الفن المصري لا يختلف حاله عن حال الشارع من حيث الانفلات، وتردي الأوضاع وسيطرة أصحاب الصوت العالي من البلطجية لذلك نواصل اليوم في حلقتنا الثالثة من ملف الفن علي مكتب الرئيس عرض أهم المشاكل التي تعترض ارتفاع أسهم الفن الجاد، والمحترم لكي نواجه كل ما هو هابط. في الحلقة الأولي مشاكل فرقة الفنون الشعبية التي تحصل علي أجور متدنية وتعاني من نظرة الناس لها في مصر، في الوقت الذي تُستقبل استقبال الكبار في أوروبا وأمريكا، وفي الحلقة الثانية طرحنا قضية كيفية مواجهة موجات الغناء العاري،وذلك بدعم أصحاب القيمة والفكر من المطربين، اليوم نستعرض تراجع كيان هام جدا وهو أكاديمية الفنون وهو المدرسة التي تخرج فيها كل قامات العالم العربي من المطربين والملحنين والعازفين. كما انها ساهمت في بداية عهدها في الارتقاء بالفن المصري بصفة خاصة والعربي بشكل عام. أنشئت أكاديمية الفنون عام 1959 وكان هدفها النهوض بمستوي الفن والاتجاه اتجاها قوميا للمحافظة علي التراث العربي وتوثيق الروابط محليا وعالميا وضمت الأكاديمية في البداية ثلاثة معاهد هي السينما والموسيقي والكونسرفتوار والباليه، ثم اتسع مجالها ليشمل الفنون الشعبية والمسرح والنقد الفني، وكان قد سبقهم جميعا معهد الموسيقي العربية الذي كان قد أنشئ عام 1929 وانضم الي الأكاديمية إذن فهي سبعة معاهد كل مهمتها الارتقاء بالفنون وظلت الأكاديمية تعمل وفق هذا المنهج واستطاعت أن تثري الحياة الفنية سواء بخريجيها أو بفرقها مثل فرقة أم كلثوم للموسيقي العربية التي أنشئت عام 1965. واستطاعت في زمن قياسي أن تكون الفرقة رقم واحد في عالمنا العربي وتتابع علي قياداتها الأساتذة عبدالحليم نويرة وشعبان أبوالسعد وحسين منير، وهناك أيضا أوركسترا الكونسرفتوار الذي كان يتمتع بمستوي راق جدا وفرقة باليه الأكاديمية والفرقة المسرحية، وقد أثر ارتفاع مستوي هذه الفرق اثرا ايجابيا علي كل ألوان الفنون في مصر وهذا يعني أن الأكاديمية خلقت لكي توجه الفن المصري لكن شيئا فشيئا. بدأت الأكاديمية في الانهيار ولن نقول السبب هو الرئيس الحالي أو حتي السابق أو الذين سبقوهما حتي عقود قريبة لكن السبب هو منظومة وزارة الثقافة التي كانت تتجاهل هذه الأكاديمية منذ أكثر من 15 عاما علي اعتبار أن الأكاديمية تتبع الوزارة وبالتالي انهارت الأكاديمية وأصبح دورها روتينيا الي أقصي درجة وبالتالي فقدت كل ما كانت تتميز به حيث تراجع دور الأنشطة الطلابية فمعهد مثل الكونسرفتوار كان يضم أوركسترا للبراعم وآخر للطلائع الي جانب أوركسترا أكاديمية الفنون السيمفوني، لم يعد لهذه الأوركسترات دور وأصبح نشاطهم مرتبطا بدرجات أعمال السنة كذلك فرقة أم كلثوم للموسيقي العربية لم تعد متواجدة بالمرة اللهم إلا في بعض المناسبات وحسب المايسترو، ففي الفترة التي جاء فيها أمير عبدالمجيد شعرنا بها ثم فوجئنا بعد رحيله بفترة من النوم العميق وهو أمر لا يليق بفرقة ساهمت وحافظت علي هوية الموسيقي العربية، ونشاطها لا يجب أن يرتبط بشخص فهي ملك للدولة وليست