يبدو ان الدكتور «محمد مرسي» الرئيس المنتخب بإرادة شعبية لاول مرة في تاريخ مصر يحمل الكثير من الفطنة الرئاسية، ففي يوم واحد فقط استطاع أن يرضي جميع الاطراف والقوي السياسية المترقبة تصرفاته وأقواله وماذا ستأتي قراراته؟. ففي الصباح ذهب الي جامع الازهر بما يملك من دلالة تاريخية ووسطية للدين الاسلامي لكي يصلي الجمعة فيه، وطالبه الازهر بالعدل ك«عمر بن الخطاب» ونحن نراه يملك ذكاء معاوية فأتي خطابه أمام جماهير التحرير مطمئنا للجميع وأقسم اليمين أمام الشعب في دلالة رمزية قبل حلف اليمين أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا. وفي خطابه بميدان التحرير أمس الاول شكر الدكتور محمد مرسي المثقفين بعد أن أسقطهم في خطابه الاول عشية انتخابه مما يكشف أهمية حرية الابداع والتفكير في المستقبل. بداية تري الدكتورة نيللي حنا أستاذ التاريخ العثماني بالجامعة الامريكية: ان خطاب الرئيس الدكتور محمد مرسي الاول عقب فوزه اتسم بعدم الخبرة الرئاسية، خاصة انه استخدم ألفاظاً تبدو غير دارجة مثل: أهلي وعشيرتي ولكن في الخطاب الثاني كانت لغته موجهة للمصريين كافة بكل طوائفهم وتوجهاتهم وهو أمر مطمئن ومعقول الي حد كبير. ولكن علينا أن ننتظر ونتمني ألا يقع تحت ضغوط الجماعات الدينية كجماعة الاخوان المسلمين والسلفيين، وأن نترك له الوقت الكافي لكي تتضح الامور، فنحن نريد دولة مدنية بمعني انها دولة لا دينية ولا عسكرية، وأخشي أن يكون لجماعة الاخوان المسلمين مفهوم آخر لمعني الدولة المدنية يحاولون الضغط به علي الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي. أما الدكتور مدحت الجيار أستاذ النقد بجامعة الزقازيق فيشير الي الترحيب بنتائج الانتخابات قائلاً: رحبنا بقدوم الدكتور محمد مرسي رئيساً، لقد تابعنا خطابات السيد الرئيس ووجدناه في كل خطاب يستدرك نسيان فئة من الفئات وكانت آخر فئة استدركها في خطابه الاخير المثقفين والمبدعين ونرجو أن يكون هذا الاستدراك اشارة الي تبني قضية حرية الابداع والتفكير والاعتقاد واعطاء المبدع أكبر مساحة من حرية التعبير. وأري ان الدكتور محمد مرسي آمن بأن منصب الرئيس يفرض عليه مواقف عامة تختلف عن المواقف داخل الحزب أو داخل جماعة الاخوان المسلمين.. هو الآن كما يقول رئيساً لكل المصريين، والمصريون متنوعون عبر التاريخ والجغرافيا وعبر الواقع الذي نعيشه الآن وبالتالي لا يمكن حكم مصر بضيق الأفق الحزبي، ومن هنا يكتشف الدكتور محمد مرسي ان عليه واجبات جديدة وقد طمأن الناس بخطابه الاخير ونتمني له التوفيق في تحقيق هذه الوعود ونحن المصريون بجواره من أجل مصر المدنية الحديثة. ويحلل الدكتور حامد أبو أحمد أستاذ الادب الاسباني بجامعة الازهر المشهد كله قبل أن يوجه هذه الكلمة للمثقفين بعد أن نسيها في خطابه الاول هو أن أوضاعنا إن شاء الله ستكون إلي الافضل من كل النواحي بمعني أن هناك تغييرات جذرية حدثت بعد ثورة 25 يناير ولا يمكن الرجوع عنها، فالشعب أصبح هو صاحب الكلمة العليا ولن يستطيع أحد الآن أن يتصرف بمعزل عن صوت المواطن وانتهت أيضاً فترة الحديث عن التسامح تجاه الاقليات لاننا الآن نعيش عصر المواطنة وهذا ما أكده الدكتور محمد مرسي في حديثه مع الاعلاميين. والحقيقة ان كل كلمات وأقوال الرئيس الجديد مطمئنة سواء للداخل أو للخارج ولكني أخشي عليه من شيء واحد وهم طائفة المنافقين والمتحولين وبدأنا نلاحظهم الآن فكل من كانوا يتحدثون عن الاخوان المسلمين بلفظ المحظورة