التى لاقتها وأسفرت عن جرح العديد من المحتجين.
وفى زيارة تعد الأولى منذ توليه الرئاسة وصل الرئيس اليمنى عبدربه منصور هادى إلى عدن فى زيارة مفاجئة إلى المدينة الرئيسية فى جنوب البلاد المضطرب أبين - مسقط رأسه.
وكالعادة هدد الرئيس اليمنى، عبدربه منصور هادى، بإحالة المحرضين على العنف إلى محاكم دولية، فى حين طالب الحزب الاشتراكى السلطة بالاعتذار عن تلك الأحداث، وذلك فى ظل تمسك الحراك الجنوبى بإعلان «العصيان المدنى».
وفى مؤشر على أن الأحداث التى يشهدها جنوب اليمن تتجه نحو مزيد من التصعيد، دعا هادى، الاثنين، فى خطاب فى عدن من سماهم المسلحين فى المدينة إلى تسليم أسلحتهم إلى أجهزة الأمن لتجنب اعتقالهم.
إلا أنه أكد فى المقابل أن مؤتمر الحوار الوطنى سينطلق كما هو محدد فى 18 مارس المقبل، ولن توقفه لا أموال داخلية أو خارجية، ولا سفن محملة بالصواريخ وحزامات ناسفة، مجدداً اتهام إيران بتهريب أسلحة إلى بلاده والسعى للسيطرة على مضيق باب المندب.
وتبقى نتائج العصيان معلقة بين صمود المحتجين وقوة السلطة على احتوائهم.
جين شارب.. رائد الكفاح السلمى ضد ديكتاتورية الدولة
جين شارب.. أحد الخبراء البارزين فى مجال حرب اللاعنف والكفاح السلمى والعصيان. برز اسمه بعد إسقاط النظام فى صربيا، استفادت المعارضة هناك بقيادة سرجى بوبوفيتش من استراتيجيات وتكتيكات الكفاح السلمى التى وضعها شارب. صحيح أن هذه الاستراتيجيات اتخذت من كفاح غاندى السلمى للاحتلال البريطانى بدون حرب معينا تسفيد منه، إلا أن مقاومة غاندى كانت ضد الاحتلال وليست ضد الدولة نفسها.
وشارب هو الخبير الأول على مستوى العالم فى الثورات السلمية. ترجمت أعماله إلى أكثر من 30 لغة، وتسربت عبر حدود دول، مخفاة عن اجهزة الأمن السرى فى جميع أنحاء العالم. وعندما سقط سلوبودان ميلوسيفتش فى صربيا وفيكتور يانوكوفيتش فى اوكرانيا ضحايا ثورات «الألوان» التى اكتسحت شرق أوروبا، نال جين العرفان من الحركات الديموقراطية التى أطاحت بهما، ورغم ذلك ظل غير معروف للجمهور بشكل عام. رغم هذه النجاحات، وترشحه لنيل جائزة نوبل للسلام، عام 2009، الا انه عانى أزمات وصعوبات مادية علاوة على اتهامات بكونه واجهة لجهاز المخابرات المركزية الأمريكية.
رسالته الأساسية هى أن قوة الدكتاتوريات تأتى من خضوع إرادى للمحكومين وأنه لو طور الشعب تقنيته لسحب هذا الخضوع الطوعى، فسيسقط النظام. لعقود قام العديدون، ممن يعيشون تحت أنظمة سلطوية، بالحج إلى جين شارب يسألونه النصح. وساعدت كتاباته الملايين حول العالم للحصول على حريتهم من دون عنف. يقول شارب: «لجوؤك إلى العنف يعنى اختيارك أن تحارب ضد أفضل اسلحة خصومك ويجب عليك أن تكون اذكى من ذلك. قد يندهش الناس إلى حد ما عندما يأتون إلى هنا. أنا لا أقول لهم ماذا يفعلون. يجب عليهم ان يتعلموا آلية الكفاح غير المسلح حتى يستطيعوا ممارسته بأنفسهم».
ويقدم شارب فى كتاباته قائمة من 198 سلاحاً غير عنيف، بدءاً من استخدام الشارات اللونية واستخدام الرموز إلى كيفية استخدام الجنازات الرمزية والمقاطعة والعصيان المدنى. وهذه التقنيات هى المقابل للأسلحة العسكرية، وهى تقنيات مستقاة من دراسة تفصيلية تشريحية لمقاومة الطغيان على مدى التاريخ. ويقول: «إن هذه الأسلحة مهمة جداً لأنها تمنح الناس بديلاً، ومن دونها، وان لم يروا أنهم أقوياء جدا، فإنهم سيعودون للعنف والقتال كل مرة». وبعد الثورة الخضراء فى إيران فى 2009 اتهم العديد من المتظاهرين اثناء محاكمتهم باستخدامهم اكثر من 100 طريقة من ال 198.
