فأجأ المستشار أحمد الزند رئيس نادى القضاة، الجميع بهجومه العنترى على مجلس الشعب، ويبدو أن "الزند" انفعل وأخذه الحماس حتى خرج عن النص. فمن غير المألوف أن يتحدث القضاة بهذه اللهجة التحذيرية العنترية الانتقامية، التى خلت فى كثير من الأحيان من الدبلوماسية واللياقة العامة. وإذا كان المستشار "الزند" قد تأثر بحالة الغضب الشديدة التى انتابت الكثير من قضاة مصر عقب الهجوم عليهم من قبل الغاضبين من الحكم الصادر ضد الرئيس السابق "حسنى مبارك" وأعوانه فى قضايا قتل المتظاهرين والفساد المالى، فإن انفعاله والطريقة التى تحدث بها عن مجلس الشعب خرجت عن المألوف، حتى إن تليمحاته كادت تكون صريحة تجاه جماعة الإخوان المسلمين فى بعض الأحيان، كما أنه استخدم مفردات صعبة للغاية حملت تهديدا ووعيدا مستترا للنواب، وهدد بعدم إشراف القضاة على الانتخابات الرئاسية، ورفع شكوى ضد البرلمان فى البرلمان الأورومتوسطى والأمم المتحدة والبرلمان الدولى، وأنه لن ينفذ القوانين التى يصدرها البرلمان بخصوص السلطة القضائية، وكل هذه التهديدات غير لائقة وما كان ينبغى أن تخرج من شخص فى مكانة وقيمة "الزند" كقاض رفيع المستوى. اثارة الرأى العام وأيا كان الخلاف بين البرلمان والقضاة، فإن الأمر لا يجب أن ينجرف الى هذا المستوى من التصريحات والهجوم غير اللائق عبر وسائل الاعلام، والتحدث فى امور سياسية، والتلميح لملفات حساسة، مثل السباق الرئاسى، وحديث عن حرق النيابات العامة والمحاكم والهجوم على السجون واخراج المساجين، وهى تلميحات يمكن ان تثير الرأى العام ضد بعض القوى، دون ان يكون هناك دليل واضح، كما انها تلهب حالة الجدل والتشكيك والتخوين التى تعيشها مصر حاليا . التوقيت صعب ولعل أسوأ ما فى الامر هو توقيت تصريحات الزند، التى تأتى فى وقت ملتهب، وجدل سياسى حول انتخابات الرئاسة والحكم على مبارك ودستورية البرلمان وقانون العزل السياسى، كما انها تأتى فى وقت تشتد فيه المعركة الكلامية بين جماعة الاخوان المسلمين التى تخوض انتخابات الاعادة الرئاسية بمرشحها الدكتور "محمد مرسى"، وبين منافسه الفريق "احمد شفيق". حيث إن حديث "الزند" عن حرق الاقسام وتهريب المساجين وحرق النيابات والمحاكم، يأتى بعد أيام قليلة من الجدل الذى أثاره تصريح الفريق "شقيق"، بأن بعض عناصر جماعة الإخوان المسلمين كانت وراء العديد من الأحداث المريبة فى ميدان التحرير اثناء الثورة، وان البعض كان وراء الهجوم على الثوار. إقحام الصراع السياسى فقد أقحم "الزند" نفسه بشكل غير مباشر فى الصراع السياسى الدائر حاليا بهجومه العنترى على البرلمان وتلميحاته الكثيرة عن الأحداث والانتخابات والمشهد السياسى الحالى . وكان من الممكن أن يرد "الزند" على ما أثاره بعض النواب من أحاديث حول التعليق على حكم "مبارك"، بشكل هادئ ومختلف، كما أن ما أثير عن التعليق على الحكم لم يكن فقط من جانب نواب البرلمان، بل إن القضاة انفسهم علقوا على الحكم ومنهم من انتقده، كما انه كان حديث كل وسائل الإعلام فى الايام الماضية ، وكان محور الاحتجاجات فى ميادين مصر المختلفة وكل القوى تقريبا تحدثت عن الحكم، وليس مجلس الشعب فقط ، الذى هو بمثابة تعبير هن الشارع والمواطنين . انتقاد الحكم رد فعل طبيعى وكان يجب على "الزند" أن يدرك ان هذا الامر رد فعل طبيعى من الشعب الثائر الرافض لبراءة 6 من قيادات الأمن، كما انه من حق النواب طرح اى مشروع قانون فى المجلس بما فى ذلك تعديل قوانين المحاكم والقضاة وإنشاء المحاكم، فهذه سلطة مطلقة لبرلمان، وعندما يتحدث النواب عن خلل تشريعى أو يقترحون إنشاء محاكم خاصة أو تعديل قوانين القضاة، لا يكون ذلك تدخلا فى عمل السلطة القضائية كما قال "الزند". موقف عدائ ى والحقيقة أن المستشار "الزند" بهجومه وإعلانه الحرب على البرلمان إنما عبر عن موقف معادي لهذه السلطة التشريعية، بعيدا عن الاحداث الاخيرة، فقد حملت تصريحاته تليمحات الى فصيل بعينه داخل البرلمان، وكأنه لم يتحدث عن البرلمان كهيئة تضم العديد من الاطياف المختلفة. ومن المؤكد ان تصريحات "الزند" ستزيد الموقف الملتهب، التهابا، وستلقى المزيد من البنزين على النار المشتعلة، سواء فى الحملات الضارية التى تتعرض لها جماعة الاخوان المسلمين اوالقوى الثورية الاخرى، وكذلك ما يتعرض له الفريق "شفيق" والمجلس العسكرى من حرب مضادة وحالة التشكيك والتخوين والغموض والتعقيد التى تمربها البلاد. نعم لا أحد يقبل إهانة القضاة ولا التعليق على الاحكام القضائية، لأن القضاء له العديد من المواقف المشرفة فى عهد الرئيس المخلوع "مبارك"، فكثيرا ما انتصر للمظلومين والمضطهدين ضد نظام "مبارك" ، لكن فى الوقت نفسه لا أحد يقبل ان يدخل القضاة طرفا فى ساحة المعركة السياسية الدائرة، وان تظل نظرة الشعب لهم كما هى رمزا للشموخ والعدالة.