نشرت مجلة " فورين بوليسي" الأمريكية مقالاً لمراسلها "بيتر جالبريت" تحت عنوان "هل يتفكك العراق اذا نوفي رئيسه؟"، خصصه للحديث عن الرئيس العراقي "جلال طالباني". وقال الكاتب: "لا تزال التخمينات في المرحلة الحالية بالنسبة إلى الرئيس العراقي "جلال طالباني" تتسم بعدم الوضوح بعد أن أصيب بنوبة قلبية في اوائل هذا الاسبوع. لقد ظل صديقا لي لمدة 25 عامًا، وآمل أن تستمر حيويته الفطرية ليعبر إلى بر الأمان من الأزمة الأخيرة. فهو قبل هذا وذاك تحدى معوقات ابعد مدى ليصبح أول رئيس منتخب ديمقراطيا في دولة لها تاريخ يعود إلى آلاف السنين تعتبر مهد الحضارات. إلا أنه لا يمكن التكهن حتى الآن بما ستكشف عنه التخمينات، وإن كان واضحًا أنه سيبتعد عن ميدان العمل لفترة من الزمن، وسوف نشعر بغيابه. القضية الكردية وأشار الكاتب إلى أن "طالباني" الذي وهب حياته للقضية الوطنية الكردستانية، أطلق عليه لقب رجل الوحدة، ولا غرابة في انه قد يكون الشخص الوحيد في الدعوة للوحدة بين كبار الزعماء السياسيين في العراق، وفي هذا مفارقة معينة لان "طالباني" يظل وطنيا كرديا، وعندما يتحدث عن "بلاده" فهو يعني كردستان وليس العراق، ولم يأل جهدًا بصفته رئيسًا للبلاد في إعلاء شأن الحقوق الكردستانية بمقتضى الدستور العراقي. إلا انه بقوة شخصيته استخدم المنصب الرسمي لرئيس الجمهورية من اجل تهدئة الصراعات الى حد كبير بين الشيعة والسنة والأكراد، وهو في حقيقة الأمر الوسيط الرئيسي، وقبل وقت قصير توصل الى اتفاق بين حكومة اقليم كردستان والحكومة الفيديرالية لسحب قواتهما من المنطقة المتنازع عليها حول كركوك، وفي حالات أخرى توسط في النزاعات بين السنة والشيعة، وحتى بين الشيعة انفسهم. ولطالباني اسلوب فريد في المعالجة، فهو مخلص تجاه كل فرد تقريبا، واذا اخذنا في الاعتبار ان منصبه يعني القيام عموماً بواجبات بروتوكولية، فقد كان اكثر الرؤساء بعدا عن الرسميات – يستقبل الضيوف بالقبلات، ويتبسط في الحديث ولا يحرم الاخرين من المعرفة، بل ويقدم اطباق الطعام بنفسه لضيوفه (وأحد الاطباق المفضلة لديه هو الديك الرومي، موضوعاً بأكمله على المائدة. وفي اكثر من مرة سألني "هل نقوم بتقسيم تركيا ( الديك الرومى)؟" وكان يشير بالانجليزية إلى ( الديك الرومى) والبلاد التركية بالكلمة ذاتها. ثم يقوم بقطع الفخذ الايمن للديك ويقول مازحا "خذ الجنوب الشرقي لك" غير ان هزله نادرا ما ينظر على انه مسيء: فحكومة "طالباني" ورفاقه من السياسيين يكنون الاحترام له ليس لكونه رئيسا وانما لثقتهم بقراراته ونضاله الطويل ضد الدكتاتورية. وهذه الخصائص هي التي تجعل من الصعب ايجاد بديل له، والاعتقاد التقليدي هو ان الاكراد يريدون ان يستبدلوا به كرئيس – اذا ما حصل ذلك – اخر من الاكراد. والحقيقة هي أن الأكراد أرادوا ان يظل "طالباني" في الرئاسة لأنه الشخصية المسيطرة بين القادة السياسيين الجدد في العراق ولتصحيح المشكلة العملية بوجود مركزين رئيسيين لاثنين من كبار القادة في كردستان (أحدهما هو مسعود بارزاني، رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي اصبح رئيسا لاقليم كردستان) غير ان الاكراد اليوم لا يأبهون لتبوأ منصب الرئاسة في العراق اذا لم يكن الرئيس هو "طالباني". ويرغب الاكراد في الاعتراف بالحقوق الدستورية لحكومة اقليم كردستان في ما يتعلق بالنفط واجراء استفتاء كركوك ومناطق اخرى متنازع عليها، ويرون ان رئيس الوزراء "نوري المالكي" عقبة رئيسية أمام تحقيق هذه الأهداف كما يخشون مما يعتقدون انه ازدياد في ميوله الاستبدادية . وبناء عليه فقد يتهاون الاكرد في شأن الرئاسة اذا ظهرت صفقة افضل لاحلال زعيم لديه الاستعداد لتحقيق مطالب الاكراد محل "المالكي". وطالباني- الذي عرف بانه وسيط للسلام – ساعد في حجب اقتراح بعدم الثقة بالمالكي في وقت سابق من هذا العام. وكانت الكتلة الكردية وانصار رئيس الوزراء السابق "إياد علاوي" قد حشدوا عددا من الاصوات يقارب ما يحتاجون اليه لاستبدال رئيس الوزراء. دوره فى التوفيق ويعود الفضل إلى حد كبير إلى ما يتصف به "طالباني" من