أكثر كتبه ترجمة وتوزيعاً «من الديكتاتورية إلى الديمقراطية»، كان قد ألفه للحركة الديموقراطية فى بورما عام 1993. وقد أدى عدم معرفته بأحوال بورما إلى أن كتب دليلاً لإسقاط النظام الديكتاتورى، كان عاماً بشكل كبير. هذا الضعف تحول إلى مصدر قوة للكتاب، بأن سهل ترجمته وتطويعه لينطبق على أية دولة على اختلاف الثقافات والأديان.
وتحول هذا الكتاب إلى شعلة من النار، بالتعبير الحرفى والمجازى. ومن بورما إلى تايلاند إلى إندونيسيا، انتشرت كتاباته، واستخدمت فيها ضد انظمة الحكم الديكتاتورية العسكرية. وكان نجاح تكتيكاته فى إسقاط ميلوسيفتش فى صربيا فى عام 2000 قوة الدفع التى أدت إلى استخدامها عبر أوروبا الشرقية والشرق الأوسط.
وعندما وصلت كتاباته إلى روسيا، أغارت الاستخبارات السرية على دار الطباعة أما المكتبات التى كانت تبيعها فقد احترقت بشكل غامض. أما الإيرانيون، فقد بلغ قلقهم حد إنتاج فيلم دعائى عن جين شارب يصوره يتآمر ويخطط لقلب نظام الحكم فى إيران، من البيت الأبيض. واستغل الرئيس هوجو شافيز، أحد لقاءاته التليفزيونية الأسبوعية، ليحذر البلد ويعلن ان جين يشكل تهديدا للأمن القومى لفنزويلا.
وعقب اتهامات بتزوير الانتخابات فى وطنها، الجابون، سافرت الناشطة جلوريا ميكا إلى بوسطن لمقابلة جين. تقول ميكا عنه «شعرت بأننى ذاهبة لمقابلة الشخصية الرئيسية فى مجال المقاومة غير المسلحة فى العالم. هذا مهم لأن هناك بعض الجابونيين يتحدثون عن اختيار العنف. يقولون: فلنذهب لقتل بعض الناس ولكنى شعرت بالقدرة على القول لهم: لا تتسرعوا يا قوم، فهناك اختيار آخر».
يتسم «شارب» بالخجل الشديد، ويحرص على ألا يُنسَب إليه أى فضل، ودائماً يشير إلى أنه مفكر أكثر من كونه رجلاً ثورياً، رغم مشاركته عندما كان شاباً فى اعتصامات وقضائه تسعة أشهر فى أحد السجون الاتحادية فى دانبرى بولاية كونيتيكت، كأحد المعترضين الشرفاء خلال الحرب الكورية.
وعندما سئل عن دوره فى الثورة المصرية من قبل صحيفة نيويورك تايمز، قال: «لم أجر أى اتصالات بالمتظاهرين المصريين، رغم علمى مؤخراً بأن جماعة الإخوان المسلمين قامت بنشر كتابى «من الديكتاتورية إلى الديمقراطية» على موقعها الإلكترونى. وبينما أنظر إلى الثورة التى أطاحت بمبارك على أنها دليل على التشجيع، فإن المصريين هم من قاموا بذلك.. ولست أنا».
5 شروط لإنجاح العصيان
شهدت البلاد مؤخراً دعوات للعصيان المدنى بعد فشلها فى الحصول على حقوقها بالطرق الأخرى فى الوقت الذى كثرت فيه التساؤلات حول ماهية العصيان المدنى؟ وما هى وسائله وغاياته؟
والعصيان المدنى يمكن تعريفه بأنه وسيلة سلمية استثنائية هادفة مكفولة دستوريا تتضمن مخالفة صريحة لبعض الأنظمة والقوانين النافذة بغية إجبار السلطات الحاكمة على الانصياع لمطالب المحتجين الشرعية. أو هو بتعبير آخر مخالفة القانون وإطاعته فى آن واحد، وفى هذا الإطار يحدد الخبراء 5 شروط لإنجاح العصيان المدنى:
الشرط الأول للعصيان المدنى هو أن يكون سلميا بمعنى أن يمتنع «العاصون» عن استخدام العنف والعمل المسلح أو التهديد بأيهما، حيث يتوجب على الممارس للعصيان المدنى أن يكون هادئاً مالكاً لزمام نفسه حتى يتحقق هدفه، فعندما يمسك به رجال الأمن والشرطة، لابد أن يكون مطيعا لهم تماماً، يبتسم فى وجوههم على الدوام، ولو سبوه أو شتموه، يجادلهم بالتى هى أحسن، أو يسكت، فان السكوت أبلغ من الكلام. إذا اقتادته مفرزة الشرطة إلى المعتقلات ومراكز الشرطة، لا يقاوم، لأن المقاومة عنف والعنف ينافى جوهر العصيان المدنى!