أصبحوا الآن يكيلون المديح للتيارات الاسلامية وبدأت لغة الاعلام تكرس الرئيس المنتخب وكأننا تحولنا من اعلام لا يهتم إلا بمبارك الي اعلام يركز كل اهتماماته حول محمد مرسي.. المشكلة ان صناعة الديكتاتور عندنا مازالت قائمة والاعلام كما كان في عهد مبارك فقط تغيرت اللهجة عن الحزب الوطني الي جماعة الاخوان المسلمين وهذا ما أخشاه. الكاتب والشاعر شعبان يوسف يري ان الخطابات الاولي للرئيس محمد مرسي في فترة الدعاية الانتخابية أو الخطاب الذي ألقاه فور اعلانه رئيساً لمصر، هذه الخطابات افتقرت الي التعامل مع المثقفين، ويؤكد ان هذا أمر يمكن أن يدافع عنه بأنه حديث العهد بالخطاب السياسي، وكانت هناك أولويات لابد من الحديث عنها أولاً، ويضيف علي كل حال فالثقافة مع الرؤساء دائماً تكون العربة الاخيرة في القطار حتي خطابات جمال عبدالناصر مع المثقفين كانت تتسم بالفلكورية، أما خطاب مرسي في ميدان التحرير فقد تجاوز الاخطاء السابقة وتحدث عن المثقفين بافراط وتجاوز كلمة أهلي وعشيرتي وأبدي النية الحسنة تجاه الجميع، كذلك بعث رسائل طمأنة كثيرة منها الحديث عن الدولة المدنية وأن الشعب مصدر السلطات واشتركت شعاراته مع شعارات الوفد القديم وجمال عبدالناصر واستلهم الخطاب التراثي بداية من سعد زغلول ومصطفي النحاس ومكرم عبيد، كذلك هناك حضور للخطيب الشيعي المنوه حسن نصر الله هذا الحضور المتعدد في خطاب مرسي أظهر رغبة منه في ارضاء الجميع.. والسؤال الآن كيف ستنفذ كل هذه الوعود؟ لقد كان الخطاب حماسياً اشتمل علي الاداء الحركي والتمثيلي، وأبدي يوسف اعتراضه علي ورود اسم عمر عبدالرحمن الذي أفتي بقتل فرج فودة ونجيب محفوظ فذكره يستدعي لدي المثقفين ذكري مؤلمة، ونحن لسنا ضد تفاوض السلطات المصرية مع الامريكية للافراج عنه لانه رجل مثقل بالامراض لكن كان لا يجب أن يثار بهذا الشكل، كذلك الحديث عن الستينيات وقوله ما أدراك ما الستينيات هي محاولة للتركيز علي ذكريات تخص جماعة الاخوان المسلمين وكانت محاولة واضحة لارضائهم. ويقول الروائي مرعي مدكور خطاب مرسي ثوري رمزي يطمئن المصريين جميعاً، ويؤكد انه رئيس لكل المصريين حاول من خلاله أن يكون رجل دولة يقود الثورة ويجد فيه المصريون من يتوحدون حوله، كذلك أكد الخطاب علي مدنية ديمقراطية دولة حديثة، وهذا ما طالب به الجميع كذلك قام في خطابه بعمل توازنات حيث أكد انه يحترم القانون والدستور الذي هو مصدر السلطات وانه يعمل علي اضفاء الشرعية التي يستظل به المصريون، وأضاف مدكور ان الرئيس الجديد نجح في تقديم كاريزما شعبية جديدة علي طريقة عبدالناصر ليمتلك عواطف الناس في الميدان والتأثير عليهم باعلانه انه يعرف مطالب المصريين جميعاً وأبدي استعداده لتنفيذ مطالبهم، ومجيء مرسي الي الميدان بعد أدائه صلاة الجمعة في الازهر جعله يطرح نفسه وسطياً مستنيراً ومعتدلاً باعتبار ان المثقفين كانوا قد وافقوا علي وثيقة الازهر، كذلك تعامل الرئيس الجديد بواقعية سياسية ليثبت انه رئيس من نوع جديد يتعاطف مع مشكلات الجميع مثل شهداء الثورة والذين جري اعتقالهم من خلال أحكام عسكرية كذلك وضع خريطة سريعة حيث قال انه يركز علي ملفات خمسة مهمة خلال المائة يوم القادمة تركز علي المشاكل التي يعاني منها المصريون، وأضاف مدكور انه اذا كان الرئيس قد أسقط المثقفين في الخطاب الاول له فقد استدرك الخطأ في الخطاب الثاني، واعتقد انه سوف يتدارك خطأّ دائماً بعد ذلك ولكني أطالب المثقفين بالبعد عن الانتهازية السياسية.