أول يوم عمل له.. محافظ الدقهلية يُشارك في الاحتفال بالعام الهجري الجديد    ماذا يريد الشعب من الحكومة؟    جريمة موثقة أضرت بالتعليم.. نقابة المحامين تعلق على واقعة الغش الجماعي بالدقهلية    وزير التموين يحسم مصير رغيف الخبز (فيديو)    قوات الاحتلال تقتحم بلدة تقوع شرق بيت لحم    مجلس التعاون الخليجى يدين قصف إسرائيل لمدرسة الجاعونى التابعة للأونروا بغزة    مقتل شخصين إثر قصف روسي على مبانٍ في خيرسون الأوكرانية    أحزاب يمينية هولندية وإسبانية تنضم إلى الحزب التابع لرئيس وزراء المجر    نادر شوقي: جالي 50 مكالمة عشان مطلعش وأقول حقيقة ما حدث ل أحمد رفعت    نجوم الرياضة في عزاء أحمد رفعت بكفر الشيخ | فيديو    يورو 2024 – كومان: لهذا السبب أشركت فيجورست.. ومن الممكن لعبه ضد إنجلترا    إعادة الامتحان ومعاقبة المتورطين.. التعليم تكشف تفاصيل جديدة بشأن واقعة "الغش الجماعي" بالدقهلية    بحضور حسام حبيب.. جهات التحقيق تعاين الاستوديو محل الاعتداء على شيرين عبد الوهاب    بدء مراسم تغيير كسوة الكعبة المشرفة | فيديو    شيرين تحرر محضر اعتداء بالضرب ضد حسام حبيب والأخير يكشف السبب    خبراء صناعة: نتماشى مع توجه الدول ونعمل على تأهيل الشركات للتصدير    جمال شعبان يكشف مفاجأة عن سبب وفاة أحمد رفعت    سحر القهوة: تاريخها، فوائدها، وأثرها الثقافي في العالم    الكلية العسكرية التكنولوجية تستقبل وفدًا من جامعة العلوم للدفاع الوطنية الصينية    موعد مباراة هولندا ضد إنجلترا في نصف نهائي يورو 2024    لليوم ال 274.. الاحتلال يواصل جرائم الإبادة الجماعيةوينسف المبانى بالشجاعية و"غوتيريش" يحذر من حرب شاملة    فاجعة تضرب الكرة المغربية.. غرق لاعبين بنادي اتحاد طنجة بعد انقلاب قاربهم    مجلس أمناء الحوار الوطني يتوجه بالشكر للرئيس السيسي لاهتمامه البالغ بالحوار    محافظ كفر الشيخ يتفقد المشروعات التنموية والخدمية الجارى تنفيذها.. صور    هل يتم وضع تسعيرة جبرية على السلع لضبط الأسعار؟ وزير التموين يُجيب (فيديو)    شاهد بالبث المباشر منتخب البرازيل اليوم.. مشاهدة منتخب البرازيل × الأوروجواي Twitter بث مباشر دون "تشفير" | كوبا أمريكا 2024    نادر شوقي يفجر مفاجأة بشأن وفاة أحمد رفعت    عام واحد.. رئيس نادي مودرن سبورت يحدد مصير راتب أحمد رفعت بعد وفاته    جمال علام: وفاة أحمد رفعت صادمة لجميع المنظومة.. وأجهزة صدمات القلب موجودة    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن الأحد 7 يوليو 2024    سعر الفراخ البيضاء يتراجع وكرتونة البيض ترتفع بالأسواق اليوم الأحد 7 يوليو 2024    وفاة مسن ضربه أبناء شقيقه بعصا على رأسه في الغربية    الذكرى السابعة ل«ملحمة البرث».. حين أفشل منسي ورجاله مخططات الإرهاب    رسميًا.. الحكومة تُحدد موعد إلغاء التوقيت الصيفي 2024 في مصر (فيديو)    72 ألف متر مربع.. كل ما تريد معرفته عن ميناء الصيادين بسفاجا    اتحاد الصناعات: الحكومة السابقة بذلت جهودا في مناخ صعب ومشكلات كثيرة    بالأسماء، ترشيحات نقابة الصحفيين لممثليها في عضوية الأعلى للإعلام والوطنية للصحافة    استدعاء شيرين عبدالوهاب للتحقيق في