لماذا استقال الدكتور محمد محسوب وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية؟ إن الاستقالة المفاجئة جاءت بعد ساعات من حضوره جلسة مجلس الشورى، وإلقائه كلمة الحكومة، وصفق له جميع أعضاء التيار الدينى الذين يسيطرون على «88٪» من مقاعد المجلس الذى يضم «270» نائباً بعد قيام الرئيس مرسى بتعيين «90» نائباً جديداً معظمهم من التيار الدينى أيضاً! كان محسوب مختالاً فخوراً فوق منصة الشورى، وهو يتحدث عن الخير الوفير الذى «سيرخ» كالمطر على «دماغ» الفقراء بعد تطبيق الدستور، الذى يعتبر الدكتور محسوب أحد مهندسى إعداده، وسلقه، وتقديمه وجبة رئيسية إجبارية على مائدة المصريين، كما تحدث عن التشريعات العاجلة لمواجهة الفساد، واسترداد الأموال المنهوبة، وقوانين تضارب المصالح، والعدالة الاجتماعية، والانتخابات، ودعا مجلس الشورى إلى البدء فى مناقشة هذه القوانين من الأسبوع القادم، محذراً من أن أى تأخير فى مناقشتها سيؤدى إلى ضياع أموالنا المنهوبة فى الخارج، كما دعا محسوب إلى ضرورة أن تنقضى بلا رجعة السياسات الاقتصادية التى ميزت الأغنياء على حساب الفقراء، وألا يبقى فى الدولة ما يسمى ب«المناطق الهامشية»، ووصفها بأنها عار يجب أن ينقضى. وأشاد «محسوب» بحكومة «قنديل» وقال أن هذه الحكومة لن تقبل مساساً بمصر ولن تدخر جهداً فى التعاون مع أشقائها العرب للوصول إلى الوحدة المنشودة. وبصفته وزير الشئون القانونية، فإن دوره عرض القوانين، أمام مجلس الشورى فى بداية جلساته يوم الأربعاء القادم بعد جلسة اليوم التى حضرها مرسى، وفجأة أعلن محسوب استقالته، وقيل أنه قدمها إلى مرسى، ثم الى الدكتور قنديل، لكن الأهم لماذا استقال إذا كان متأكداًمن كلامه أمام الشورى بأن الحكومة «زى الفل» وأن الدستور الذى يعتبر أحد انجازاته يرعى حرية التعبير والرأى والحق فى الكرامة والعمل، ويوفر الحياة الكريمة لكل المواطنين، هل هو هروب من غضبة الشعب الذى شرب مؤامرة الدستور، هل كان ينوى محسوب الاستقالة بعد الموافقة على الدستور، واكتشافه أن النسبة القليلة التى مرر بها الدستور تسببت فى حرج له وانه أصبح لا يعبر عن جموع الشعب، وهل استقال فجأة لسبب آخر، هل كان موعوداً بأن يكون رئيساً للوزراء مكافأة له على الجهد الذى بذله فى إعداد الدستور، ونقل سلطة التشريع إلى مجلس «المصطبة»، وإعداد هذا الكم الهائل من مشروعات القوانين ليقرها مجلس ال«7٪»! إن استقالة محسوب حتى لو تراجع عنها نتيجة الضغوط التى يمارسها عليه مرسي تحتاج إلى تفسير وتوضيح للوقوف على الأسباب الحقيقية وراء تقديمها وأن الأسباب التى تسربت عن الاستقالة هى أن «محسوب» اكتشف أن كثيراً من السياسات تتناقض مع توجهاته ولا يرى انها تعبر عن الشعب، وأن إقرار الدستور يحتاج إلى مرحلة جديدة يشعر بها المواطنون بأن تغييراً قد حدث. كما تردد أن سبب الاستقالة هو الفشل فى استرداد الأموال المنهوبة، وعدم الاستجابة للملف الذى قدمه لاسترداد هذه الأموال. وتضمن بيان حزب الوسط الذى ينتمى إليه محسوب رواية أخرى للاستقالة هى أن رفض الحزب استمرار قنديل الذى يعتبر غير موجود فى الواقع وراء سحب وزيره من الحكومة الجديدة. هل يستطيع مرسى إقناع محامى الحكومة بالتراجع عن الاستقالة لعرض حزمة القوانين على الشورى، وينقذ ما يمكن انقاذه فى تمرير هذه المشروعات استناداً إلى خبراته القانونية أم يصر محسوب على استقالته، وهل يكشف محسوب عن الأسباب الحقيقية للاستقالة أم تمر فى هذا الجو الغائم الملئ بالمفاجآت كما مرت أشياء أخرى، وهل استقال محسوب حرجاً من قنديل عندما صرح بضرورة استقالة الحكومة بالكامل. وإذا كانت استقالة الوزير الأهم فى الحكومة غامضة، فإن التحية واجبة للسيدة نادية هنرى التى رفضت التعيين فى مجلس الشورى، وقالت بوضوح وشفافية تامة إنها اكتشفت أن عضوية الشورى لن تتيح لها فرصة حقيقية فى القيام بدور فعال تخدم به الشعب، ولن تقبل لقب نائبة فى ظل وجود فصيل مسيطر على «88٪» من مقاعد المجلس، ألف تحية لهذه السيدة.