الفنان الحقيقي بطبعه هو كتلة من المشاعر والأحاسيس لا ينفصل عما يدور حوله من قضايا وطنه أو مجتمعه, هو جزء منها يؤثر فيها بإبداعه فيعطيها القوة والانتشار ويتأثر بها وجدانياً فيخرج هذا التعاطف في شكل عمل غنائي أو فيلم سينمائي. وكم من كبار المطربين والملحنين كانوا الوقود للثورات العربية وغيرها وكانوا يكافحون الاستعمار والديكتاتوريات بأعمالهم فكانوا مثل الشظايا والطلقات تؤلم وتجرح وتنبتر في كثير من الأحيان إلي أن يصل الوطن إلي أفضل حالاته لذلك عندما ظهر المطرب السوري صفوان بهلوان علي خشبة المسرح الكبير بدار الأوبرا للغناء خلال فعاليات مهرجان الموسيقي العربية ال 21. لم يتمالك نفسه حيث سبقت دموعه غناءه حزناً علي وطنه سوريا الذي يعاني من الحرب الأهلية والتمزق.. حيث طالب الجميع بأن يقفوا دقيقة حداداً علي أرواح الضحايا والشهداء واختنق صوته بالبكاء أكثر من مرة.. ثم بدأ الحفل بأغنية «نكبة دمشق» التي كتبها الشاعر الكبير أحمد شوقي في نهاية العشرينيات من القرن الماضي ولحنها وغناها الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب.. وقال صفوان: إن هذه الأغنية كأنها كتبت الآن لترصد الوضع الحالي بوطني سوريا، ثم واصل الغناء واستقبل الجمهور المقطع الذي يقول: «كلنا في الهم شرق» بصيحات وتصفيق يعكس إحساس الجمهور بوضع الأمة العربية الآن، وما يحدث في بعض بلادها، فالمشاعر والأحاسيس التي دخل بها إلي المسرح سريعاً ما تسربت إلي مشاعر الحضور من الجماهير وأصبح الشعور العام هو كيفية إخراج هذا المطرب الكبير من تلك الحالة للاستمتاع بأدائه الرفيع لأعمال موسيقار الأجيال التي اشتهر بأدائها عبر مشواره مع الغناء. مشوار صفوان مع الغناء لأزمات ومشاكل الوطن العربي لم تقتصر علي أوجاع سوريا فقط، حيث سبق وغني لفلسطين القصيدة الشهيرة التي غناها عبدالوهاب «أخي جاوز الظالمون المدي»، وهذه القصيدة انتقلت مع صفوان لكل أنحاء الوطن العربي للتعبير عما يحدث للشعب العربي في فلسطين غناها في مصر وتونس والمغرب، وغناها في الخليج في كل أركان الوطن العربي. «صفوان» في ليلته بالمهرجان استجاب إلي مناشدة الجماهير لمواصلته الغناء وبالفعل عاد بعد أنهي وصلته وأدي أغاني أخري منها «كل ده كان ليه» وارتجل معها أغاني أخري مثل «قوللي عملك إيه» و«يا وابور قوللي رايح علي فين». وبعيداً عن الحفل والحالة الجميلة التي عاشها جمهور المهرجان بالدرجة التي جعلتنا نشعر وكأننا في الدورات الأولي للمهرجان، حيث كان الغناء للتراث فقط ولا شيء غيره، فصفوان كمطرب هو أحد المطربين الذين حافظوا علي هوية الغناء العربي واختار أعمال الموسيقار محمد عبدالوهاب لكي تكون هي وسيلة الاتصال بالجماهير العربية، ولأنه أتقن الأداء فحقق شهرة واسعة، خاصة أنه قريب الشبه أيضاً بموسيقار الأجيال، إلي جانب ذلك فهو له بعض الأعمال الخاصة التي اختار لها أن تنحاز أيضاً إلي الغناء الجاد، فاختار أعمالاً تليق بهذا الاتجاه وبالتالي لم يجد جمهوره غربة أو فجوة بين ما يقدمه لعبدالوهاب وما يقدمه لنفسه. وهو ليس مثل بعض المطربين الذين قدموا التراث علي أنه مرحلة، وبمجرد أن فتحت لهم أبواب أخري ألقوا بالتراث جانباً وقدموا أعمالاً تجارية أملاً في تحقيق الشهرة، والغريب أنهم خسروا الاتجاهين. «صفوان» أحد الأصوات التي قدمها مهرجان الموسيقي العربية وراهن عليها حتي أصبح أحد نجومه ونجوم هذا الاتجاه.. كما قدم صابر الرباعي من تونس، وفؤاد زبادي من المغرب، ولطفي بوشناق من تونس، وغيرهم العشرات.. لكن انقطع وصال بعضهم وظل صفوان محافظاً علي علاقته بنا في مصر وهو حالياً مقيم إقامة شبه دائمة!