بلاغها ضد حسام حبيب بضربها    حظك اليوم برج القوس الأحد 7-7-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    هشام ماجد وهنا الزاهد يعيدان فيلم «البحث عن فضيحة» برعاية تركي آل الشيخ    «اللي له حق عندي يسامحني».. تعليق نشوى مصطفى بعد نجاتها من حادث خطير بسيارتها    اليوم غرة محرم.. العام الهجري الجديد 1446    آخر فرصة للتقديم.. وظائف خالية بجامعة الفيوم (المستندات والشروط)    الأكاديمية العسكرية المصرية تحتفل بتخرج الدفعة الأولى (ب) من المعينين بالجهات القضائية بعد إتمام دورتهم التدريبية بالكلية الحربية    عاجل.. رئيس مودرن سبورت يكشف تفاصيل عقد أحمد رفعت وقيمة راتبه المستحق لأسرته    احذروا.. تناول هذه الإضافات في الآيس كريم قد يشكل خطراً على الصحة    طبيب اللاعب أحمد رفعت يكشف تفاصيل حالته الصحية قبل وفاته    آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بإسقاط حكومة نتنياهو وصفقة مع "حماس"    تعرف على أبرز مطالب مواطني الإسكندرية من المحافظ الجديد    ضبط 3 بلطجية المتهمين بالتعدي على شاب في المرج    «الطرق والمستشفيات والتعليم والقمامة».. ملفات على طاولة محافظ المنوفية بعد تجديد الثقة    سبّ وضرب في اللايف.. كواليس خناقة داخل مستشفى بأكتوبر    البحث ما زال مستمرا.. غرق قارب يقل 3 لاعبين من اتحاد طنجة المغربي    أخبار × 24 ساعة.. وزارة التعليم تراجع نموذج أسئلة الكيمياء للثانوية    دعاء النبي وأفضل الأدعية المستجابة.. أدعية العام الهجري الجديد 1446    أيام الصيام في شهر محرم 2024.. تبدأ غدا وأشهرها عاشوراء    ما الحكمة من اعتبار أول شهر المحرم بداية العام الهجري؟ الإفتاء تُجيب    مفتى الجمهورية: التهنئة بقدوم العام الهجرى مستحبة شرعًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ناصر عراق صانع الأخيلة:نحن نعيش عالة على الحضارة الغربية منذ خمسة قرون
نشر في الوفد يوم 01 - 08 - 2018


حوار - نهلة النمر
أنا من أسرة زرعت لى جناحين لأطير بهما نحو فضاء الأدب والفن
«البلاط الأسود» رواية ترثى تراجع الموهبة لحساب أشياء أخرى فى بلاط صاحبة الجلالة
نحن بحاجة إلى إعادة النظر فى مفهوم الغربة
«أدونيس» قال لى: «يا ناصر... دبى مصغّر الكون»
رواية «الأزبكية» فكرة مستوحاة من سطر واحد فى كتاب «بونابرت فى مصر»
يبدو أنه بات علينا أن نعيد النظر فيما تربينا عليه ونشأنا، فلم تعد المصطلحات تحمل ذات الدلالات؛ فما غدت الغربة غربة ولا البعد بعداً، ولم يعد السفرالطويل هو ذلك الغريب الذى طالما اختبأنا منه وخبأنا منه أحباءنا. فعلى الرغم من أن الحياة لم تختبرنى بتجربة الاغتراب لكنها منحتنى فرصة مراقبة العائدين، والذين أصبحوا مؤخراً أكثر هدوءاً وثباتاً وثقة فى الأقدار وفى أنفسهم. وهو ما قد يجعلنى أعيد النظر فى بعض أمرى، وربما أسمح لأولادى بالاغتراب فى المستقبل، إذا ما أرادوا ذلك وإذا ما سمحت لهم به الحياة. وإن كنت حتى الآن لا أدرى؛ هل الهدوء الذى يصطحبه القادمون معهم من مطارات العالم إلى القاهرة، هو ذاته الهدوء الذى يعودون به إلى ديارهم المختارة، أم أنهم يتلقفون أعصابهم المنفلتة فور دخولهم إلى صالات الوصول الغريبة عنهم.