لأشخاص، وما ينطبق علي الأوركسترا وفرقة أم كلثوم بالتأكيد ينطبق علي الباليه والمسرح. أما مستوي خريجي هذه المعاهد فهو في تراجع خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير، وهذا ناتج الي أسباب منها الاستغناء عن الخبراء الأجانب الذين ساهموا في ظهور عباقرة في فترة وجودهم ومنهم الموسيقار الأبرز في عالم الموسيقي والتلحين ياسر عبدالرحمن وغيره، وليس الاستغناء عن الأجانب هو السبب في هذا التراجع فقط بل إن هناك أمورا أخري منها تراجع مستوي بعض الأساتذة بالأكاديمية وتعيين آخرين وفقا للمحسوبية دون معايير حقيقية فهناك أساتذة علي قدر كبير من التمكن في العزف وتم تعيينهم لهذا السبب لكن هناك فارق بين عازف جيد ومدرس لابد أن يكون علي قدرة في توصيل المعلومة للطالب. من بين أهم مشاكل الأكاديمية التي تعاني منها منذ سنوات ويجب أن يتدخل وزير الثقافة القادم لحلها الي جانب ما سبق لجنة المعادلات في الأكاديمية، فهناك عدد من الأساتذة حصلوا علي شهادات ماجستير ودكتوراه من الخارج بطريقة أو بأخري بما يعني انها شهادات «مضروبة» واستطاعوا أن يعادلوها فأي رسالة دكتوراه من الطبيعي أن يقوم الدارس بإعدادها خلال عدد من السنوات لكن الذين يذهبون للخارج يعودون بها بعد سنة وتتم المعادلة ويتساوي مع من أرهق لسنوات للحصول عليها لذلك تعد لجنة المعادلات - ونحن لا نقصد اللجنة الحالية بعينها - فهي قمة الكوارث، منذ سنوات طويلة لأنها تساهم في حصول الكثيرين علي درجات علمية لا يستحقونها وبالتالي كل هذا يعود علي الطلاب في كل شيء بداية من العملية التعليمية ومرورا بفكر المدرس ونهاية بانهيار مستوي المثل الأعلي لدي الطالب، الي جانب الاحباط الذي يتملك طلبة الدراسات العليا فهم يعملون لسنوات واذا بشخص يهبط عليهم بدبلومة من الخارج لم يستغرق في إعدادها سوي عام. انهيار مستوي أكاديمية الفنون لا يتحاسب عليه رئيس الأكاديمية الحالي كما قلنا وليس اعضاء هيئة التدريس الحالية لكن الإهمال الذي تعرضت له الأكاديمية خلال الربع قرن الأخير هو السبب، فخلال وجود يوسف السباعي وثروت عكاشة كوزيرين للثقافة شهدت الأكاديمية طفرات هائلة ودعما كبيرا من الدولة وإذا أراد الدكتور مرسي ووزير ثقافته القادم الذي لم يعلن بعد الارتقاء وعودة هذه الأكاديمية الي ما كانت عليه فعليهم الإصلاح لأن تراجع الأكاديمية يعني تراجعا شاملا في مستوي كل من يعملون بالموسيقي خاصة أوركسترا السيمفوني بالأوبرا وفرق الموسيقي العربية والباليه والغناء الأوبرالي لأنهم يجددون دماءهم من خلال خريجي الأكاديمية وبالتالي لو هذا الدم ملوثا فهذا يعني أن مصير هذه الفرق هو الموت، وبالتالي الفن المصري هو الخاسر الأكبر. أمام الرئيس الجديد بناء الفن المصري من خلال بناء هذه الأكاديمية وبالمناسبة هذا الأمر لن يرهق ميزانية الدولة في شيء لسبب بسيط أن الأكاديمية لها ميزانية خاصة فكل ما تحتاجه هو الانضباط حتي تسير العملية التعليمية بالشكل الذي كان خلال الخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي.