انهالت بلاغات قضايا الفساد كالمطر على النيابة الإدارية عقب ثورة يناير، ومن كثرة البلاغات وتنوعها زادت عدد ساعات العمل داخل النيابة، ويمارس أعضاؤها العمل فى جو خانق يخلو من الإمكانيات المادية والبشرية ومنذ عام 2007 لم يتم تعيين معاونين للنيابة ولا موظفين، وزاد من صعوبة الأمر أن نصف عدد أعضاء النيابة من النساء، وأن عدد ساعات عملهن قليل. كما أن معظمهن أبناء المستشارين بوزارة العدل، وهن دائمات الشكوى فى حالة النقل أو تكليفهن بالعمل، ورغم صعوبة العمل إلا أنه تم إنجاز أكثر من 70٪ من هذه القضايا التى تمثل عدواناً على المال العام الذى أصبح نهباً لكل من هب ودب. ويتطلع المسئولون بالنيابة الإدارية إلى الدستور الجديد الذى يطالبون فيه بحقوقهم التى سلبها النظام السابق، ومنها التحقيق فى جرائم العدوان على المال العام مثل الجهاز المركزى للمحاسبات الذى يقوم بفحص المخالفات فى جميع الأجهزة الحكومية كما أن رئيسها الحالى المستشار عنانى عبدالعزيز عنانى يُجاهد لعودة الهيبة للنيابة الإدارية وأعضائها، ومنحهم الحصانة القضائية أسوة بالنيابة العامة، وتوسيع اختصاصها، لرفع العبء عن النيابة العامة التى تحقق فى قضايا كثيرة ليست جنائية وإنما هى من اختصاص النيابة الإدارية. فى عهد النظام البائد تعرضت النيابة الإدارية لضغوط شديدة، وقلصت الحكومات السابقة دورها ونزعت أنيابها لتسهيل الاستيلاء على المال العام، وظهر ذلك واضحاً وجلياً فى عهد حكومة الدكتور عاطف عبيد، رئيس الوزراء الأسبق، الذى باع معظم شركات القطاع العام بأبخس الأسعار، وأصدر تعليمات بعدم التحقيق مع رؤساء الشركات القابضة إلا بعد الرجوع إليه وذلك لحمايتهم من المحاسبة القانونية وتسهيل الاستيلاء على المال العام، ومنذ ذلك الحين فقدت النيابة الإدارية هيبتها ولم تستطع الحفاظ على المال العام، وشاهدنا كيف تم بيع شركات القطاع العام، التى تحولت إلى شركات لقطاع الأعمال بأثمان زهيدة لا تساوى 20٪ من قيمتها. ومن أسباب ضعف النيابة الإدارية وفقدها هيبتها إصرار نظام «مبارك» على تعيين الفاسدين رؤساء لها، حتى يتم التغطية على جرائم الفاسدين، فى القطاع الحكومى، لكن بعد ثورة 25 يناير عاد الحق لأصحابه، وأصبح للجمعية العمومية والمجلس الأعلى لهيئة النيابة الإدارية الحق فى اختيار رئيسها طبقاً لنظام الأقدمية المطلقة، كما أصبح من حق أعضاء الهيئة الترقى لوظائف أعلى والتنقل فى جميع الاختصاصات، ولم يصبح من حق أحد أن يحكى فى مكانه بحجة أن مكان عمله قريب من مسكنه، ولكن هناك مشكلة كبرى تواجه رئيس النيابة الإدارية الحالى المستشار «عنانى» أن نصف عدد الهيئة القضائية بالنيابة من السيدات، ويبلغ عددهن 1720 عضواً، ومعظمهن من أبناء المستشارين بوزارة العدل. والآن من حق أبناء الشعب المصرى المتفوقين علمياً دخول النيابة، ولكن تظل الواسطة مستمرة فى القبول، لأن الأعداد المطلوبة محدودة، كما أن المجلس الأعلى للنيابة الإدارية يقوم الآن بفحص أكثر من ألفى تظلم، تقدم