على عكس كل هؤلاء كان هو مختلفاً، فلم تمنحه الغربة الهدوء والأريحية اللتين تلحظهما من بداية حديثه، فأنا أتصور أنهما كانا من هبات الميلاد وليس الحياة، لكننى أعتقد أن الغربة منحته أكثر من ذلك؛ منحته الفرصة كى يسأل نفسه ما الذى يريده؟ وما الذى يمكن أن يحقق له السعادة؟ فكانت الإجابة تسع روايات أثرت المكتبة المصرية والعربية، فى الأغلب أنه كتبها جميعاً فى الإمارة التى لا يغيب عنها البشر «دبى»، حيث أسهم فى تأسيس مجلة «دبى الثقافية» بالإمارات عام 2002، وكان أول مدير تحرير لها لمدة 8 سنوات حتى 2010، وأصدر 57 عدداً، وأشرف على إصدار 33 كتاباً من سلسلة كتاب «دبى الثقافية».
ناصر عراق صانع الأخيلة، روائى تؤكد كل رواياته أنه كما أن التاريخ لا يخلو من الرواية فإن الرواية أيضاً لا تخلو من التاريخ، وأن سطراً واحداً فى كتاب كافٍ لكتابة رواية مهمة. فجاء عالمه الروائى من خلال تسع روايات مصحوبة بالتكريم والجوائز، حيث وصلت روايته «العاطل» إلى القائمة القصيرة فى جائزة البوكر العربية، كما حصل على جائزة «كتارا» فى الرواية عن روايته «الأزبكية». تعد «نساء القاهرة دبى»، و«تاج الهدهد» و«الكومبارس، » و«أزمنة من غبار»، و«من فرط الغرام» من أهم رواياته. كما صدر له مؤخراً كتاب «السينما المصرية فى رمضان».
ناصر عراق بدأ حياته فناناً تشكيلياً، وقع فى هوى التمثيل أيام الجامعة وأخرج عدة مسرحيات، امتهن الصحافة، لكنه فى بداية الألفية الثالثة لم يكن له سبيل سوى الإنصات لغواية الرواية. ما الذى لا يمكنك أن تقدمه إلا من خلال الروايات، ولا تستطيع قوله من خلال لوحة أو مسرحية أو حتى مقال؟
- هذا سؤال بالغ الأهمية، ذلك أنه يتضمن وحدة الفنون، ففى ظنى أن المبدع الحقيقى يجب أن يتعامل مع مجالات الفنون والآداب المختلفة برحابة صدر، فيتفاعل معها وينفعل بها، حتى يثرى التخصص الذى انشغل به واطمأن إليه. وبالنسبة لى فقد منحتنى المقادير موهبة الرسم بشكل لافت، فمارستها بشغف منذ كنت طفلاً لم يتجاوز الرابعة، ومازلت بالمناسبة أرسم يومياً، وعندما اطلعت على «الأيام» لطه حسين وأنا طالب فى الثالث الإعدادى بهرتنى أيما إبهار، وبعد شهور قليلة قرأت ثلاثية نجيب محفوظ موفورة الشهرة، فقررت أن أكون مثل هذين الرجلين، ولكن كيف؟ وهكذا ظل حلم كتابة الرواية يراودنى ويضغط على أعصابى من عقد إلى آخر، حتى بلغت الأربعين عام 2001، فلم أستطع المقاومة، وعزمت على خوض عباب بحر الرواية بكل قوة، وليكن ما يكون بعد أن نهلت ومارست الكثير من الفنون. فالرسم والتمثيل والإخراج المسرحى، كل ذلك لم يجعلنى أكتفى، فالأفكار والرؤى والمشاعر تتلاطم فى رأسى، وهذه الفنون لا تكفى لأن تعكسها كلها، وكانت الرواية هى الأقدر على التعبير عما يدور داخلى من أفكار وآراء. وأزعم الآن أن ممارستى للفنون المختلفة وكذلك الصحافة كل ذلك عزز من مهاراتى الروائية إذا جاز القول.
