قضي الأمر الذي فيه تستفتيان. من أجل المصالح الشخصية تحالف «الأعداء القدامى». لسان حال الواحد فيهم: يغور الوطن واستقراره إذا لم تتحقق أهدافي. وطن؟ يعني إيه كلمة وطن؟ «عمرو موسى.. محمد البرادعي.. حمدين صباحي. تنويعة تجمع كل الأضداد». موسى»أحد كبار فلول مبارك وإن ادعى غير ذلك». البرادعي «الرومانسى الحالم صاحب المسمار الأخير في نعش النظام البائد». صباحي «الناصري صاحب العلاقات الحميمة بكل الأنظمة الديكتاتورية العربية التي سقطت والتي في طريقها للسقوط. اتفقوا سواء برغبتهم أم مغيبين مع أعداء الثورة التي خلعت الديكتاتور العجوز. يقودون حاليا بمساعدة آلة إعلامية جبارة محاولات أن تعم الفوضى الشاملة مختلف أنحاء مصر. معهم وخلفهم حشود من بقايا النظام السابق ورؤوس أحزاب كرتونية ورجال أعمال استباحوا ثدي المحروسة لحسابهم، وتركوا بقية الشعب أسيرا للجوع، ودفعوه للفساد وتلقي الرشاوى حتى أدمنها. ثم على يمينهم ثلة قضاة جعلوا العدالة حبرا على ورق. وعلى اليسار خليط من يساريين ومدعي الذين رضعوا من أساتذتهم كراهية الإسلاميين فقط دون غيرهم. وجود عمرو موسى في هذا الخليط الذي أسس ما يسمى جبهة لإنقاذ مصر، أمر طبيعي. الرجل تاريخه معروف.. يلعب على كل الأحبال. أيام المخلوع كان دائما ما يشيد ب «حكمته ورؤيته الثاقبة»، وقال إنه سيعطيه صوته في الانتخابات التي كان مقررا أن يخوضها مبارك قبل خلعه، تنفيذا لرغبته في البقاء في السلطة «ما دام في الصدر قلب ينبض». ولما اندلعت الثورة ضبط إيقاع تصريحاته بحيث لا تستطيع أن تحدد موقفه، ولا مع أي فريق تصنفه، وأخيرا لما تأكد في النهاية أن «سيد الحكمة» زائل لا محالة، حسم أمره ونزل إلى ثوار ميدان التحرير محييا ومبتسما للكاميرات. وحتى في هذه النقطة قيل إن نزوله لم يكن لوجه الوطن والثورة بل بناء على إشارة من أصبع عمر سليمان نائب المخلوع، الذي طلب منه -حسب نشر أيامها- محاولة إقناع الشباب الغاضب مغادرة الميدان وترك الرجل الكبير 6 أشهر في الحكم فقط، لينهي حياته السياسية بشكل لائق، وفي الوقت نفسه يستطيع تهريب أكبر قدر ممكن من ثرواته. حمدين صباحي عنده ما يبرر الظهور في هذا التحالف. إنه صاحب المركز الثالث في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. صدق أنه زعيم شعبي. لم يدرك حتى الآن أن الأصوات التي حصل لا تعبر عن شعبيته الحقيقية. لقد كان البديل للدكتور محمد مرسي الذي بمجرد إعلان ترشحه تعرض لأكبر حملة تشهير وتشويه ربما في تاريخ سياسي مصري. بعض الأقباط أعطوا «صباحي» أصواتهم حتى لا يؤنبهم ضميرهم لو انتخبوا «صبي مبارك» أحمد شفيق حسبما قال لي صديق قبطي صيدلي. طبعا كان مستحيلا أن يعطوا أصواتهم لمرشح الإخوان المسلمين، بعد حملة الإرهاب التي مارسها الإعلام وتصدرها «أن المسيحيين سيكونون أول ضحايا الإخوان لو حكموا مصر». «صباحي» الذي يقول الآن في الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان ما لم يقله مالك في الخمر، وقع في فخ الازدواجية، مثله مثل الغالبية الساحقة الراقصة على جسد مصر هذه الأيام. نسى وتناسى أنه تحالف مع جماعة «الإخوان» وحزبها «الحرية والعدالة» في أول انتخابات نيابية بعد ثورة 25 يناير. انضم حزبه «الكرامة» إلى «التحالف الديمقراطي» الذي قادته الجماعة، ونجح بعض أعضاء حزبه ووصلوا لعضوية مجلس ليس لشعبيتهم، بل لمجرد وجودهم عل قوائم الإخوان المسلمين. حمدين هو أكثر سياسي غازل «الإخوان» قبل انتخابات الرئاسة طمعا في أصواتهم، قال نصا إن نقاط الاتفاق معهم أكثر من نقاط الاختلاف، وإنهم فصيل وطني تعرض للظلم في كل الفترات والأنظمة، وبينهم نظام عبدالناصر الذي يعتبره مرجعيته الأولى، بل واعتذر لهم عن الاضطهاد الذي لاقوه في الفترة الناصرية. ثم