قال الكاتب البريطاني الشهير "روبرت فيسك" في مقالته اليوم بصحيفة (إندبندنت) البريطانية إن أمريكا أساءت التصرف عندما قامت بدعم الثوار الليبيين ثم الآن ينقلبون عليها، ومن قبلهم غذت عقارب تنظيم القاعدة فلدغتها. وفي الشكل الروائي المعتاد من الكاتب الكبير، بدأ فيسك مقاله "هاتفني صديق لي في دمشق نهاية الأسبوع وكان مرحا للغاية، وقال "كما تعلم، جميعنا نأسف بشأن "كريستوفر ستيفنز"، السفير الأمريكي، وهذا الأمر فظيع، حيث كان صديقا جيدا لسوريا وكان يفهم العرب"، وتركته يكمل كلامه رغم أنني كنت أعرف ما هو الآتي، "ولكن لدينا تعبيرا في سوريا يقول "إذا أطعمت العقرب، فانه سيلدغك". رسالته ما كان يمكن أن تكون أكثر وضوحا. وفي البداية، كان التعبير من الصعب على فيسك فهمه، ولكن سرعان مااستوعبه وحلله قائلاً: لقد دعمت الولاياتالمتحدة المعارضة ضد العقيد الليبي السابق "معمر القذافي"، وساعدت السعودية وقطر في ضخ الأموال والأسلحة إلى المسلحين الذين جنوا العاصفة الآن. ولكن انقلب أصدقاء أمريكا الليبيون الآن ضدهم، وقتلوا السفير الأمريكي ستيفنز وزملاءه في بنغازي وبدأوا حركة احتجاج مناهضة لأمريكا بقيادة القاعدة شغلت انتباه العالم الإسلامي." وتابع فيسك قائلاً: "لقد غذت الولاياتالمتحدة عقرب القاعدة الذي لدغ أمريكا، والآن تدعم واشنطن المعارضة ضد الرئيس السوري "بشار الأسد" وتساعد السعودية وقطر في ضخ الأموال والأسلحة أيضا إلى المسلحين، من بينهم سلفيون ومن "القاعدة"، وهي حتما ستلدغ من نفس "العقرب" إذا ما أطيح بالأسد". وأضاف فيسك: "إن ما حدثني عنه صديقي ليس متماشيا تماما مع سياسة الحكومة السورية، التي تعتمد على جدال الأسد وتأكيده أن سوريا ليست ليبيا، وأن السوريين بتاريخهم وثقافتهم ومحبتهم للعروبة لا يريدون ثورة، ولكن الغضب العربي تجاه الفيلم المسيء للرسول قد سبب نفس القدر تقريبا من إعادة كتابة التاريخ في الغرب". وأشار فيسك إلى أن الاعلام الأمريكي اختلق قصة جديدة دعمت فيها أمريكا الربيع العربي وانقذت مدينة بنغازي في وقت كان فيه بلطجية القذافي المتوحشون يوشكون على تدمير سكانها وهي تتعرض الآن للطعن في الظهر على يد أولئك العرب الخونة – على حد قول الكاتب - في نفس المدينة التي انقذتها الولاياتالمتحدة. ولكن الواقع مختلف، حيث إن واشنطن دعمت وسلحت الدكتاتوريات العربية لعقود، وكان الرئيس العراقي السابق "صدام حسين" أحد المفضلين، ولقد أحببنا "حسني مبارك" من مصر وعشقنا "زين العابدين بن علي" من تونس، ونحن لا زلنا نشعر بالحب الشغوف مع دول الخليج الاستبدادية، وقد كنا نبتسم، لعقدين على الاقل، لحافظ الأسد، كما ابتسمنا ولو لوقت قصير لنجله بشار. واختتم فيسك مقاله، قائلاً: "فلنعد إلى حقيقة أنه عندما قتل "أسامة بن لادن"، رئيس تنظيم القاعدة السابق، وأصبح في تعداد شخصيات الماضي، لم يظهر أي ثوري عربي حاملا لصورته، مما أدى إلى استغلال هذا التنظيم التعيس الآن للموقف، ونادت "القاعدة" في عطلة نهاية الاسبوع الماضي المصريين ليواصلوا احتجاجاتهم ضد الفيلم المسيء للرسول وأيضا في بنغازي، ودخل العقرب بين الناس الأخيار، وكل ما تحتاجه إذن هو معتوه من هوليوود وقليل من النفاق". ونجحت واشنطن في إعطائهم الفرصة، حيث قالت إنه ليس بوسعها أن تحظر الفيلم لأنه سيعرض حرية التعبير للخطر، كتلك الحرية التي حظرها دكتاتوريو أمريكا على الشعوب العربية كل تلك العقود من الزمن".