تقرر المادة الثانية من الإعلان الدستورى الصادرة فى 8 ديسمبر 2012 المبدأ المقرر فى قانون الإجراءات الجنائية، عن جواز إعادة المحكمة الجنائية فى حالة ظهور أدلة قطعية جديدة على الإدانة أو البراءة، بحسب الأحوال. والملاحظ أن هذه المادة تقصر تحقيق ذلك على الجرائم التى وقعت من 25 يناير إلى 30 يونيو 2012، وبذلك لا يدخل فى هذه الفترة الجرائم والجنايات التى وقعت بعد 30 يونيو، ومنها ما وقع من قتل ثمانية وإصابة 750 أمام قصر الاتحادية منذ أيام، والقصد من ذلك هو تخليص الرئيس من المسئولية السياسية والجنائية عن هذه الجرائم وما وقع من ضحايا ولو على أساس عدم منعهم الاعتداء من جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين على المتظاهرين المعتصمين أمام قصر الاتحادية. أما المادة الثالثة فهى تحصن الجمعية التأسيسية الباطلة من الرقابة القضائية، وتثبت ميعاد الاستفتاء على مسودة الدستور فى 15 ديسمبر 2012، كما تكرس المعارضة بأنه سوف تتم الاستجابة لشروطها، إذا تم الاستفتاء جبراً عن الشعب فى هذا التاريخ وذلك إذا كان الرأى هو عدم الموافقة، والغريب أن هذا النص لم يتضمن تحديد الأغلبية اللازمة لصحة التصويت فى الاستفتاء، ولصحة القرار بالرفض أو القبول للمشروع المعروض، بما يعنى أن ذلك يفترض وقوعه طبقاً للقواعد العامة الدستورية والعرف الدستورى المتبع فى الاستفتاءات السابقة بمصر، والتى كانت تتم بنسبة لا تقل عن 75٪ بالنسبة لصحة الحضور والتصويت فى الاستفتاء، وبنفس النسبة لصحة القرار بالتصويت ولكن الأرجح أن اتجاه التيار السلفى والإخوانى الذى ينتمى إليه د. مرسى سوف يزعم أن صحة التصويت والحضور للاستفتاء سوف تكون بالأغلبية أى النصف + 1 من المصوتين، ومن الحاضرين بالنسبة لأعداد الناخبين، بينما الصحيح أن هذ الاستفتاء لا يكون صحيحاً إلا بتصويت أغلبية الثلثين من الناخبين، وأن يكون القرار بأغلبية ثلثى المصوتين أيضاً وأن ذلك هو الحد الأدنى المتبع فى الاستفتاء على الدساتير وإلا كان الاستفتاء باطلاً، ولا يصحح الأمر ما ورد فى المادة (225) من مسودة الدستور المعروضة فى الاستفتاء، التى تقضى بأن «يعمل بالدستور من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليه فى الاستفتاء، وذلك بأغلبية الأصوات الصحيحة للمشاركين فيه لأن هذه المسألة ليس لها أى أثر إلا بعد نفاذ الدستور بالموافقة الشعبية فى الاستفتاء، وهى لا يجوز أن تسرى بأثر رجعى، كما أنها لم تتضمن أى تحديد للحد الأدنى لعدد الناخبين الذين يساهمون فى الاستفتاء، وبالتالى يكون - كما توهم أعضاء الجمعية التأسيسية الباطلة - الأغلبية من أى عدد يتوجه للتصويت، ويتناقض حتماً ذلك السند لنفاذ الدستور مع المبادئ الدستورية العامة والعرف الدستورى سالف الذكر، حيث لا يتصور نفاذ دستور لدولة بأغالبية أى عدد يشارك فى الاستفتاء، كما سبق القول وإنما هذا عبث لا يقبله المنطق السليم، ويضاف إلى ذلك أنه لم يتم نشر مسودة الدستور فى الجريدة الرسمية، أو إرفاقه مع بطاقة الانتخاب لكى يستطيع أن يطلع عليه الناخبون ويدرسونه، كما أنه أيضاً لم تحدد مدة كافية للاطلاع والدراسة!! على زعم أن المادة (60) من الدستور المؤقت قد أوجبت عرض الدستور فى الاستفتاء، خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتهاء اللجنة التأسيسية منه، بينما هذا «ميعاد تنظيمي» لا يرتب بطلاناً وسبق أن نص فى الإعلان الدستورى الصادر فى 21 من نوفمبر 2012 على مد المدة المذكورة لشهرين!! ثم ألغى د. مرسى ذلك. وثالثة الأثافى أن المادة الرابعة الرابعة من الإعلان الدستورى الصادر فى 8 ديسمبر 2012 آنف الذكر، تقضى بأن «الإعلانات الدستورية بما فيها هذا الإعلان تقبل الطعن عليها أمام أية جهة قضائية، وتنقض الدعاوى المرفوعة أمام أية جهة قضائية، وتنقض الدعاوى المرفوعة بهذا الشأن أمام جميع المحاكم». وهذا النص غير مسبوق فى التاريخ القضائى المصري، وأظن أنه لا شبيه له فى الدول الديمقراطية المتمدينة وهو معدوم الأثر، لأنه يتناقض مع صريح المادة (21) من الدستور المؤقت الفائت فى 30/3/2011 وأيضاً مع الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، والاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مونتريال لاستقلال القضاء!! وهذا النص المعدوم الأثر يهدد ويلغى الشرعية الدستورية والقانونية ويهدد استقلال القضاء ويلغى اختصاص المحاكم عامة بإقامة العدالة!! ويحل شرعية العنف والبلطجة فى الشوارع بدلاً من الشرعية الدستورية والقانونية! وقد زاد هذا الإعلان غير الدستورى الباطل والمعدوم من الرفض واحتقان الأغلبية العظمى من الشعب المصرى، وأظن أنه سوف يدفع مع الإعلانات والقرارات الباطلة التى أصدرها د. مرسى إلى العصيان المدنى والاصطدام بالتيار الإخوانى السلفى وإهدار دم المعارضين فى حرب أهلية لا يعلم أحد مدى آثارها الكارثية على الوطن ومتى تنتهى ويعود الاستقرار والسلام الاجتماعى إلى البلاد. ورغم بطلان هذه الإعلانات غير الدستورية كافة قد أجريت المرحلة الأولى للاستفتاء فى 15 ديسمبر الجارى وقد وقعت فى هذا اليوم العديد من المخالفات العمدية لفرض الموافقة زوراً على المصريين، وكذلك المخالفات التى أساسها التقصير والإهمال وسوء الإدارة لعملية الاستفتاء، كما جرى الاستفتاء الباطل فى مناخ سياسى يتميز باستخدام العنف والقتل ضد المتظاهرين والمعتصمين فى التحرير، وأمام مقر الاتحادية، كما تمت محاصرة المحكمة الدستورية العليا ومنع قضاتها من دخولها، وأيضاً محاصرة المدينة الإعلامية، مع إطلاق التهديدات الإرهابية مع السب والقذف للقضاة ولكل المعارضين، ولا يتصور أن يتم استفتاء على دستور لأى بلد فى هذا الجو الإرهابي، مما يؤكد البطلان والانعدام لهذا الاستفتاء وحتمية العودة إلى احترام الشرعية الدستورية والقانونية من الرئيس وحزبه وجماعته وعشيرته كما يقول. رئيس مجلس الدولة الأسبق