لعل السمة المميزة في العام 2012- والذي سيغادرنا بعد أيام أو ربما ساعات- تتجسد في أنها كرست الحضور الخليجي الواضح في معادلات النظام الإقليمي العربي على نحو أكثر تأثيرا وفعالية عن ذي قبل وذلك لا يعني أن منظومة مجلس التعاون أضحت المحرك والمحفز لسلوك واتجاهات هذا النظام وإنما يعكس على نحو أو آخر حالة حراك في هذه المنظومة على الصعيد القومي وهو أمر ينبئ عن شعور بتغير جوهري في درجة أدائها ونوعية تفاعلها مع التطورات والأحداث التي شهدتها المنطقة على صعيد ما بات يعرف بثورات الربيع العربي. فبينما بدا واضحا أن ثمة هواجس لدى بعض الأطراف الخليجية من هذه الثورات خاصة المصرية أسهمت دول مهمة في مجلس التعاون في الدفع بهذه الثورات خطوات متقدمة على صعيد تمكينها من تحقيق أهدافها ويأتي في مقدمتها الثورة اليمنية التي قدمت لها منظومة المجلس ككل المبادرة الخليجية التي شكلت منطلق احتواء الصراع بين نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح والقوى الثورية والسياسية المناهضة له ضمن سياق سلمي جنب اليمن دخولا وشيكا في حرب أهلية كان يمكن أن يدفع الجميع كلفة باهظة لها. ولم يتوقف الأمر عند حد الإسناد السياسي لليمن وإنما اتخذ منحى عمليا تجلى في تقديم دول المجلس مليارات الدولارات لصنعاء سواء ضمن إطار الدول المانحة أو على الصعيد الثنائي. ويمكن القول إن دول الخليج - وبالذات السعودية وقطر والإمارات - لعبت دورا شديد الأهمية في القفز بالثورة السورية إلى سقف أعلى من الدعم والعون بكل الأشكال بما في ذلك الإسناد اللوجستي والعسكري للثوار عبر قنوات سرية رغم النفي العلني الرسمي لذلك فضلا عن المساعدات المالية خاصة للاجئين السوريين بدول الجوار" تركيا والأردن ولبنان" والأهم من ذلك الدفع باتجاه بلورة ما بات يعرف بالائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية والذي تم الإعلان عنه بعاصمة خليجية هي الدوحة في الثاني عشر من نوفمبر الماضي بالتنسيق مع الجامعة العربية وبمشاركة من بعض الأطراف العربية المهمة كمصر وتونس. ولاشك أن منظومة مجلس التعاون سوف تسعى إلى تعميق حركتها وفعاليتها في 2013 باتجاه يدفعها للقيام بدور أكثر حيوية في إعادة بناء النظام الإقليمي العربي، بدلا من ترك مبادرة صياغته في يد تركيا أو إسرائيل أو إيران وبالتنسيق والتعاون مع مصر التي ستعيد عافيتها الإقليمية بعد أن تعيد ترتيب البيت من الداخل إثر حالة الانقسام والتشظي التي سادت نخبها وقواها السياسية في الأشهر الثلاثة من 2012. ويمكن النظر في هذا السياق إلى أن مساعي دول المنظومة لتجاوز مرحلة التعاون السائدة منذ 1981 وصولا إلى مرحلة الاتحاد الخليجي وفق الفكرة التي طرحها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال القمة الخليجية التشاورية التي استضافتها الرياض في مايو الماضي ستمثل- في حال إقرارها وهو الأمر المتوقع في قمة خاصة لقادة دول الخليج بالرياض أيضا خلال العام 2103 – رافدا قويا لتعزيز الحضور والقومي لمنظومة مجلس التعاون - دون محاولة الهيمنة على النظام