مارست الرسم منذ الرابعة من عمرك... ومازلت حريصاً عليه حتى اليوم، رغم كل انشغالاتك والتزاماتك!! ليس بالأمر العادى أن يحدث هذا، وليس بالعادى أيضاً أن تتوافر لدى شخص ممارسة كل ما مارست دون أكتاف يتكئ عليها، فمن الذى حرث هذه التربة وأعدها للغرس؟
- هذا صحيح تماماً، فقد نشأت فى أسرة عاشقة للآداب والفنون،
فالوالد الراحل عبدالفتاح عراق كان مثقفاً عصامياً بامتياز. صحيح أن ظروفه الاجتماعية القاسية حرمته من التعليم الرسمى مبكراً، إلا أنه كان يقرأ طه حسين وسلامة موسى والعقاد وشوقى والمتنبى وما تيسر من ترجمة لدوستويفسكى وشكسبير وماركس ودارون ولينين وغيرهم من مفكرى العالم ومبدعيه العظام. كما كان رساماً بارعاً، وأذكر جيداً كيف كان يرسم لى منذ طفولتى المبكرة وجوه المشاهير أمثال جمال عبدالناصر ويوسف وهبى، فضلاً عن إتقانه الشديد لرسم الطيور والحيوانات. وبالمناسبة والدى هذا هو الذى تولى تعليم والدتى القراءة والكتابة، كما أنه اصطحبها معه إلى صالون سلامة موسى الذى كان يقيمه فى بيته بالفجالة فى أربعينيات القرن الماضى. وقد تأثر أشقائى «نحن سبعة أشقاء ترتيبى السادس»، بشغف والدى بالمعرفة واهتمامه اللا محدود بالفن والأدب والفكر والسياسة، الأمر الذى جعلنى محظوظاً بهذه الأسرة الكريمة التى غرست فى وجدانى عشقى الشديد لكل فروع الأدب والفن، فلكِ أن تعلمى أننى مارست كتابة الخط وأتقنته إلى حد كبير تأثراً بأبى، الذى كان خطاطاً ماهراً أيضاً، وشقيقى الأكبر الراحل إبراهيم الذى يعد المعلم الثانى بالنسبة لى، ورغم أنه كان محاسباً، غير أنه كان قارئاً نهماً ومطلعاً بشكل رائع على فنون المسرح والسينما العربية والأجنبية، وكم اصطحبنى وأنا طفل لزيارة المتحف المصرى والقبة السماوية وشرح لى بإيجاز وتشويق يناسب الطفل من هم المصريون القدماء؟ وكيف صنعوا هذه الحضارة العتيدة؟ كذلك شقيقى الأكبر الثانى المهندس فكرى، رعى الله أيامه ولياليه، أسهم، ومازال، فى تعزيز معارفى وصقلها، خاصة فى مضمار اللغة العربية وأسرارها وتراكيبها، رغم أنه مهندس كهرباء، أما شقيقى الراحل فوزى فهو الذى زرع لى جناحين لأطير بهما نحو فضاء السينما وجمالها حلاوتها، فتشبعت روحى بكل ما هو جميل وفاتن فى مجالات الأدب والفن.
الروائى يمكنه أن يصنع من سطر واحد فى كتاب التاريخ عالماً روائياً كاملاً، وناصرعراق اتخذ من التاريخ خلفية لعوالمه الروائية فى أكثر من عمل، ما حجم الصعوبات والمتعة التى واجهتها فى مثل هذا النوع من الكتابة؟
- اتفق مع حضرتك تماما، وأذكر جيداً أننى قرأت سطراً واحداً فى كتاب «بونابرت فى مصر» للمؤلف الأمريكى «ج. كريستوفر هيرولد» أوحى لى بفكرة رواية «الأزبكية»، ومع ذلك، يتحتم القول إن الروائى الذى يستهلم التاريخ يواجه صعوبة بالغة، فعليه أن يعود لمراجع كثيرة جداً، وعليه أن يمتلك وجهة نظر حول الحياة والكون، وعليه أن يتكئ على منظومة فكرية متماسكة، وعليه أن يستند إلى موقف سياسى واضح، وعليه قبل أى شىء أن يتمتع بموهبة لافتة تجعله قادراً على استثمار المادة التاريخية بذكاء من أجل إنشاء معمار روائى محبوك وممتع، فالروائى غير المؤرخ، وإنما الروائى صانع أخيلة من نسيج الماضى بهدف إثراء عقل القارئ الحديث، وطرح الأسئلة المثيرة التى تؤرقه فى حاضره.
