أعلن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إنه سيرسل عدداً من العلماء بالأزهر ووزارة الأوقاف إلى قرية "صول" بأطفيح ،كما أعلن أنه سيستضيف كبار القرية والعقلاء والحكماء ليتم إطفاء نار الفتنة، مشيرا إلى أنه بمشيئة الله سيتم إخماد تلك الفتنة وسيعود بناء الكنيسة أفضل مما كانت عليه وبأموال المسلمين كهدية لإخوانهم الأقباط وللدلالة على المودة والرحمة بينهما. وقال الدكتور محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق في تصريح لبوابة "الوفد" إن المسلمين والمسيحيين سعدوا سعادة بالغة بثورة 25 يناير التي حققت للمصريين كرامتهم وحريتهم من الظلم والاستبداد، مؤكدا على ضرورة استمرار هذه الروح بين الطائفتين لاستعادة دور مصر الحضاري في العالم أجمع. وأشاد عاشور بموقف القوات المسلحة في مواجهة هذه الفتنة التي أطلت على المصريين لتفسد عليهم فرحتهم ووحدتهم بعد هذه الثورة المباركة، من خلال توجيهاته ببناء الكنيسة على نفس الأرض وبتكلفة أكثر، منوها على أن موقف الجيش ليس بغريب خاصة بعد أن تضامن مع الشباب والمصريين جميعا في محاربة رؤوس الفساد والتخلص من الفترة السابقة التي امتلأت فيها مصر بوعاء التخلف والظلامية والجهل بسبب تصدر بعض المنتفعين والمرتزقة على الساحة السياسية. ودعا المسلمين والأقباط لضرورة التكاتف والتوحد في مواجهة من أضر بسمعة الوطن وقام بإحراق الكنيسة ليفسد على المصريين محبتهم وتوادهم التي ظهرت جلية في فترة الثورة والتي لم ينكرها أحد، مؤكدا أن ما حدث في أطفيح كان مدبرا من قلة لا تريد لهذا البلد أمانا ولا استقرارا حتى تشتعل البلاد ويتحرق الأخضر واليابس، مندهشا لمن لا يعرف خوفا من الله ويقوم بإشعال هذه الفتنة. وأكد عاشور على أن المسجد هو "دار عبادة" لله، يحرص على أدائها المسلمون، وأن الكنيسة "دار عبادة" لله، يحرص على أدائها المسيحيون، لافتا الى أن التاريخ لم يشهد مرة واحدة قامت فيها جماعة مسلمة بحرق كنيسة لإخوانهم الأقباط، ولكن ظلت دور العبادة بمنأى عن الانشقاقات والاختلافات. وشدد على ضرورة عدم التعرض لدور العبادة مطلقا مهما كانت المشكلات، خاصة وأن المسلمين والمسيحيين ضربوا المثل في مصر على التسامح والمحبة فلا ينبغي أن يضيعوا هذا المثل الرائع في وقت تحتاج فيه مصر لكل واحد منهم في ظل هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد. من ناحيته أكد الدكتور مبروك عطية الأستاذ بجامعة الأزهر أن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين يشهد بها التاريخ، لافتا الى أن هذه العلاقة بدأت بالمحبة بينهما منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حينما كان يوجه الصحابة في أي غزوة بقوله: "أيها الناس اجتنبوا المكر، ولا تستحلوا السرقة في الغنائم، ولا تمثلوا بمن قتل من الكفار، فلا تسملوا عينا، ولا تقطعوا أذنا أو عضوا، ولا تؤذوا شيخا أو امرأة أو طفلا، ولا تقتلوا راهبا سكن في كهف أو غار، وستجدون أناسا يعبدون الله في الصوامع فاتركوهم، ولا تقطعوا شجرة من أصلها إلا لضرورة، ولا تحرقوا نخلة ، ولا تغرقوا بالماء زرعا، ولا تقلعوا شجرة مثمرة ، ولا تحرقوا الحرث والزرع ، فأنتم له محتاجون، ولا تهلكوا حيوانا حل لحمه إلا ما كان نصيبا للقوت، ولا تسمموا ماء المشركين