فجأة انقلب هذا الغزل إلى ذم لما قرر الإخوان ترشيح المهندس خيرت الشاطر ومن بعده الدكتور محمد مرسي للرئاسة. شارك في حملة تشويههم، ولما تصدر «مرسى» الجولة الأولى دفع «صباحي» أنصاره للمطالبة بأن يتنازل صاحب المركز الأول لصالحه ويخوض بدلا منه جولة الإعادة أمام مرشح عائلة مبارك أحمد شفيق، وهو تصرف ينم عن جهل كبير بقانون الانتخابات الذي لا يتيح التنازل، وينص على أنه في حالة انسحاب أحد المرشحين يجرى استفتاء على شخص المرشح المتبقي بمفرده. وفى جولة الإعادة كان حمدين وصحبه طابور خامس للثورة المضادة، بمقاطعتهم الجولة ومساواتهم بين مرشح الثورة ومرشح الفلول، بل إن كثيرين من أنصار حمدين أعطوا أصواتهم لشفيق الذي سبق وثاروا ضده وضد سيده!. «صباحي» فشل كصحافي، وفشل كإداري في إنتاج صحيفة ناجحة، وربما لا يقرأ جريدته «الكرامة» أحد غير محرريها، لكنه الآن يريد أن يدير مصر!! المشكلة في هذا الفريق تتمثل في محمد البرادعي. إنه ثوري.. حالم.. نقي.. ساهم بقوة في إسقاط نظام مبارك.. جاء من خارج المعادلة ولا يعرف الصفقات، ولهذا تعرض أيام المخلوع لهجوم شرس من أنصار النظام ومعارضيه على السواء. كلهم اتفقوا عليه وروجوا كذبة أنه سبب احتلال وتدمير العراق في أثناء عمله السابق مديرا عاما للوكالة الدولية للطاقة الذرية. لما جاء «البرادعي» إلى مصر بعد انتهاء عمله في الوكالة الدولية التف حوله «حمدين» ضمن شلة الباحثين عن دور. أشاد به في البداية وغازله مثلما سبق وفعل مع «الإخوان»، لكنه كالعادة بعد مطالبات شعبية للبرادعي بالترشح للمنصب الرئاسي، توقف تماما عن الإشادة به، ولم يضبط متلبسا بالدفاع عنه، وانفض من حوله ضمن جوقة المنفضين. «البرادعي» يتحالف اليوم مع من باعوه بالأمس، وسيبيعونه غدا. والمحزن أن الرجل من فرط رومانسيته وحسن نيته فتح أبواب حزبه «الدستور» لضم أعضاء الحزب الوطني الحاكم أيام مبارك، بدعوى أن كل أعضاء الحزب لم يفسدوا الحياة السياسية. ربما لا يدرك أن هؤلاء انضموا لحزب السلطة طمعا في مكاسب شخصية. أي أنهم على الأقل انتهازيون.. فكيف يقبل أن يجلس أحد من هؤلاء بجواره وهو الذي رفض كل إغراءات نظام مبارك ليشتروا سكوته. وهل يتقبل أن يتحاور أمثالهم مع عضو الحزب الناشط البارز «أحمد حرارة» الذي فقد نور عينيه في أحداث الثورة، بينما هم بعيون قوية يتهمون الثوار بالعمالة للغرب. مخطئ من يظن أن الحملة الشديدة الحالية ضد الرئيس الشرعي لمصر بسبب الإعلان الدستوري الذي أصدره وزاد من صلاحيته «مؤقتا» لحين اكتمال مؤسسات الدولة وكتابة دستور البلاد وانتخاب السلطة التشريعية «البرلمان». إن الحملة استمرار لما حدث منذ إعلان ترشيح «الإخوان» أحد أعضائها لمنصب الرئاسة، وكأن حق تولي رئاسة البلاد حلال للجميع حرام فقط على الجماعة الموجودة بفاعلية في الحياة السياسية منذ أكثر من 80 عاما. ومهما فعل مرسي فلن يعجبهم. فهم لم يلتفتوا إلى أنه حقق 3 من أهم مطالبهم وهى إسقاط الحكم العسكري وإقالة النائب العام الذي ظل سنوات طوال حاميا لأركان نظام مبارك، وإعادة التحقيقات مجددا في قضايا قتل المتظاهرين وتعويض شهداء ومصابي الثورة بشكل مناسب لما قدموه للوطن. بعد أن شبهوا الدكتور مرسي «ولم يمر عليه في السلطة 5 شهور» بحسني مبارك الذي ظل 30 سنة كابسا على أنفاس المصريين، ها هم يطلقون على الرئيس الشرعي المنتخب حاليا لقب «هتلر». يقولون إن القائد الألماني جاء بطريق ديمقراطي، ثم انقلب على الديمقراطية، وأن مرسي يفعل الشيء نفسه وسيدمر العالم مثلما سبقه النازي! لا يهمني فلول النظام السابق المعارضين لمرسى. موقفهم طبيعي جدا. لكن عار التاريخ سيلاحق مدعي الثورية الذين يتحالفون الآن مع من خربوا مصر وجلسوا على تلها!! نفلا عن صحيفة العرب القطرية