اتوقع أن يكون الفريق أحمد شفيق هو اختيار غالبية شعب مصر في تلك المرحلة من الانتخابات الرئاسية، ليس حبا في الحكم العسكري، ولكن رفضا للفكر الديني المتعصب والمنغلق. كما يقول المثل الشعبي (إيه اللي رماك علي المر، قال اللي أمر منه). أقول هذا وأنا ومعي الكثيرون في حيرة من أمرنا. لقد حكم علينا الزمان أن نري شعب مصر بعد ثورة يناير العظيمة بين خيارين كلاهما مر، إما الحكم العسكري ممثلا في الفريق أحمد شفيق، و إما الحكم الديني ممثلا في مرشح الاخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي. ولكن فإن واجبنا الوطني يفرض علينا أن نختار أقلهما مرارة. كان حلمي بعد ثورة يناير 2011 أن تتحول مصر إلي دولة مدنية، تنعم بالديمقراطية ويستنشق شعبها رحيق الحرية والعدالة الاجتماعية. ولكن مع الاسف الشديد، فلا الحكم العسكري ولا الحكم الديني يعترفان بالديمقراطية أو الحرية. الذي يدفعني ومعي الكثيرون إلي تفضيل الحكم العسكري، هو أننا سبق وأن جربناه وعرفنا أوله وآخره، فضلا عن أن هناك في العالم تجارب عديدة لأنظمة حكم عسكرية، تقدمت ببلادها وشعوبها، مثلما حدث في تركيا حديثا، وفي فرنسا في عهد ديجول وأمريكا في عهد ايزنهاور. في ظل الحكم العسكري، الأمل موجود، اذا كان الحاكم محبا لبلده مخلصا لشعبه. أما في المقابل، فأنا ارفض تماما أن تكون بلدي مثل الصومال أو افغانستان أو تقسم وتهلهل مثلما حدث في السودان. الحكم الديني غامض وغير معروف المعالم والضوابط. الدين مليء بالأحكام الشرعية والآراء الفقهية والتفسيرات والاجتهادات التي لا أول لها ولا آخر. فالشيء الذي يكون حلالا لدي فئة أو طائفة، ربما يكون محرما لدي فئة أو طائفة اخري، كل ذلك باسم الدين. لقد لاحظت أن هناك الكثير من أبناء هذا الشعب يفضلون اختيار الفريق شفيق، خوفا من الظلام الذي يخيم علي أفكار وآراء وتصرفات اصحاب الفكر الديني. ويسترشدون في رأيهم هذا، بأن جماعة الاخوان المسلمين - حتى يومنا هذا - غير معروف شكلها القانوني، فلم تسجل في أي جهة حكومية ولا أحد يعرف كيفية ادارتها ولا كيفية تحصيل مواردها ولا كيفية تنظيمها، فهي جماعة تعمل في سرية وضبابية، لا أحد يعلم عنها شيئا. ومن هنا كان تخوف الكثيرين من جماعة الاخوان المسلمين. وما يقال عن الجماعة يقال أيضا عن باقي التيارات الدينية الأخرى غير المسجلة قانونا. الطريف في الأمر، أنه رغم وجود عدد ليس بالقليل من ابناء الشعب المصري، يميل إلي اختيار الفريق أحمد شفيق، فإن كل زعماء الاخوان المسلمين - دون استثناء - حينما يتم سؤالهم في البرامج التليفزيونية، يجمعون علي أن مرشحهم هو الفائز بالرئاسة لا محالة. هؤلاء لا يقبل أي منهم احتمال ولو بنسبة 1%، بفوز الفريق شفيق، رغم أن الفارق بينه وبين مرشح التيار الديني في الانتخابات الأولية كان قريبا للغاية. ولا يقدح في ذلك ما أظهرته نتائج الانتخابات في الخارج من تقدم ملحوظ لمرشح الاخوان المسلمين. المقيمون في الخارج شيء والمقيمون بالداخل شيء آخر كما يقول المثل (اللي يده في المياه مش زى اللي يده في النار). يبدو أن الغرور قد اعمي اصحاب الفكر الديني عن حقيقة واقعية وهي أن هناك تيارات عديدة في مصر، تفضل الحكم العسكري علي فكرهم المتعصب، وبالتالي سوف يكون الاختيار لدي هذه التيارات في المرحلة القادمة من انتخابات الرئاسة هو للفريق أحمد شفيق. اصرار أصحاب الفكر الديني علي أن مرشح الاخوان المسلمين سيكون هو الفائز لا محالة، ادي بهم إلي الادعاء بأنهم هم قادة الثورة وأنهم يمثلونها وحدهم وان الثوار لن يرتضوا بديلا عنهم، لدرجة أن البعض منهم يري استحالة فوز أحمد شفيق بالرئاسة. ولكن، السؤال الآن ماذا لو فاز الفريق شفيق علي عكس ما يتوقع هؤلاء؟ عزيزي القارئ، أقول هذا الكلام وأنا مع جميع المصريين لا نعرف حتى يومنا هذا، ما إذا كانت الانتخابات ستتم أم لا، فالأمر كله مرهون بحكم المحكمة الدستورية العليا الذي من المتوقع أن يصدر اليوم، فإذا صدر باعتبار أن قانون العزل السياسي دستوري، فسوف يتم عزل الفريق أحمد شفيق من سباق الرئاسة، وبالتالي فيتعين اعادة الانتخابات برمتها من جديد مرة أخري. أما إذا صدر الحكم بأن قانون العزل السياسي غير دستوري، فستستكمل انتخابات الرئاسة. إني اهيب بالمصريبن جميعا، اذا ما اجريت الانتخابات في موعدها وهذا ما اتوقعه، أن نتقبل جميعا نتيجة الصندوق، طالما أننا ارتضينا بالاحتكام إلي الديمقراطية. إني واثق من أن الرئيس القادم لحكم مصر سيعمل ألف حساب لشعب مصر العظيم الذي ضحي بروحه في سبيل حريته في ثورة يناير، لقد ذاق الشعب المصري رحيق الحرية وعرف طريقه للديمقراطية، ولن يستطيع أي حاكم بعد الآن، ان ينتقص من حقوقه مرة أخري أو يعمل علي غير صالحه، فالشعب موجود والشوارع والميادين موجودة. حمي الله مصر ووفقها في رئيس وطني محبا لها، مخلصا لشعبها يعمل بصدق وأمانة علي طريق الرقي والتقدم. وعلي الله قصد السبيل.