الإقليمي العربي بالطبع - متكئة في ذلك على كثافة سكانية كبيرة تقترب من ال25 مليون نسمة وعناصر قوة اقتصادية واستثمارية وعسكرية. وعلى صعيد الحراك السياسي الخليجي شهد العام 2012 تهدئة للأوضاع في البحرين في ظل النزوع الرسمي الذي يقوده الملك حمد بن عيسى آل خليفة وولي العهد الشيخ سلمان بن حمد لتخفيف الاحتقان الطائفي والمذهبي والذي نجم عن أحداث الرابع عشر من فبراير 2011 والتي حاولت أطراف محلية مدعومة إقليمية أن تلحقها بثورات الربيع العربي وقد أخذ ذلك أشكالا متقدمة - وفقا لما ذكره وزير حقوق الإنسان البحريني د. صلاح عبد الرحمن بن علي في لقاء خاص معي بالقاهرة على هامش زيارته لها قبل أيام - تمثلت في إعادة هيكلة أجهزة الأمن على نحو ينهي أي ممارسات كانت مصدرا لشكاوى المعارضة والقيام بخطوات حقيقية لاستعادة ما يصفه باللحمة الوطنية بعد أن وقع نوع من التخندق الطائفي على حد قوله خلال العامين المنصرمين فضلا عن توفير البيئة المواتية لإطلاق حوار وطني حقيقي بغير شروط مسبقة والتي تحاول بعض الدوائر المعارضة فرضها قبل البدء في هذا الحوار. ومن المنتظر أن يشهد العام 2012 بلورة الخطوات العملية لإتمام هذا الحوار وهو ما لفت إليه العاهل البحريني غير مرة في الآونة الأخيرة باعتباره المدخل الوحيد لإنهاء التوترات التي مازالت تلقي بظلالها على مفردات الواقع البحريني ولكن الكويت قدمت في العام 2012 أنموذجا مفعما بالحراك السياسي الذي لم يكن مألوفا في منطقة الخليج فقد شهدت لأول خلال الأشهر الأخيرة من هذا العام احتجاجات عنيفة من قبل المعارضة رفضا للقانون الانتخابي الذي أصدره الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح ووصل الأمر إلى حد الاشتباكات بين المتظاهرين وأغلبهم من قوى إسلامية وقومية وليبرالية وقوات الأمن وبالعودة إلى الوراء قليلاً، فقد حققت المعارضة بقيادة الإسلاميين فوزا كاسحاً في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي نظمت في فبراير الفائت، حيث حصلت على 34 مقعداً من أصل 50 بينها 23 مقعداً فاز بها المرشحون الإسلاميون من تيار الإخوان المسلمين والتيار السلفي.. وهو ما شكل سيطرة شبه تامة على قرارات المجلس من قبل المعارضة. لكن فرحة المعارضة لم تستمر بما حققته من نتائج في تلك الانتخابات، حيث قضت المحكمة الدستورية الكويتية التي تعد أحكامها نهائية، ببطلان انتخابات المجلس المنتخب في فبراير 2012، بسبب خطأ إجرائي، وأنه بحسب المادة 173 من الدستور، تقرر إنشاء محكمة دستورية تختص بالفصل في النزاعات الخاصة بمجلس الأمة، وحكمت بإعادة المجلس السابق أو مجلس 2009 الذي كان قد حله أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد في ديسمبر 2011.. وتباينت بعد الحكم مواقف النواب، حيث اعتبرت الأغلبية الأمر بأنه أشبه بمسرحية، وبدأ نوابها بتقديم استقالاتهم من مجلس النواب المنحل، فيما رحّب نواب الأقلية بالقرار. لكنّ أمير الكويت أصدر مرسوماً في بداية أكتوبر الماضي بحل مجلس الأمة المنتخب عام 2009 عقب توصية من الحكومة بذلك، ثم