لا يمكن بأى حال من الأحوال فصل الزيارة الحالية لوزير الخارجية الايرانى "على أكبر صالحى" لمصر ، وما سبقها من أنباء غير مؤكدة عن زيارة "قاسم سليمانى" قائد فيلق القدس فى الحرس الثورى الإيرانى للقاهرة ، وغيرها من التصريحات الإيجابية المتبادلة بين القاهرةوطهران ودعوة "مرسى" للرئيس الايرانى " أحمدى نجاد" للمشاركة فى القمة الاسلامية بالقاهرة قريبا ، عن الأزمة الاخيرة بين مصر والإمارات وبعض دول الخليج الاخرى . فمنذ انتخابه رئيسا لمصر فى يونيو الماضى ، حرص الرئيس المصرى "محمد مرسى" على إرسال عدد من الرسائل المهمة فى الخارج ، حيث قام بزيارة للصين ، فى أول جولة خارجية غير عربية له ، وتحدث "مرسى" عن إمكانية اقامة علاقات مع إيران ، بل إنه زار طهران وشارك فى قمة دول عدم الانحياز . وفى الوقت نفسه زار السعودية ، المنافس الإقليمى والخصم اللدود لإيران فى المنطقة . الدعم الخليجى كما حرص مرسى فى الأشهر القليلة الماضية على طمأنة دول الخليج والتحدث عن العلاقات الاستراتيجية معها ، وأن أمن الخليج من أمن مصر وغيرها من رسائل الطمأنة والود ، ويبدو أن "مرسى" يسعى لتأمين مساعدات تلك الدول الاقصادية فى ظل الظروف الصعبة للاقتصاد المصرى . وبينما كان "مرسى" يغضب إيران بين الحين والآخر بتصريحات مناهضة للرئيس السورى "بشار الأسد" حليف إيران ، إلا أنه كان حريصا فى كل المواقف ألا يقطع الخيط مع طهران ، بل ترك الباب مواربا لإمكانية إقامة علاقات قوية مع هذا البلد ، المعادى الأول لإسرائيل وأمريكا وحلفائهم من دول الخليج . خلية الإخوان فى الإمارت ومنذ أيام قليلة تفجرت الأزمة بين مصر والامارات العربية بعد اعتقال 15 مصريا فى الإمارات بتهمة انتمائهم للإخوان المسلمين والسعى لزعزعة نظام الحكم هناك ، وعلى إثر هذا الحادث سافر وفد رفيع المستوى إلى الإمارات للافراج عن المعتقلين المصريين ، ولكن الوفد عاد بخفى حنين ، ولم ينجح فى مهمته ، كما فشل وزير الخارجية "محمد كامل عمرو" فى الحصول على وساطة السعودية فى الأزمة مع الإمارات ، خلال زيارته منذ أيام إلى الرياض . وفى ظل هذ الوضع المعقد والذى اعتبره مرسى تحديا من دول الخليج لحكمه ولجماعة الإخوان المسلمين التى ينتمى لها ، وفى ظل ما تردد عن دور تآمرى للأمارات وبعض دول الخليج الاخرى لأسقاط حكم مرسى والاخوان فى مصر ، وتصريحات " ضاحى خلفان " رئيس شرطة دبى المستمرة والمعادية للإخوان المسلمين ولمرسى ، كان لابد للرئيس "مرسى" أن يلوح بكارت ايران ( بعبع الخليج) ، حيث أن هناك نزاع تاريخى بين الاماراتوايران حول مجموعة من الجزر فى الخليج . ومما لاشك فيه أن كارت إيران رابح فى ظل موقف الخليج من الوضع فى مصر . كارت رابح ومن المؤكد أن إقامة علاقات قوية بين طهرانوالقاهرة يصب فى مصلحة مصر وايران ، ويلحق الاذى بالخليج . والحقيقة أن إقامة علاقات مع إيران خطوة تأخرت كثيرا من جانب السلطات المصرية ، بسبب ارتماء النظام السابق فى أحضان أمريكا . فقد بدأت التحذيرات تخرج من تل أبيب ، وزاد القلق والهواجس من التقارب المصرى الايرانى . وهو ما يؤكد أن استقلالية مصر فى توجهاتها وعلاقاتها ستكون سر قوتها فى المرحلة المقبلة ، وعندما تتقارب مصر من ايران، فإن ذلك لا يعنى أنها ستخسر أمريكا والخليج ، بل سيزداد دعم الخليج وامريكا لمصر وسيسعون من اجل التقارب للقاهرة ، وهكذا تكون إدارة السياسة الخارجية ، باستخدام كل الكروت المتاحة ، فى الأوقات المناسبة ، فالسياسة لا تعرف لغة العواطف ، بل تعرف لغة المصالح.