بصدور الإعلان الدستوري المكمل يكون المجلس العسكري الحاكم في مصر قد قرر الانتقال من صف حماية الثورة إلى صف حماية امتيازاته الخاصة. فالمجلس العسكري الذي وعد قبل أكثر من عام ونصف بأن يعود لثكناته فور انتهاء المرحلة الانتقالية يحاول الآن من خلال هذا الإعلان أن يحتفظ لنفسه بحق التشريع وحق الاعتراض على مواد الدستور والأهم أنه يحاول الاحتفاظ أيضا بالسلطة الكاملة فيما يتعلق بشؤون القوات المسلحة، حتى لو كان ثمن ذلك إفراغ عملية التحول الديمقراطي من مضمونها والعودة بها إلى المربع رقم صفر. فبعد أن بدا واضحا أن أركان النظام القديم توشك أن تتداعى، وبعد أن تبين أن الحملة الدعائية المكثفة لصالح مرشح النظام القديم لم تؤت ثمارها، وكذلك بعد أن فشلت محاولات تخوين من قاموا بالثورة أو محاولات وضع العثرات في طريق عملهم في البرلمان ومحاولات الحيلولة بينهم وبين تشكيل حكومة قادرة على تنفيذ الطموحات الشعبية، وبعد أن أفلست محاولات إظهار قوى الثورة على أنهم مجموعة من المبتدئين غير القادرين على إدارة الدولة أو حل مشاكلها، بعد أن فشلت كل هذه السيناريوهات لم يتبق أمام الطبقة الحاكمة إلا أن تقوم بتأكيد امتيازاتها الفجة التي تراكمت خلال عهد النظام القديم على نحو قسري ومن خلال أسلوب الصدمات العصبية. فقد تضمن الإعلان الدستوري الذي صدر مؤخرا عددا من الامتيازات أو بالأحرى التجاوزات التي لم تجتمع من قبل على هذا النحو الفج، منها على سبيل المثال أن المجلس أعطى لنفسه الحق في تشكيل لجنة غير منتخبة لصياغة الدستور، ضاربا عرض الحائط باللجنة القائمة حاليا ومرجحا فشلها في إنجاز ما قامت لأجله من وضع دستور دائم للبلاد. كما أعطي المجلس العسكري لنفسه حق الاعتراض على أي نص يرد في مشروع الدستور ويتعارض مع أهداف الثورة ومبادئها، على افتراض أن المجلس هو أول من يدرك أهداف الثورة ويتصدى لحمايتها! كما تضمن الإعلان احتفاظ المجلس العسكري بكافة صلاحيات القائد الأعلى للقوات المسلحة، وسلب كل صلاحيات وسلطات الرئيس القادم فيما يتعلق بأمور القوات المسلحة، بما في ذلك إعلان الحرب، فرئيس الدولة أصبح بموجب هذا الإعلان غير قادر على إعلان الحرب إلا بموافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، كما لا يمكنه أن يأمر القوات المسلحة بالتدخل في حالة حدوث أية اضطرابات بالبلاد إلا بموافقة المجلس العسكري، بحيث أصبحت رئاسة الجمهورية منصبا صوريا تابعا للمجلس العسكري الذي ينفرد بكل ما يخص القوات المسلحة وتشكيلها من قرارات. الإعلان المكمل تضمن أيضا إقرارا ضمنيا من جانب المجلس العسكري بخطوة حل البرلمان كاملاً رغم استمرار الجدل القانوني بين المتخصصين حول ما إذا كان قرار المحكمة الدستورية ينصرف إلى حل البرلمان بأكمله أم ثلثه فقط، ورغم تأكيد عدد منهم على ضرورة عدم حل مجلس الشعب والإبقاء عليه لحين وضع الدستور وإجراء انتخابات مجلس شعب جديد، ورغم تأكيد البعض الآخر أن معظم دساتير العالم تعطى سلطة التشريع لرئيس الجمهورية في حالة حل البرلمان، إلا أنه وفي وسط كل هذا الجدل يخرج المجلس العسكري ليدلي بدلوه في الموضوع ويفسر القرار بأنه يعنى حل البرلمان بأكمله، فيما يوحي بأن المجلس صاحب مصلحة في تأويل القرار على هذا النحو ليستعيد بموجب ذلك سلطة التشريع كاملة. المسكوت عنه في قرارات المجلس العسكري أن عقلية الأخ الأكبر مازالت هي المسيطرة، فهو يتصرف بالنيابة عن الشعب وممثليه، ويظن في نفسه أنه يدرك مصلحة البلاد أكثر من الشعب بأكمله، وعلى هذا الأساس لا ينظر إلى الثورة على أنها استرداد الشعب لقراره، وإنما فقط إخطار الجماهير بما يتم أخذه من قرارات نيابة عنهم. أيضا أفصحت قرارات المجلس العسكري الأخيرة عن سيطرة عقلية المنع والمنح، فما تم إحرازه من خطوات لنقل السلطة تم التعامل معها على أنها مجرد هبات منحها المجلس العسكري وبإمكانه أن يتراجع عنها في الوقت الذي يقرره. وبناء عليه فقد تراجع المجلس العسكري عن معظم استحقاقات المرحلة الانتقالية بمنتهى السهولة ومن دون إقامة أي اعتبار للجماهير التي شاركت فيها. يتضح أيضا من نصوص الإعلان المكمل أن عنصر ومفهوم المسؤولية مازال غائبا عن أذهان من عملوا في ظل النظام القديم، فقانون الانتخابات الذي تم الطعن على دستوريته هو من صياغة المجلس العسكري، والانتخابات التي تمت وفق هذا القانون تمت تحت إشراف المجلس العسكري، والأموال التي صرفت على هذه الانتخابات —والتي هي أموال الشعب المصري— صرفت أو بالأحرى بددت بموافقة وعلم المجلس العسكري، ورغم ذلك يبدو المجلس العسكري في مأمن من التعرض لأي مساءلة حول ما قام باتخاذه من قرارات معيبة ترتب عليها ما تعيشه البلاد حاليا من مشكلات. ولكن أيا ما كان حجم المسكوت عنه أو المعلن في قرار المجلس الحاكم فقد تبين بما لا يدع مجالاً للشك أن أغلبية المصريين مازالوا يدعمون الثورة ويراهنون على نجاحها، وآية ذلك نتائج التصويت في الانتخابات الرئاسية والتي عكست رغبة حقيقية لدي أكثر من نصف الكتلة التصويتية على الأقل في عدم استرجاع النظام القديم برموزه وتنظيماته وقيمه، ومن ذلك بطبيعة الحال ألا يكون لمؤسسة ما وضعا متميزا أو فوقيا حتى لو كانت هذه المؤسسة العسكرية ذاتها. وعليه فإن إصرار العسكر على تمرير الإعلان الدستوري المكمل لن يفعل إلا أنه سوف يزيد المعادلة السياسية تعقيدا وسوف يدخل بالثورة المصرية إلى أشد مواجهاتها حسما، خاصة أن نتيجة هذه المواجهة من المتوقع أن تحدد مقدرة كل طرف من أطراف اللعبة السياسية ومدى قدرته على ضبط أداء غيره من القوى السياسية، الأمر الذي من شأنه أن يحسم الجدل حوله شكل الجمهورية الثانية في مصر وطبيعة القوى المسيطرة فيها نقلا عن صحيفة الشرق القطرية