في 18 من الشهر نفسه أعلن عبر التلفزيون الرسمي أنه أصدر توجيهاته إلى الحكومة بإعداد مراسيم بقوة القانون لإجراء تعديل جزئي في النظام الانتخابي القائم، وتأسيس اللجنة الوطنية للانتخابات وتنظيم الحملات الانتخابية، ودعا كذلك إلى نبذ الكراهية وحماية الوحدة الوطنية، ومكافحة الفساد، وذكر في كلمته أن "آلية التصويت في النظام الانتخابي القائم أسفرت عن نتائج تجافي العدالة والتمثيل الصحيح لأطياف المجتمع الكويتي، وأن كل ذلك انعكس على أداء المجلس وانحرافه في أداء مهامه ومسؤولياته". غير أن تعديل المادة الثانية من قانون الانتخابات في الكويت، أحدث حراكاً شعبياً لم يهدأ، حيث إن التعديل جاء على آلية التصويت، بحيث يختار الناخب نائباً واحداً فقط بدلا من أربعة. وهو ما أعقبه إعلان المعارضة إلى جانب عدد من القوى السياسية مقاطعتها للانتخابات القادمة لمجلس الأمة، حيث ترى تلك القوى في تعديل النظام الانتخابي، أنه انقلاب جديد على الدستور والهدف منه التلاعب في النتائج والوصول إلى برلمان مُوال للحكومة وتحرك الشارع الكويتي، وخرج الآلاف في ثلاث مظاهرات كانت آخرها عشية إجراء الانتخابات في الأول من شهر ديسمبر وأسفرت عن فوز مرشحي الأقلية الشيعية ب17 مقعدا من إجمالي المقاعد التي يبلغ عددها 50 مقعدا أي نحو ثلث المقاعد في مجلس الأمة، كما عاد إلى المجلس 18 نائبا سابقا بينما حصلت المرأة الكويتية على 3 مقاعد في المجلس الجديد. وشكلت نسبة المشاركة أحد أكبر التحديات في الانتخابات، التي تعتبر الثانية خلال هذا العام، خصوصا أن المعارضة راهنت على نسبة مقاطعة تبلغ 70 في المائة في حين أمل المرشحون الموالون للحكومة بمشاركة تتجاوز 50 في المائة. ولأول مرة تغيب أحزاب سياسية في الانتخابات بسبب المقاطعة، مثل المنبر الديمقراطي وكتلة العمل الشعبي والحركة الدستورية الإسلامية (الإخوان المسلمين). ومع ذلك تشكل التجربة الكويتية إلهاما لمنطقة الخليج رغم تحفظات بعض الأطراف عليها وسعيها لبناء نسقها الديمقراطي الذي يتناسب مع مكوناتها الاجتماعية مثل قطر التي تستعد لإجراء أول انتخابات برلمانية منذ استقلالها في سبتمبر 1971 خلال العام 2013وقد انتهت من وضع قانون انتخابي وتقسيم الدوائر التي ستجري فيها الانتخابات على نحو يجنبها مزالق التجربة الكويتية. ولم يشهد العام 2012 تحولات جوهرية في رؤوس السلطة بدول مجلس التعاون الخليجي التي حافظت على استقرار نظمها السياسية بوجه عام لكن السعودية شهدت رحيلا للأمير نايف بن عبد العزيز ولي العهد القادم من المؤسسة الأمنية في السادس عشر من شهر يونيو من هذا العام عن عمر يناهز التاسع والسبعين وعين خلفا له الأمير سلمان بن عبد العزيز ولم يفض ذلك إلى تغييرات نوعية في السياسة السعودية وإن كان وجود سلمان بما يتسم به من صغر سنه نسبيا سيعكس قدرا من الحيوية في أداء مؤسسة الحكم في الفترة المقبلة خاصة أنه يوصف بأنه رجل الملفات الصعبة في المملكة. السطر الأخير: من المنامة أبعث لك بمراسيلي إليك عشقا متوهجا بمواسمي العطشى إليك نقلا عن صحيفة الشرق القطرية