والعصيان المدنى هو أن يعاهد ممارس اللاعنف نفسه وضميره ووطنه أن يتحمل المسؤولية بمفرده، وكأنه وحده فى الساحة، ثم يحاول أن يقنع الآخرين بقضيته، فإذا استخدم العاصون العنف كالاعتداء على دوائر الدولة أو مؤسساتها، أو ضربوا رجال الشرطة والأمن، أو عطلوا مرفقاً من مرافق الحياة المتعلقة بحياة مواطنين مباشرة كتعطيل محطات الطاقة، أو ثقب أنابيب المياه فان العصيان المدنى يخرج عن كونه عصياناً سلمياً ويدخل فى دائرة أعمال التخريب والعدوان ويقع تحت طائلة المساءلة القانونية مما يستلزم تصدى القوى الأمنية له.
الشرط الثانى هو أن العصيان المدنى نشاط استثنائى يهدف إلى تحقيق غاية ما يطالب بها العاصون وهو ينتهى حال وعد السلطة بتلبية المطالب كلها أو جزء منها، فهو مقيد بفترة زمنية معينة ولا يجب أن يتحول إلى نشاط دائم يخل بأمن الدولة ومواطنيها، وهو فى العادة يكون فى المسائل السياسية الكبرى التى تهم قطاعاً واسعاً من المواطنين كمطالبة نقابة العمل بزيادة أجور العمال، أو مطالبة المواطنين بدعم السلع الغذائية الأساسية كالطحين أو السكر، أو إطلاق سراح عدد من المعتقلين لأسباب سياسية لا جنائية.
الشرط الثالث هو أن يكون العصيان المدنى عملاً هادفاً ومنضبطاً غير فوضوى حيث لابد أن يتضمن مجموعة من المطالب المحددة والمفهومة، ويفضل أن تكون مكتوبة حتى يتمكن المسئولون من الاطلاع عليها، ويمكن أن تنشر هذه المطالب فى وسائل الإعلام من أجل الزيادة فى الضغط على الحكومة، كما يجب أن تكون قيادة العصيان المدنى واضحة ومشخصة تعلن عن نفسها أمام الرأى العام، وهى التى تتفاوض بالنيابة عن ممثليها وباسمهم، فإذا كان العصيان فوضويا وليس له أهداف واضحة أو أن قيادته غير مشخصة فلا يصح وصفه بالعصيان المدنى.
الشرط الرابع أن يكون هدف العصيان تحقيق مطالب مشروعة وواقعية، فإذا كانت مطالب العاصين غير مشروعة أو غير واقعية فلا يسمى العصيان مدنيا كما لو طالبوا السلطة بتقديم أحد المسئولين إلى القضاء دون تقديم أدلة تدينه.
الشرط الخامس وهو شرط متعلق بالسلطة وهو ضرورة أن تتعامل السلطة مع العصيان المدنى تعاملا جديا من حيث اعتباره حقاً دستورياً مكفولاً للمواطنين جميعاً، ومن حيث إنه حق محمى ومن واجب السلطة أن توفر كل وسائل الحماية اللازمة للعاصين المدنيين، وأن تأخذ مطالب العاصين مأخذ الجد، وأن تسعى إلى انجازها أو بعضها من خلال التفاهم والتحاور مع قيادة العاصين المدنيين، وأن لا تعطى الوعود الكاذبة أو الصعبة للعاصين مما يبعث برسالة خاطئة للمجتمع بأن السلطة لا تلبى أية مطالب إلا بالقوة والعنف، بل يمكن للسلطة خاصة تلك التى تسير نحو «الديمقراطية» كالعراق أن تشجع وتفعل الحركات الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدنى والمنظمات غير الحكومية للقيام بمثل هذه الأعمال السلمية وإنجاز مطالبها ليكون الحل المدنى السلمى هو السبيل الوحيد للتعبير عن رفضنا أو تحقيق مطالبنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.