فعل الاغتراب فى البشر لا يستهان به، لكن الكثيرين يرون أن الاغتراب داخل الأوطان أكثر وأشد قسوة منه خارجها. وأنت تعرضت كثيراً لهذه الفكرة من خلال كتاباتك كما فى «العاطل» مثالاً وليس حصراً، هل تعتبر نفسك عشت ألم تجربة الغربة سواء داخل الوطن أو خارجه، وما الذى لم تُبح به من خلال كتاباتك عن الغربة؟
- أغلب الظن أننا بحاجة إلى إعادة مفهوم الغربة فى ظل الثورة التكنولوجية الجبارة، وفى إطار التطورات المدهشة فى عالم المواصلات، ذلك أن العالم صار قاب قوسين أو أدنى من روح الإنسان وعقله وقلبه وربما جسده. بالنسبة لى، عندما غادرت القاهرة عام 1999 وانتقلت للعمل فى دبى لم أشعر بوخز الغربة الذى يتحدث عنه الكثيرون، لماذا: لأننى عملت فى المجال الذى أحبه وهو الصحافة، ولأننى كنت أصطحب معى زوجتى وأبنائى، ولأننى عملت مع أشقاء إماراتيين يتسمون بالذكاء والطيبة وتقدير الموهوبين المصريين، ولأن ثورة التكنولوجيا جعلتنى على تواصل يومى مع بلدى الأم ومع أهلى وأصدقائى، كما أن الإمارات تحديداً بلد عفى متسامح قادر على استيعاب البشر
من أى مكان فى الكوكب، وهكذا يمكن القول إن عملى فى دبى وإقامتى فى الإمارات منحانى فرصة ذهبية لتطوير إمكاناتى الإبداعية والصحفية انطلاقاً منها، كما أننى أتعامل يومياً مع جنسيات مختلفة، الأمر الذى جعل أدونيس يقول لى مرة ونحن نسير فى أحد مولات دبى: «يا ناصر... دبى مصغّر الكون».
«فى ظنى أن شخصية كل كاتب منثورة فى جميع أعماله بشكل أو آخر، بمعنى أن أفكار الشخصيات الروائية وآراءها وطموحاتها وعذاباتها جزء مما اعترى الكاتب نفسه فى مشواره مع الحياة، حتى لو كان جزءًا غامضًا باهتاً. فضلاً عن أن الروايات الأولى غالبًا ما تستند إلى استلهام مناطق ما من سيرة الكاتب»، أنت قلت ذلك وأنا أتفق معك تماماُ. بصراحة إلى أى حد تتفق هذه الرؤية مع روايتك «البلاط الأسود»؛ بمعنى هل صادفت فى حياتك شخصية مثل «صالح رشدى» يمكن أن نعتبره بطلاً لهذه الرواية؟
- من حسن حظى أننى عشقت الصحافة منذ صباى، ومارستها حتى وأنا طالب فى كلية الفنون الجميلة، فقد أصدرت مع اثنين من أصدقائى مجلة ثقافية عام 1981، باسم «أوراق». وبعد تخرجى مارست الصحافة حتى غادرت إلى دبى، حيث عملت فى صحف كثيرة، كما كنت مراسلاً ثقافياً لعدة صحف عربية، كل ذلك جعلنى أتعامل وأرى صحفيين من مختلف الأنواع، منهم الموهوب الدمث المهذب الجاد، ومنهم الأفاق محدود الموهبة، ومنهم الموهوب والمنافق فى آن واحد وغير ذلك، وبالتالى شخصية «صالح رشدى» فى رواية «البلاط الأسود» يمكن اعتبارها نموذجاً بائساً لمزيج من حفنة من الصحفيين الذين رأيتهم فى مشوار حياتى مع الصحافة طوال أكثر من ثلاثة عقود، علماً بأننا لا يمكن أن نفصل بين تردى الأوضاع السياسية وبين ظهور هؤلاء الانتهازيين فى عالم الصحافة، فقد كانت حقبة مبارك مشحونة ببؤس صحفى مستديم ظهر فى حجم النفاق الرخيص للسلطات وفى تراجع المهارات المهنية بشكل محزن، وفى تولى كثير من غير الموهوبين المناصب الكبرى فى المؤسسات الصحفية القومية.