صفات التوفيق بين الاطراف، وسيكون الاكراد في موقع اقوى حتى بعد ان يغادر منصبه. ومع الاقتراب من حافة الحرب في العام 2003، حظي "طالباني" بعلاقة عمل وثيقة مع احد منافسي "مسعود بارزاني" ذات يوم وهو ابن طالباني الموهوب "قباد"، الذي يتولى الان منصب رئيس هيئة موظفي رئيس وزراء قطاع كردستان العراق "مشيرفان بارزاني". واليوم يتعامل رئيسا الحزبين الكردستانيين الرئيسيين، الاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة "طالباني" والحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة بارزاني، من خلال لقاءات مشتركة للقيادة، وهو ابعد ما كان عليه الوضع قبل 15 عاما عندما اشتبكا في حرب اهلية كردية. كردستان وحكومة المالكى وتقف حكومة كردستان العراق المنتخبة وقوتها العسكرية التي يطلق عليها اسم البشمركة في موقع قوي في مواجهة "المالكي" والحكومة الفيدرالية. وينمو اقتصاد كردستان، في وقت عززت فيه حكومة كردستان العراق من علاقاتها الوثيقة مع دول العالم الخارجي، وخاصة تركيا المجاورة، ومقابل ذلك فان علاقات "المالكي" مع رئيس الوزراء التركي "رجب طيب اردوجان " تبدو سيئة، وليس لبغداد سلطة او نفوذ في اربيل. وبموجب الدستور العراقي فان برلمان كردستان العراق يستطيع تعديل او الغاء اي قانون فيدرالي من حيث تطبيقه في كردستان. ومن الناحية العملية، فإن الحكومة الفيدرالية قلما تصدر قوانين تتجاهلها كردستان، والمواجهة بين حكومة كردستان العراق والمالكي هي مواجهة بين ندين. اذ ليس بامكان احدهما ان يفرض ارادته على الاخر. الاقليات تخسر فى غيابه ومن هنا فإن غياب "طالباني" قد تشعر به بصورة اكثر حدةً الطوائف العراقية الاقل قوةً من الاكراد. فخلال الحرب الأهلية العراقية الحديثة العهد وفر هو وبارزاني ملجأً آمناً للمسيحيين والعراقيين الآخرين الهاربين من العنف الطائفي. وكان طالباني، حتى قبل ان اصبح رئيساً في 2005، على اتصال بشيوخ العراقيين السنَة – الذين كان كثير منهم يذهبون لزيارته في بيته الريفي على شاطئ بحيرة دوكان (في محافظة السليمانية) – في جهد لمنعهم من الشعور بانهم مهمشون كلياً. وفي صيف 2005، عندما ركزت النخبة السياسية في العراق وصانعو السياسة الاميركية على المفاوضات الدستورية، واصل طالباني التعبير عن القلق من فرق الموت الشيعية – المرتبطة بوزارة الداخلية – والتي كانت تستهدف السنة. ووفر عمل طالباني السياسي في الميدان لزعماء السنة التقليديين قدراً من الثقة كان مهماً لضمان تعاونهم – عن طريق ميليشيات ابناء العراق – في القتال ضد "القاعدة". وطالباني هو بطل غير محتفى به في نجاح يعزى عادةً الى الجنرال "بترايوس" وزيادته لعدد القوات الاميركية. الوساطة وتباين المواقف اما كون معظم الوساطات التي اضطلع بها "طالباني" قد فشلت فهذا ليس تقصيرا منه، بل لأن مجموعات العراق القومية والدينية لها وجهات نظر متباينة تبايناً اساسياً ازاء مستقبل العراق: فالاحزاب الدينية الشيعية المسيطرة الآن تريد تعريف العراق كدولة شيعية، بينما ينظر السنة العرب الى العراق باعتباره جزءاً من الأمة العربية السنية عامةً. وحتى بينما يقبل سنة كثيرون الآن فقدان الامتيازات التي كانت لهم خلال سنوات العراق ال80 الاولى (منذ قيامه في القرن العشرين)، فان قلة يوافقون على ان العراق يجب تعريفه بطريقة لا تشملهم. اما الاكراد، بالطبع، فيريدون الاستقلال في واقع الامر. قضايا غبر قابلة للحسم وبينما لم يحسم "طالباني" معظم قضايا العراق المثيرة للنزاع (لأنها، جزئياً، غير قابلة للحسم)، فقد ساعد في اقناع كل طائفة ومجموعة بان امامها ما تكسبه من خلال العمل السياسي اكثر مما يمكن ان تكسبه عن طريق العنف. وكثيراً ما شلت انقسامات العراق الطائفية والقومية حكومة العراق الفيديرالية – وكانت مساهمة "طالباني" الفريدة هي فهمه ان الشلل افضل من فرض مجموعة واحدة ارادتها على الآخرين. وهناك خلفاء محتملون كثيرون لطالباني كرئيس، لكن العراق بحاجة الى أحد يستطيع ملأ الفراغ الذي يتركه، ولن يستطيع اي من المرشحين المقبولين لخلافة طالباني ملأ ذلك الفراغ".