أبدا ولا تلجأوا إلى الحيلة ". وأضاف عطية في تصريح للوفد أن المسلمين والأقباط يعيشون في وطن واحد ويشتركون في هم واحد وتجمعهم طموحات وأحلام واحدة، مناشدا الطائفتين بالتيقظ لثورتهم والتنبه الى ما تمر به بلادهم من أزمة طاحنة قد تعصف بأمن البلاد واستقرارها، قائلا: "لا ينبغي أن نزيد الأمور سوادا على سوادها بل لابد أن نعمل سويا لاستقرار هذا البلد الذى أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم وأن نسهر على نهضته وتقدمه". وناشد عطية المسلمين والمسيحيين بضرورة التصدي للمنافقين الذين هم أشد خطرا من البلطجية والمجرمين، كما طالب بالتصدي لكل من تسول له نفسه الإساءة لمسجد أو كنيسة لأن دور العبادة "مشرفة" عند ربنا رغم اختلاف العقائد التي يحكم بيننا فيها الله يوم القيامة، مشددا على ضرورة استمرار روح المحبة والمودة التي تخلق بها المصريون في أزمتهم أثناء محاربتهم لرؤوس الفساد. مضيفا أنه يجب أن نكون أشد مودة وتعاونا للخروج بالبلاد الى بر الامان في ظل هذه الظروف الانتقالية التي نشهدها والتي تمتلئ بالقتل والتدمير والحرق والتزوير وتهريب أموال المفسدين في العصر السابق الى خارج البلاد، مؤكدا على ضرورة الوحدة والتعاون لوقف نزيف الأموال التي خسرتها مصر. بدوره، استهل الشيخ يوسف البدري حديثه بقول الله تعالى :" لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ". وقال البدري إن القرآن اختار للتعامل مع المسالمين من المسيحيين أو غيرهم من أهل الاديان السماوية الأخرى كلمة (البر) حين قال: " أن تبروهم" وهي الكلمة المستخدمة في أعظم حق على الإنسان بعد حق الله تعالى، وهو (بر الوالدين). ولفت الى أن الاسلام والقرآن أجازا مؤاكلتهم ومصاهرتهم، بمعنى: أن يأكل المسلم من ذبائحهم ويتزوج من نسائهم، كما قال تعالى في سورة المائدة: "وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ" مشيرا الى أن من لوازم هذا الزواج وثمراته وجود المودة بين الزوجين، وهو ما يدل على مدى التراحم والمحبة بين المسلمين والأقباط. وناشد البدري المسلمين أن يسعوا الأقباط وأن يبروهم ويقسطوا إليهم، مؤكدا أن ماحدث في كنيسة أطفيح محرم شرعا وسوف يحاسب الله من اقترف هذا الاثم الذى أكد أنه لم يقترفه مسلم في التاريخ من قبل، متعجبا كيف يحدث هذا وقد وقف المسلمون والمسيحيون يدا واحدة فى مواجهة نابليون أثناء الاحتلال الفرنسي ومواجهة الاحتلال الانجليزي ومواجهة اليهود في حرب اكتوبر المجيدة، حيث امتزجت دماء الاثنين في رمال وتراب هذا البلد الذي كرمه الله وأمنه. واختتم البدري حديثه للوفد موجها كلامه للأمة بمسلميها وأقباطها قائلا: "ارحموا مصر يرحمكم الله". وقد أصدرت وزارة الأوقاف اليوم بياناً تطالب فيه جموع المصريين من المسلمين والأقباط، عدم الانصياع وراء دعاة الفتنة والتخريب ومروجى الشائعات، وتحكيم العقل وإعمال الضمير وترك النزاع حقنا للدماء. ودعا البيان إلى الوقوف صفاً واحداً حتى لا يتم الإساءة إلى شرائع السماء السمحة وتاريخ مصر الحضارى. من جانبه، أكد الدكتور عبد الله الحسينى، وزير الأوقاف، أن مصر التى قدمت للعالم تجربة فريدة فى التعايش واحتضان الجميع على أرضها، قادرة على تجاوز الموقف المعارض، ومواجهة محاولات اختراق وحدتها الوطنية وتهديد تماسكها.