ذكرنا بالمقال السابق أن «الرئيس المنتخب» يتعين عليه الالتزام بأحكام الدستور والقانون في أي تصرف أو إجراء أو قرار يصدره، كما أنه لا محل للقياس والمفاضلة بينه وبين المجلس الأعلي للقوات المسلحة، الذي كان كما سبق البيان «الحاكم الفعلي» للبلاد ونتيجة للأوضاع الواقعية لثورة «25» يناير سنة 2011، يتمتع بالشرعية «الدستورية الثورية» وبمجرد انتخاب الرئيس مرسي طبقا لأحكام الدستور المؤقت الصادر في 30 مارس سنة 2011، يكون قد أصبح «رئيسا دستوريا منتخبا»، وليست له أية سلطة ثورية دستورية لانعدام النص في الدستور المؤقت علي ذلك!!! ورغم ان الجمعية التأسيسية الإخوانية السلفية والمطعون ببطلانها، قد تعمدت الاستعجال لإنجاز مسودة مشروع الدستور وذلك دون تنفيذ ما قرره الإعلان الدستوري الرئاسي الباطل والمعدوم، عن مد مدتها شهرين، بالتعديل لأحكام المادة «60» من الدستور المؤقت، كما تعمدت هذه الجمعية برئاسة «المستشار الغرياني» تسليم الرئيس د. مرسي مسودة هذا الدستور، في احتفال استعراضي طريف وغريب أعلن فيه الرئيس أنه قرر ان يطرح هذه المسودة للاستفتاء الشعبي بعد عدة أيام وفي 15 ديسمبر، فإن ما تصرفت به هذه الجمعية، التي كان من المنتظر الحكم ببطلانها لعدم دستورية القانون الذي يخصها، مع بطلان تشكيلها، وذلك في 2 ديسمبر الماضي بحكم من المحكمة الدستورية العليا يرتب بطلان صحة هذه المسودة للاستفتاء!!! ولا يستطيع أحد أن يتنبأ بعد تعليق الجمعيات العمومية لنوادي القضاة والمحاكم العمل في كل فروع السلطة القضائية، وبينها المحكمة الدستورية العليا لحين سحب د. مرسي هذا الإعلان غير الدستوري الباطل - بما سوف يحدث، وقد انضم المحامون والصحفيون مع عشرات الآلاف من الشعب بدعوة من «جبهة الإنقاذ الوطني» إلي مليونية الاحتجاج والرفض لهذا الإعلان غير الدستوري، مع الإجراء غير الشرعي والمعدوم بعرض مشروع الدستور الباطل في الاستفتاء في 15 ديسمبر، دون إتاحة فرصة معقولة للشعب لدراسته، وقد تصاعد الاحتقان والغضب الشعبي وتم الاعتصام بمئات الآلاف، أمام قصر الاتحادية بمصر الجديدة، وسقط ثمانية من القتلي، وأصيب ما يزيد علي «750» متظاهراً، في الصدام الذي حدث نتيجة الهجوم الهمجي من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم، السلفيين، للمعتصمين أمام قصر الاتحادية. وبدلا من ان يحترم الرئيس د. مرسي الإرادة الشعبية المعارضة لإعلانه الباطل، ولقراره بإحالة مشروع الدستور الباطل إلي الاستفتاء، فإنه للأسف دعا إلي حوار مع قيادات المعارضة في «جبهة الإنقاذ الوطني»، وقد رفضت قياداتها الحوار، ما لم يتم صدور قرار من الرئيس بإلغاء الإعلان غير الدستوري والمنعدم، وتأجيل الاستفتاء المذكور، وذلك مع استمرار المعارضين في الاعتصام بميدان التحرير، وأمام قصر الاتحادية، وقد تضخمت مظاهرات المعارضة والرفض في مختلف المحافظات، مع سقوط عديد من المصابين، وأعلن المعارضون في المحلة والغربية استقلالهم عن مركز السلطة السلفية الإخوانية بالقاهرة وبذلك تكون قد سقطت دولة الشرعية الدستورية!!! ورغم كل ذلك فقد اجتمع الرئيس مع «54» من العناصر التي ينتمي أغلبيتها للإخوان المسلمين والسلفيين مع قلة من الاتباع والانتهازيين المتحالفين معهم، ومن الأعضاء بالجمعية التأسيسية الباطلة، وبعد اجتماع استغرق «15» ساعة بدأ برئاسة د. مرسي لفترة قصيرة، واستمر برئاسة نائبه!! ورغم ان هذا الاجتماع لا يمثل الشعب المصري المحتشد، والذي بلغ مرتبة العصيان والحرب الأهلية فإنه قد تمخض عن إعلان رئاسي جديد وعجيب وغريب وغير معقول، فهو مبدئيا قرار باطل ومعدوم ولا أثر له لانه لا يملك رئيس الجمهورية إصدار أو تعديل أو إلغاء الإعلانات الدستورية، ولانه لا يملك أية «سلطة دستورية مؤسسية» طبقا لأحكام الدستور المؤقت، كما ان اجتماع اللجنة الإخوانية السلفية باطل ومعدوم الأثر لانه لا صفة دستورية أو سياسية لأعضائها، وهم بكاملهم لا يمثلون الشعب ومع وجود قلة منهم يرأسون أحزاباً سياسية فإنه ألا يزيد عدد أعضاء أي منها علي المئات!!! ويضاف إلي ذلك ان هذه المجموعة لا تحقق ما يعد «حوارا سياسيا» لانها بأغلبيتها الساحقة، تمثل جماعة الإخوان المسلمين وجماعة السلفيين وقليلاً من التابعين لهم والتابعين للرئيس مرسي ذاته مثل نائب الرئيس والوزير محسوب.. وأعضاء الجمعية التأسيسية الباطلة مثل د. جبريل، د. ثروت. أما من الناحية الموضوعية فإن هذا الإعلان الباطل وغير الدستوري قد نص في مادته الأولي علي انه يلغي الإعلان السابق الصادر في 21/11/2012 وذلك اعتبارا من يوم صدور الإعلان الأخير علي أن يبقي صحيحا ما ترتب علي الإعلان الأول من آثار، وهذه صياغة غريبة حيث إن البديهي منطقيا ان يتناقض إبقاء آثار الإعلان الذي نص علي إلغائه صحيحه وبالتالي فإنه لم يتم حقيقة أي إلغاء لهذا الإعلان من جهة، بل إنه أبقي وحصن كل آثاره في الفقرة الأخيرة من المادة من جهة أخري، ويبدو انه المقصود بذلك الإعلان الزائف عن الإلغاء حسب مطالب جبهة الإنقاذ الوطني وللحديث بقية. رئيس مجلس الدولة الأسبق