ناصر عراق يحتفى بالمرأة دائماً وينتصر لها فى أغلب أعماله. ما أكثر الشخصيات النسائية التى تعاطفت معها بشدة فى كتاباتك خاصة فى «نساء القاهرة دبى»؟ ولماذا؟
- يقول الشاعر الفرنسى «أراجون» إن المرأة مستقبل العالم، ذلك أن المرأة هى التى تقود تطور البشرية، فهى التى تختار الأفضل والأقوى والأذكى من الرجال ليصبح أباً لأبنائها، مثلما يحدث فى عالم الحيوانات بالضبط، وهذا ليس تقليلاً أبداً من شأن الإنسان، وإنما هو فهم لمجريات التطور الذى يعد قانوناً رئيسياً فى حياة الكائنات الحية. إن حفاوتى بالمرأة تعود إلى أمور كثيرة، فقد تأثرت بوالدتى كثيراً، تلك التى كانت تقرأ روايات الهلال وتقصها لى وأنا طفل، وبالمناسبة عندما رحلت فى عام 1997 كانت تضع تحت وسادتها فى المستشفى رواية ماركيز «سرد أحداث موت معلن» التى كانت مفتونة بها كثيراً، وكذلك شقيقتى الكبرى الراحلة الدكتورة ماجدة، التى نالت درجة الدكتوراه فى الفيزياء النووية من لندن فى ثمانينيات القرن الماضى. لقد كانت تشرح لى قصائد أم كلثوم وعبدالوهاب التى كتبها شوقى وأبوفراس الحمدانى، ولا ننسى دور الكاتبات المصريات والأجنبيات فى تنوير عقولنا أمثال لطيفة الزيات وبنت الشاطئ وشارلوت برونتى وايزابيل الليندى وغيرهن، أما ما فعلته وتفعله أم كلثوم فى الرقى بالمشاعر فحدثى ولا حرج، كذلك فنانتنا المبدعات أمثال فاتن حمامة سناء جميل وغيرهن كثيرات. من هنا ينبثق انحيازى التام للمرأة، أما سوزان بطلة «رواية نساء القاهرة. دبى» فهى أقرب الشخصيات الروائية التى ابتكرتها إلى قلبى، لأنها تمثل النموذج الجاد العاشق الفنان الرافض لكل قهر اجتماعى.
على عكس أغلب الكتاب لم يقدم ناصر عراق الغرب بصفته الشيطانية المطلقة فى أعماله، إنما رأى فيه بشراً يخطئ ويصيب، لماذا تكون حريصاً فى كل كتاباتك على ألا يغضب أحد؟
- الأمر ليس له أى علاقة بغضب الناس أو إرضائهم، وإنما يتجلى فى موقفى الفكرى من الغرب، حيث أرى دوماً أن الحضارة الإنسانية سلسلة متواصلة، كل جماعة أسهمت فى تطويرها بنصيب، فالفراعنة واليونانيون والرومان والمسلمون أضافوا الكثير للحضارة، ولكن نحن منذ خمسة قرون تقريباً نحيا فى زمن الحضارة الغربية التى أنتجتها أوروبا، وبالتالى لا يمكن أن أغفل هذا أو أعاديه، صحيح أن الغرب عمل على استعمار الشعوب الضعيفة ونهب خيراتها، إلا أنه أيضاً وهب لنا الفكر والعلم والصناعة والتكنولوجيا والقانون المدنى الحديث والآداب والفنون، ولنعترف بأن كل ما نستخدمه الآن من فواكه التكنولوجيا مثل الموبايل والكومبيوتر والطائرة والسيارة والغسالة والبوتاجاز والتلفزيون والصحيفة... كل ذلك اخترعه الغرب، ولم نخترعه نحن العرب. فكيف أعاديه؟ وكيف لا أستفيد منه لأشارك فى بناء الحضارة، لأنه من العيب أن نظل عالة على الحضارة الحديثة نستهلك ما تنتجه فقط.
جميع حوارات الشخصيات فى أعمالك وكذلك صوت الراوى يتحدث اللغة العربية، على الرغم من أن كثيراً من الكتاب فى الأقطار الأخرى لابد لهم من تحلية كتابتهم بلهجات إقليمية.. بل أكثر من ذلك يمكن أن يدخلوا أكثر من لهجة أيضاً داخل اللغة الواحدة كواسينى الأعرج مثلاً. ألا ترى أن هذا النوع من الكتابة يكسب العمل شخصية تخصه وتخص وطنه ولغته؟
- فى ظنى أن اللغة العربية الفصحى الرشيقة هى التى تجمع العرب كلهم من الماء إلى الماء، فمن الصعب جداً أن نفهم فى مصر مثلاً نصاً مكتوباً باللهجة المحلية الجزائرية أو المغربية، وكذلك يصعب على السورى أن يفهم اللهجة الخليجية إلى آخره، لكن الجميع قادر على استيعاب النص، بكل ما فيه من حوار وصوت الراوى إذا كان مصاغا بالفصحى الجذابة. ولنا فى نجيب محفوظ أسوة حسنة، فقد جعل الشحاذين والقوادين وبائعى البسبوسة والعاهرات وصانعى العاهات كلهم يتحدثون بالفصحى الأنيقة البسيطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.