تتعرض المستشفيات الحكومية في الفترة الأخيرة لهجمة شرسة من البلطجية وأقارب المرضى، الذين يعتدون على الأطباء ويحطمون المعدات وينشرون الذعر داخل المستشفيات، ووصل الأمر إلى تهديد الأطباء بالقتل وإطلاق الأعيرة النارية واستخدام الأسلحة البيضاء داخلها. وكانت آخر حلقات السلسلة الطويلة من الاعتداءات، في مستشفى قصر العيني، حيث تم الهجوم عليه وتحطيم قسم الاستقبال، بسبب خلاف مع أهل أحد المرضى، وهو ما دفع إدارة المستشفى للامتناع عن استقبال المرضى لحين تأمين المبنى عن طريق الشرطة العسكرية، كما طالب خيري عبد الدايم، نقيب الأطباء، بالتدخل لحماية المستشفيات وتوفير أجواء آمنة ومناسبة لعمل الفرق الطبية، مشددا على أن أرواح الأطباء يجب ألا تكون في أيدي من يعبثون بأمن الوطن. كما تعدى البلطجية على مستشفى المنصورة العام، واقتحموه لقتل أحد الأطباء، إلا أن تدخل الأمن أنقذ الطبيب من أيديهم في آخر لحظة، وهو ما جعل المرضى يفكرون ألف مرة قبل الذهاب إلى مستشفى حكومي، ودفع الأطباء لإعادة النظر في جدوى عملهم، خاصة أنهم يتقاضون رواتب لا تتناسب مع الدور الذي يقومون به، ومقابل ذلك يتعرضون لكل أنواع الإهانة والتنكيل، والقتل أحيانا. ومن أمام مستشفى قصر العيني، يقول المواطن محمود عبد الدايم، إنه كان شاهدا على واقعة الهجوم على المستشفى، دون أن يدري السبب الحقيقي لهذا الهجوم، خاصة أن الأطباء لم يقصروا في أداء عملهم، مؤكدا أن هذا ليس الهجوم الأول على المستشفى بل كثيرا ما يتعرض لاعتداءات تزرع الرعب في نفوس الأطباء وطواقم التمريض، وتجعلهم يمارسون عملهم في أجواء غير آمنة. وتؤكد ريهام إسماعيل أنها جاءت لتكشف على والدها في مستشفى قصر العيني، لكنها فوجئت بأن قسم الاستقبال مغلق بسبب كثرة حالات التعدي على المستشفى، مطالبة بمواجهة حالات التعدي على الأطباء، وتوقيع أقصى العقوبة على مرتكبيها حتى تتوقف هذه الظاهرة التي انتشرت في غالبية المستشفيات المصرية. من جانبه قال الدكتور محمود رواش، الطبيب بمستشفى قصر العيني، إن الأمن أصبح غائبا في المستشفيات، لأن كل مريض يأتي معه عدد كبير من الأشخاص ولا يستطيع أحد منعهم من الدخول، ويتعاملون مع الأطباء بطريقة غير لائقة، ويشجعهم غياب الأمن على التعدي على الأطباء والتمريض، والخروج من المستشفى آمنين مطمئنين، دون أن ينالوا عقاب ما فعلوه. فيما حمل الدكتور حمدي السيد، نقيب الأطباء السابق، الأمن المسؤولية عن الفوضى داخل المستشفيات، مؤكدا أن الطبيب لم يعد آمناً في عمله، وهو ما يؤثر سلبا على الخدمة الطبية المقدمة للمواطنين والعلاج المناسب لحالاتهم في جو من الهدوء. وقال السيد: إن المستشفيات تحولت إلى مرتع للبلطجية والخارجين على القانون، مشددا على أن الفوضى السائدة في المستشفيات حاليا لم تحدث حتى أيام العصور الوسطى. ومن ناحيته طالب الدكتور عبد الخالق السعدني، عضو منظمة أطباء بلا حدود، بأن يكون هناك تدخل سريع لمواجهة ما يحدث في المستشفيات، مشيرا إلى أنه عندما يتم التعدي على أكبر مستشفى في مصر وهو قصر العيني بهذه الصورة، فمن الطبيعي أن تكون الأجواء في المستشفيات الأخرى بالمناطق النائية والمحافظات البعيدة، أصعب وأسوأ بكثير. وأضاف أنه من الضروري أن يعود الأمن سريعا في مصر كلها وفي المستشفيات بصفة خاصة، مشيرا إلى أن مسؤولية ذلك لا تقع على الأمن وحده، بل يشترك فيها المجتمع ككل، وأن الأجهزة والمعدات الموجودة في المستشفيات مطمع للصوص، فضلا عن الأدوية التي يرغب في سرقتها المدمنيين، وكل هذا ملك للشعب، وعليه أن يحافظ على أملاكه. بينما أوضح الدكتور حمدي الغرباوي، أستاذ علم النفس، أن الانفلات الأمني في المستشفيات يرجع إلى الحالة النفسية المضطربة للمواطن المصري في الفترة الأخيرة، وعدم ثقته في الأطباء، وهو الوضع الذي ينبغي أن يتغير في أسرع وقت ليعود الطبيب إلى الصورة الملائكية التي كان عليها، وتعود المستشفيات لأداء دورها في نجدة الملهوف والراغب في الخدمة الطبية.