عظيم شعب مصر.. فهو يتوحد وينتفض ليقاوم الطغيان ويسقط الطغاة.. وقد حدث ذلك كثيراً في تاريخ هذا الشعب العظيم.. اذ عندما توحدت آراء الملك فؤاد الذي كان طاغية كبيراً.. مع رئيس وزرائه اسماعيل صدقي الذي كان يري نفسه فوق كل زعماء مصر.. وأصدر الاثنان - الملك وصدقي - أمراً ملكياً يوم 22 اكتوبر 1930 بإلغاء دستور 1923 وحل مجلسي البرلمان وأصدر الملك أمراً ملكياً بدستور جديد اعاد للملك كل السلطات التي كان دستور 23 قد منعها عنه.. هنا ثار الشعب المصري، الذي رأي في ذلك اعتداءً منكراً علي حقوق الشعب واستخفافا به لأن هذا الدستور حق أساسي كسبته الأمة بعد جهاد طويل ومرير، أصدر الملك قراراً بإلغاء هذا الدستور رغم أنه لا يجوز تعديله الا بقرار من مجلسي البرلمان وبالأغلبية المطلقة لاعضائه جميعاً.. فما بالنا بإلغاء الدستور كله!! وخرج اسماعيل صدقي - رئيس الحكومة - علي الشعب بدستور طابعه رجعي لأنه اهدر سلطة الأمة وحقوقها واعترف بحق الملك ان يلغي الدستور كلما يشاء رغم ان الدستور هو تعاقد بين الملك والأمة ولا يملك الملك فسخه.. ثم ان الملك كان قد أقسم اليمين معلناً أمام البرلمان باحترام الدستور.. وما اشبه الليلة بالبارحة!! المهم ان الشعب انتفض وثار في كل مدينة وقرية، وتحركت كل الاحزاب ضد خطوة الملك وحكومته، واستقال عدلي يكن من رياسة مجلس الشيوخ اعتراضاً علي هذا العدوان علي الدستور، واتفق حزب الوفد - حزب الاغلبية - مع حزب الاحرار الدستوريين علي مقاطعة الانتخابات التي ستجريها حكومة صدقي. وقرر حزب الوفد عدم الاعتراف بالدستور الجديد.. ولا بقانون الانتخاب وقرر بزعامة مصطفي النحاس عدم الرضوخ لهما ومقاطعة الانتخابات.. وكذلك فعل حزب الاحرار الدستوريين، ثاني اكبر الاحزاب المصرية، وقرر الحزبان تأليف لجنة اتصال بينهما لتنفيذ هذه المقاطعة.. رغم ان الحزب الوطني «القديم» لم يوافق علي مقاطعة هذه الانتخابات.. وقرر اسماعيل صدقي تشكيل حزب جديد في نوفمبر 1930 ليخوض الانتخابات اطلق عليه اسم «حزب الشعب» وتولي صدقي رئاسة الحزب الجديد واستقال كثير من العمد والمشايخ وأعرضوا عن هذه الانتخابات.. وزاد توثق الوحدة الوطنية وحدث ائتلاف كبير يوم 31 مارس 1931 بين حزبي الوفد والاحرار الدستوريين واتفقا علي زيارة الاقاليم وتأليف جبهة لاعادة النظام الدستوري الذي سبق ان ارتضته الامة وكذلك عقد مؤتمر وطني عام يمثل الأمة علي اختلاف طبقاتها.. أي عقد مليونية بلغة العصر الحالي، ووقع علي هذا الميثاق النحاس باشا وأقطاب الوفد ومحمد محمود رئيس حزب الاحرار وأقطاب حزبه واهتزت الحكومة فمنعت نشر هذا البيان.. ولكن تم طبعه في منشورات وتوزيعه في مختلف انحاء البلاد.. وفرضت حكومة صدقي حصاراً علي اعمال وتحركات هؤلاء الزعماء عندما قرروا زيارة الاقاليم.. حتي ان مصطفي النحاس اضطر ان ينام علي كرسي طويل في محطة بني سويف 12 ساعة كاملة وحدث التصادم بين الاهالي والشرطة وسقط 7 من الشهداء وعشرات الجرحي برصاص البوليس.. وقرر حزبا الوفد والاحرار عقد مؤتمر وطني حاشد يوم الجمعة 8 مايو 1931 ولكن الحكومة قررت منعه فأصدر زعماء الحزبين بياناً عاماً بمطالب الأمة تضمن التمسك بالدستور القديم ورفض اجراءات حكومة صدقي ومنها مصادرة حرية الرأي وتعطيل الصحف.. ووقع عليه كل زعماء الامة حتي احمد زيور باشا والشيخ المراغي شيخ الازهر وويصا واصف رئيس مجلس النواب السابق.. وأجرت الحكومة الانتخابات ووقعت فيها اشتباكات دموية، وتم تزويرها في أول سابقة لتزوير الانتخابات في مصر.. واضرب العمال وتصدي لها شرطة النظام وسقط الكثير من الضحايا ذكرت الأمة بشهداء ثورة 19 وتحول يوم الانتخابات الي مجزرة.. وجاء برلمان أبعد ما يكون عن الشعب والرأي العام، وأوقفت الحكومة وعطلت كل صحف الوفد والاحرار الدستوريين ووضعت قانوناً جديدا للمطبوعات للتقييد علي حرية الصحافة والاعلام. واستمر صمود الأمة وأحزابها.. حتي اضطر اسماعيل صدقي الي الاستقالة يوم 21 سبتمبر 1933 وجاءت حكومة عبد الفتاح يحيي ثم حكومة توفيق نسيم.. وشهدت البلاد احداثاً جساماً اهمها انتصار الحركة الوطنية وكما انتصرت الأمة عام 1925 عندما توحدت وقتها ضد القصر والحكومة انتصرت الامة عام 1935 وتمكن نسيم باشا من اقناع الملك فؤاد بإلغاء دستور صدقي «دستور 1930» واعادة دستور 1923 بعد نضال استمر 4 سنوات وذلك يوم 30 نوفمبر 1934. فهل يشهد نوفمبر الحالي، ما شهدته مصر في نوفمبر 1934، من انتصار الامة بعد ان تراجع الملك فؤاد وسلم بعودة الدستور القديم.. الذي لم يقتنع بذلك تماماً الا يوم 20 ابريل 1935.. وهنا نتذكر ان الامة دائما ما تنتصر اذا توحدت، فقد حدث ذلك مرتين، الأولي عام 1925 عندما اجتمع البرلمان بفندق الكونتننتال يوم 21 نوفمبر 1925 «ولاحظوا شهر نوفمبر».. وهو نفس ما حدث في نوفمبر عندما نجح ائتلاف وتوحد الأمة في اسقاط دستور صدقي.. وهنا لا ننسي كتاب الجبهة الوطنية الذي رفعته الأمة للملك فؤاد في 12 ديسمبر 1935 لكي يكمل اجراءاته ويعيد دستور 23. واستجاب الملك فؤاد لمطالب الأمة في نفس يوم تسلمه كتاب الأمة أي 12 ديسمبر.. وأصدر امراً بعودة الدستور.. وكان ذلك هو الملك فؤاد الذي كان من أقوي حكام مصر وكان ديكتاتوراً رهيباً ولكنه في النهاية خضع لإرادة الأمة. هل يتكرر ذلك اليوم ويستجيب الرئيس محمد مرسي لمطالب الأمة التي تجمع عليها.. حتي يجنب الأمة المصرية شر ما تخبئه لها الايام.. آمين.. يارب العالمين.. ولك يا مصر السلامة.. واسلمي يا بلادي..