سنة أولي مهرجانات في أي دولة لها تاريخ في الفن هو أن تكون لها أجندة تحدد زمان ومكان ونوع المهرجان والجهة المنظمة، هذا الأمر يحدث في كل دول العالم العريقة والحديثة في عالم المهرجانات. يحدث في أمريكا وانجلترا وفرنسا كما يحدث الآن في الإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر والبحرين وهي الدول الأحداث في عالم تنظيم المهرجانات هذه الدقة في التنظيم والعمل سببها أن جميع من في هذه الدول يعمل من أجل الصالح العام أو بمعني آخر هدفه المنافسة للوصول بمهرجانه الي أعلي مرتبة بين سائر المهرجانات الدولية وكلما كان هناك انضباط وتنسيق بين المهرجانات كلما حقق صدي أقوي وأفضل. أما في مصرنا العزيزة فالأمر مختلف، العشوائية هي سيدة الموقف ولن نعود للوراء كثيرا، مهرجان الإسكندرية السينمائي الأخير أقيم في الفترة من 12 الي 18 سبتمبر الحالي، وإذا بمهرجان الأقصر السينمائي يحدد موعد إقامته من 17 الي 22 من نفس الشهر وهو ما جعل كل ضيوف المهرجان وبعضا من الإدارة والنقاد يغادرون الإسكندرية قبل ختام مهرجانها بيومين لكي يلحقوا بالأقصر، والعيب هنا ليس في الضيوف ولن نقول إنهم من عشاق الرحلات لذلك يتركون الإسكندرية ويستقلون القطارات، والأوتوبيسات لكي يلحقوا بالأقصر، لكن العيب هنا فيمن هم علي رأس هذه المهرجانات، وهم بالمناسبة أسماء كبيرة ولديهم دراية بما يحدث في المهرجانات العالمية. ففي الإسكندرية وليد يوسف رئيس المهرجان ومعه آخرون وفي الأقصر هناك محمد كامل القليوبي وداود عبدالسيد مستشارين وفي كل مهرجان كتيبة كبيرة لذلك تداخل المهرجانين يعد كارثة وفضيحة فهذا معناه أن كل مهرجان في واد وأن كل مسئول فيهما هدفه ليس نجاح مهرجانه بقدر ما هو تخريب المهرجان الآخر، والدليل ما حدث. الشيء الغريب، والذي يؤكد سوء نية كل مهرجان أن السنة فيها 12 شهرا وكل شهر فيه 4 أسابيع وكل أسبوع فيه 7 أيام إذن هناك أيام وليال طويلة البلد تنام فيها من المغرب لا حدث ولا أحداث. ما خرجنا به من أحدث مهرجانين يؤكد أن هناك حالة تسيب وأن السينما ليست هدف كل مهرجان بل هي عزبة كل إدارة تسعي لإدارتها بطريقتها وكما يحلو لها لذلك لابد أن يكون هناك دور لوزارة الثقافة للتنسيق بين هذه المهرجانات وأن تكون الأجندة المنظمة للمواعيد هي مسئوليتها وعلي كل مهرجان أن يقوم بتحديد موعد محدد سنويا له لا يتغير مهما كانت الأسباب معروف مثلا النجمة هذه سوف تكون في الدولة هذه والمهرجان هذا في يوم محدد أما أن يظل الأمر معلقا الي آخر لحظة فهذا يؤدي الي تضارب المواعيد وإلي إحجام كبار النجوم عن الحضور وبالتالي تصبح هذه المهرجانات أشبه الي المحلية ولن يوجد بها فنان عالمي. ما يسيء أيضا الي المهرجانات الدولية هي حالة التسيب التي تبدو عليها فكل مهرجان مع شديد الاحترام للقائمين عليه يدعو أصدقاءه وشلته وهذا العرف توارثوه عن وزارة الثقافة التي ظلت لأكثر من 20 سنة تدعو في الاحتفالات الخاصة بها الأصدقاء والمقربين من صناع القرار الثقافي بالوزارة، أي إنسان ولو صحفي أو ناقد درجة عشرين «يا هناه» لو لديه علاقة بسكرتارية الوزير أو مدير مكتبه أو حتي فراش هناك.. تجد الدعوات ترف فوق رأسه ورغم أن الكثيرين بعد الثورة انتقدوا هذا الأمر لكن مهرجانات ما بعد الثورة شهدت ما هو أسوأ.. أصبحت الحكاية أكثر انفتاحا نحو المحسوبية والصحوبية، والعيب ليس في الثورة لكن البعض توهم أن الثورة منحته الصوت العالي لمواجهة أي إنسان ينقد أو يرفض أي شيء سلبي، تحت مسمي الحرية والديمقراطية، رغم أن الحرية لا تمنحه هذا الحق. اختيار الضيوف والنجوم في العالم كله يخضع لمعايير ومقاييس وأتصور أن البعض من النقاد، والضيوف يسافرون الي كان مثلا ويرون هناك من توجه لهم الدعوات والمهرجان لا يتحمل أي شيء سوي دعوات الدخول فقط لحضور الفعاليات، أما الإقامة وتذاكر السفر فهو لا يتكفل بها أيضا هناك لا نري هذا الكم من البذخ في الإنفاق وكل المتابعين للمهرجانات المصرية يرون أن ما ينفق علي أي مهرجان مصري واحد من الممكن أن ينفق علي خمسة مهرجانات لذلك فالدهشة تكسو الوجوه عندما نجد بعض العاملين في هذه المهرجانات المصرية يتحدثون عن مشاكل مالية. أيضا غياب التنظيم عن المهرجانات المصرية، الندوات لا تقام في موعدها، الأفلام ربما تصل بعد الموعد المحدد لعرضها، الضيوف لا يحضرون الفعاليات وكأنهم جاءوا للنزهة. تراجع المهرجانات المصرية وتذيلها القائمة لم يأت من فراغ لكنها تراكمات من نوعية صراع علي من يحق له تنظيم مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، هل وزارة الثقافة أم جمعية يوسف شريف رزق، وظل الصراع الذي وصل للمحاكم حتي داهمهم الوقت، وبالتالي ربنا يستر علي المهرجان الذي يفصلنا عنه أيام أو أسابيع قليلة، وسيظل هذا الصراع يفرض نفسه لسنوات لعدم اقتناع كل طرف برأي أو وجهة نظر الآخر، والضحية المهرجان نفسه وسمعة البلد. فكيف لشركات الإنتاج العالمية أن تشعر بالثقة وترسل نسخا من أفلامها الجديدة لإدارة مشغولة بصراعات وكيف لنجم كبير يقبل دعوة لمهرجان لا يعرف من هي الجهة التي تنظمه أو تديره حتي لو كان الأمر استقر علي وزارة الثقافة، الجو العام مشحون وهناك احتقان بين كل الأطراف ولذلك بدلا من أن يحتفل الجميع بالمهرجان نجد كل طرف يتحرش بالآخر، ويتمني له السقوط.