بها خريجو كليات الحقوق لعدم قبولهم بالنيابة، رغم انطباق جميع الشروط عليهم، وهم من وفق عام 2008، ولحل هذه المشكلة المتفاقمة اقتنص المستشار «عنانى»، رئيس الهيئة من المستشار عادل عبدالحميد، وزير العدل السابق، 60 درجة وظيفية من وزارة العدل، بتكلفة 5 ملايين جنيه فى العام الواحد، كما حصل على وعد من المستشار أحمد مكى، وزير العدل، الحالى بالحصول على 60 درجة وظيفية أخرى. أجرت "بوابة الوفد" حوار شاملاً مع المستشار عنانى عبدالعزيز عنانى، رئيس هيئة النيابة الإدارية، الذى يعتز بوفديته وأنه من عائلة وفدية عريقة، إذن لا هو من الفلول ولا من الإخوان المسلمين، فى هذا الحوار المطول، فتحنا جميع الملفات الشائكة التى تواجه المسئولين فى النيابة والمعوقات التى تواجهها وكيفية اختيار الأعضاء الجدد، وفتح التظلمات أمام المتقدمين للالتحاق بالنيابة ومساواتهم بأبناء المستشارين وأصحاب النفوذ. هل تم تعيينكم رئيساً للهيئة لأنك تنتمى لحزب الحرية والعدالة؟ - لا أنتمى لأى حزب سياسى، لا الوطنى المنحل ولا الحرية والعدالة ولا أعمل فى أى حزب آخر، وإنما تم تعيينى بعد موافقة المجلس الأعلى للهيئة بصفتى أكبر الأعضاء سناً، وأن هذا دورى فى رئاسة الهيئة، والفضل فى تعيينى رئيساً للهيئة لله ولزملائى الأعزاء الذين أشرف بالعمل معهم. منذ أن توليتم رئاسة هيئة النيابة الإدارية ما هى المشاكل والمعوقات التى واجهتكم؟ وكيف تعملون على حلها للنهوض بالنيابة مرة أخرى لتعود إلى سابق عهدها؟ - أحاول جاهداً حل المشاكل التى يواجهها زملائى، وعقد عدة اجتماعات مع المجلس الأعلى للهيئة ومدير إدارة التفتيش والأمين العام للهيئة واستمعت إلى جميع المعوقات والتظلمات، ويجب التفاهم بحل جميع المشاكل وتذليل العقبات أمام جميع الزملاء وأصحاب المصالح. ما رؤيتكم للنهوض بالهيئة؟ - منذ توليت رئاسة الهيئة أعمل ليل نهار مع زملائى لحل جميع المشاكل التى من أهمها توفير أماكن عمل لأعضاء الهيئة، حيث إن العدد فى ازدياد، والمقار كما هى وأعضاء النيابة فى الغرفة الواحدة يزيد عددهم على وكلاء نيابة ولا توجد استراحات لهم، ولا أماكن مبيت للمغتربين، كما أن أماكن انتظار المواطنين غير آدمية وعملنا يقوم على التحقيق مع موظفين عموم لهم كرامتهم وليسوا مجرمين، فلابد من استقبالهم فى أماكن تليق مع مكانتهم الوظيفية، خاصة أن 90٪ من الذين يتم التحقيق معهم أبرياء، فكيف لنا أن نظلمهم. رؤساء الهيئة السابقون أغلقوا الباب فى وجه المتقدمين لشغل عدة وظائف بالنيابة سواء كانت وظائف إدارية أو وكلاء نيابة؟ - هذه حقيقة مرة، وهى من أكثر المشاكل التى تواجهها الآن، حيث تعانى نقص عدد الأعضاء والموظفين فى جميع النيابات على مستوى الجمهورية، وسوف نقوم بحل هذه المشكلة بتعيين الأوائل حسب الدرجات الوظيفية التى توفرها لنا الحكومة. أليس من الظلم عدم تعيين خريجى كليات الحقوق منذ عام 2008؟ - هذا ظلم كبير وقد قمنا بتعيين خريجى الحقوق دفعة 2008، لكن هناك تظلمات كبيرة وصل عددها إلى أكثر من ألفى تظلم يتم فحصها الآن بواسطة لجان متخصصة. لماذا لم يتم زيادة أعداد المقبولين فى وظيفة معاون نيابة؟ - المشكلة تكمن فى أن توفير فرص تعيين فى النيابة يحتاج إلى ميزانية كبيرة، ومصر دولة فقيرة لا تستوعب هذا العدد من الموظفين، لكن بحمد الله استطعت أن أحصل على 60 درجة وظيفية لمعاونى النيابة من المستشار عادل عبدالحميد، وزير العدل السابق، وأحاول الآن الحصول على وعد من المستشار أحمد مكى، وزير العدل الحالى، بتوفير 60 فرصة عمل أخرى لمعاونى النيابة، وتبلغ تكلفة توفير 60 فرصة عمل فى العام الواحد خمسة ملايين جنيه. ما دور النيابة الإدارية فى المرحلة المقبلة فى مواجهة الفساد الذى استشرى فى جميع المصالح والهيئات الحكومية؟ - نعمل وفق القانون والاختصاص المنوط بالهيئة ومنذ قيام الثورة استطاعت النيابة التحقيق فى أكثر من 70 ألف قضية وتمت إحالة عدد كبير منها إلى النيابة العامة للاختصاص وارتباط هذه القضايا بجرائم جنائية. هل هناك تعاون بين الهيئة والنيابة العامة؟ - هناك تعاون وثيق بيننا وعلاقات ود وكثيراً ما تقوم النيابة العامة بإحالة قضايا للتحقيق فيها، لأنها تقع فى نطاق اختصاصنا، كما أننا نقوم بإحالة جميع القضايا المرتبطة بجناية أو جنحة للنيابة العامة لأنها صاحبة الحق الأصيل فى ذلك. لماذا لا تحقق النيابة الإدارية مع جميع العاملين الذين يخضعون لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات؟ - نعمل وفق القانون والحكومات السابقة نزعت أنياب هيئة النيابة الإدارية، لكى لا يحاسبها أحد، ولذلك استشرى الفساد فى الجهاز الإدارى للدولة ويرجع السبب فى ذلك إلى الدكتور عاطف عبيد، رئيس الوزراء الأسبق، الذى قام ببيع القطاع العام بأبخس الأسعار وتحويله إلى قطاع الأعمال ومنح العاملين حصانة بعدم التحقيق معهم إلا بعد الرجوع إلى وزير قطاع الأعمال الذى كان يرفض دائماً الإذن بالتحقيق مع هؤلاء. هل طلبتم من وزير العدل والمسئولين عن وضع الدستور وضع تشريع جديد يُعيد للنيابة الإدارية هيبتها ويمنح أعضاءها الحصانة أسوة بالنيابة العامة؟ - طالبنا بتشريع جديد يُعيد للنيابة الإدارية هيبتها، كما طالبنا فى مشروع القضاء الموحد بمنح الحصانة لأعضاء الهيئة. هناك تظلمات عديدة حبيسة الأدراج يُعانى أصحابها القهر والظلم؟ - جميع التظلمات سواء كانت من أعضاء النيابة أو من الموظفين تمت إحالتها لهيئة التفتيش والرقابة، كما أمرت بتشكيل عدة لجان لفحص جميع التظلمات والعمل على حلها، وإذا شعر العضو أو الموظف بأنه لم يحصل على حقه فإن بابى مفتوح للجميع. أعضاء ورؤساء النيابة يشكون مر الشكوى من زملائهن السيدات لرفضهن العمل أوقاتاً إضافية لإنجاز القضايا؟ - زملائى أعضاء النيابة لهم الحق فى شكواهم، لأن نصف عدد أعضاء الهيئة الذين يبلغ عددهم أكثر من ثلاثة آلاف عضو نصفهم من النساء، وهذه لست السبب فيها، وهذا أكبر رد على المشككين فى عدم المساواة بين المرأة والرجل فى مصر. السيدات رؤساء النيابة ووكلاء النيابة يرفضن حركة النقل، والكثيرات منهن يتقدمن بشكاوى وتظلمات لرئاسة الهيئة، كما يقمن بالضغط عليك من خلال آبائهن المستشارين بوزارة العدل؟ - هذا صحيح، معظم السيدات اللاتى يعملن بالنيابة هن أبناء مستشارين، ولكن لمصلحة العمل لابد من إجراء تنقلات، ولكن يتم مراعاة ظروفهن الأسرية، ودائماً ما يكون النقل على وسيلة مواصلات آمنة كالقطارات وخطوط الأتوبيسات المنتظمة. ما القواعد العامة المجردة التى تنظم تنقلات أعضاء الهيئة؟ - التنقلات تتم فى شهر ديسمبر وفقاً لحاجة العمل، ودائماً ما يتم مراعاة ظروف الأعضاء، خاصة الظروف الصحية، وأحاول جاهداً العمل على تلبية طلبات جميع الزملاء فى عمليات النقل بجانب مصلحة العمل. مقار النيابة لا تستوعب أعضاءها، كما أن الغرف سيئة التهوية والمكاتب والكراسى متهالكة؟ - هذا صحيح ومنذ شرفت برئاسة الهيئة أحاول جاهداً الحصول على مقار حكومية مغلقة لا أكلف ميزانية الدولة شيئاً، كما كلفت لجنة من عدة مستشارين لتلبية احتياجات رؤساء وأعضاء النيابة بالأثاث. الموظف المرتشى وسىء السمعة، داخل الجهاز الإدارى للدولة لا يخشى من إحالته للنيابة لضعف العقوبة الموقعة عليه من كلمة القضاء الإدارى سواء كان الفصل أو حتى اللوم؟ - الموظف المرتشى أو المختلس أو الزور لا يخشى النيابة الإدارية هذا صحيح، فليس بعد الكفر ذنب، هناك فرق بين الاختلاس فى العهدة وعدم انتظام الدفاتر فغالباً ما يكون الفروق فى الأسعار والمناقصات وقت الشراء من تاجر لآخر، أما الموظف المرتشى فقد حدد القانون أن يكون ضبطه متلبساً بالحصول على الرشوة، وهذه جريمة جنائية تختص بها النيابة العامة، لكنى أستطيع أن أقول إن عقوبة اللوم للموظف تساوى 3 سنوات سجناً للسارق، لأنها تمنعه من الترقى لوظيفة أعلى. هناك عدد كبير من السيدات تقدمن لشغل وظيفة معاون نيابة، ومعظمهن من أبناء المستشارين بوزارة العدل فهل سيتم تعيينهن أم رفض طلباتهن؟ - نحن فى القرن الحادى والعشرين، وجميع دساتير العالم المتقدمة تساوى بين المرأة والرجل، فكيف أستطيع أن أنحيهن جانباً، وإن كان أحد يستطيع أن يقول غير ذلك، فهو غير منصف، ولكن المشكلة أن المرأة فى مصر تأخذ حقها أكثر من الدول المتقدمة، خاصة أمريكا وألمانيا واليابان، ففى أمريكا المرأة تحصل على نصف راتب الرجل، كما أن جميع دساتير العالم تقرر أن سن معاش المرأة غير سن معاش الرجل. عقب قيام الثورة، قامت الدولة بتثبيت العمالة المؤقتة، مما كلف ميزانية الدولة مليارات الجنيهات فهل هناك نية لتعيين بعض الموظفين من النيابة الإدارية؟ - الأنظمة السابقة والحكومات المتعاقبة قامت بتوظيف عدد كبير جداً، الموظفون الذين بلغ عددهم أكثر من 6 ملايين ونصف المليون موظف فى حين أن عدد الموظفين الحكوميين فى أمريكا لا يتجاوز المليون موظف، وهذا عبء على الحكومة وأيضاً عبء على النيابة الإدارية المسئولة عن تقويم أخطاء الموظفين ومحاسبتهم ونحن نقوم بتعيين الموظفين حسب الحاجة وحسب الدرجات الوظيفية الممنوحة من الحكومة.