حوار - صلاح الدين عبدالله: ليس السؤال كيف يراك الآخرون، ولكن كيف ترى نفسك، فلن تكون مبدعاً إلا إذا آمنت بقدرتك، هكذا تقول الحكمة، وكذلك أولى خطوات النجاح لن يتحقق إلا بالتصرف دون خوف، إيمان شديد بداخله أن ضياع الفرصة لن يعوق، بل تراجع الرغبة فى الوصول إلى الهدف هو العائق الأكبر. النجاح فى قاموسه ليس كله شطارة، ولكن ثقة ومحبة الآخرين، الكنز الأكبر، والإيمان بالنفس قدرتك على الوصول إلى نهاية المسيرة، مهما كانت العاقبة، والعلم روحاً للاستمرار فى الطريق. هناك من تغيرهم الحياة، وآخرون يبقون كما عرفتهم أول مرة، والرجل من الفصيل الأخير، لذلك يصفه أصدقاؤه بالمستشار الأمين. الدكتور معتصم الشهيدى، نائب رئيس «هوريزون» للأوراق المالية... لم يتغير كثيرًا فى هيبته حينما التقيته المرة الأولى منذ عامين، ربما بات البياض يغطى شعر رأسه، لكن التفاؤل يظل مرسوماً على ملامح وجهه، والرؤية أكثر دقة فى تحليله للمشهد. فى نهاية ممر يغلب على تصميمه منحنيات يمينًا، ويسارًا تبدأ ملامح غرفة مكتبه فى الظهور، بين كمبيوتر، وشاشة تليفزيون، وتليفون ثابت، لا تنقطع عنه الاتصالات، ربما لطبيعة عمله، يجلس الرجل، وبدأ أكثر تركيزا، سألته هل غادر الحماس داخلك بعد ضربات متتالية، وفاتورة كتب على الجميع تحملها؟ بابتسامته بادرنى قائلاً:«نحن الآن أكثر حماساً وقوة على تحقيق الانطلاق إلى أقصى الحدود، وكل المؤشرات تقودنا إلى ذلك» ليكون معها نقطة الحوار. «نحن أمام صدق العزيمة، والرغبة فى استكمال الطريق، والوصول إلى ما هو أبعد من النجاح»، يقول: «شتان بين المشهد قبل 4 سنوات، والآن، فالمؤشرات تغيرت تماماً، والإجراءات الإصلاحية، أسهمت فى تحسين الصورة الذهنية للاقتصاد لدى المؤسسات الأجنبية». الرجل من سماته عدم البكاء على اللبن المسكوب، وكذلك لا يهوى الحديث عن مشهد الاقتصاد، قبل سنوات، وإنما ينظر إلى المستقبل، الذى يتسم بالتفاؤل وفقاً لمؤشرات الاقتصاد، والسياسة، فمعدلات التضخم تتراجع، وعجز الموازنة بدأ فى التناقص، والبطالة، فى مسار التحسن، والنمو يتحرك، والبنك المركزى يتجه إلى سياسة توسعية تصب فى مصلحة الاستثمار. فى جعبة الرجل الكثير من مؤشرات القوة للاقتصاد، ومنها حركة التشريعات، والقوانين التى وصلت للعديد من القطاعات والاستثمارات المباشرة، وغير المباشرة فى سوق الأوراق المالية، وغيرها من المجالات الأخرى. منذ عامين كانت وجهة نظره أن أزمة الدولار شوهت صورة النجاحات التى تحققت فى المشروعات القومية، فمنذ ثورة 30 يونيو، والوطن يواجه حربًا شرسة فى كل الجبهات، سواء فى السياحة أو تحويلات المصريين، ولكن تغيير كل ذلك بالعزيمة والإصرار، فالقدرة على استكمال النهضة، والبناء أمر لا مفر منه، فالتراجع مرفوض تماماً، مهما تكن الضغوط. الرغبة والقدرة وجهان لعملة واحدة، وكذلك العمل على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فى القطاعات، غير البترولية، هو الشغل الشاغل للرجل. المستحيل مرفوض فى قاموسه، والممكن قريب، ربما تجربة والده فى الحياة علمته الكثير، لتجعل وجهة نظره دقيقة، حينما يتحدث عن السياسة النقدية، ترتسم على ملامحه علامات الرضاء.. يقول « الخوف من الخطوة القادمة، لخفض الدعم، بحدوث موجة تضخم جديدة، فالتأثير لن يكون كبيرًا، بسبب استيعاب السواد الأعظم من المواطنين لذلك، على البنك المركزى الاستمرار، فى مزيد من خفض أسعار الفائدة، من أجل تشجيع الاستثمار، التشبث بالسياسات التوسعية التى فى صالح الاقتصاد والسوق، بما يسهم فى خفض معدلات البطالة». ربما ملف الدين يشغل الكثير من المراقبين، و«الشهيدى» له وجهة نظر خاصة تعتمد على أن الدين الداخلى غير مقلق، لكن الدين الخارجى يتطلب خطة دقيقة للتعامل معه، تقوم على إعادة هيكلته بمد آجال الاستحقاقات، وتحويل الديون الآجلة إلى متوسطة، وطويلة الأجل، لترك فترة زمنية للاقتصاد للتحسن دون ضغوط. أقاطعه: ولكن هذه الهيكلة ربما تكون عبئاً على الأجيال المقبلة. يجيب قائلاً: «لن تمثل أى أعباء، حيث إن العامين الماضيين تم سداد الكثير من الاستحقاقات للعديد من الدول المقرضة، ما مثل ضغوطاً على الاقتصاد». الثقة فى النفس من الركائز المهمة للرجل، فى كل المجالات، لكن له ملاحظات على السياسة المالية، حيث إن الملف يتطلب الكثير من العمل والإجراءات الإصلاحية، بتوسيع القاعدة الضريبة لتشمل كل المهن والحرف، سواء كان طبيباً أو مدرساً، وهذا لن يتحقق إلا من خلال تطبيق تكتولوجيا، وسيادة سياسة الفاتورة، بحيث يتحول الاقتصاد من نقدى يتداول فيه الأفراد الأموال إلى دفترى، تتم فيه العمليات، دون أن تتحرك الأموال نفسها، وربما يتحقق ذلك مع تفعيل دور المجلس الأعلى للمدفوعات. التخطيط الجيد، أهم خطوات النجاح، وكذلك ملف الاستثمار فى رؤيته، يقول: «نعم شهد الملف حراكًا ملموسًا، لكن لا تزال حجم الاستثمارات غير مناسبة، للاقتصاد وحجم الدولة، فرغم الإجراءات الإصلاحية فى هذا الملف، وصدور العديد من القوانين التى تمس الاستثمار، ومنها الخريطة الاستثمارية، إلا أن السوق فى حاجة للمزيد من الاستثمارات المباشرة، خاصة أن البنية التحتية وإقامة مدن جديدة، ومناطق صناعية، بات الأمر سهلاً لاستقطاب الاستثمارات. كثيراً ما يتوقف الرجل، عن استكمال حديثه ليس إلا لطبيعة عمله، لكن سرعان ما يعود ليحدد القطاعات القادرة، على دعم الاقتصاد، وتحقيق القدرة التنافسية من خلال الاهتمام بقطاع التصنيع، المؤهل للمنافسة عالميًا، وقدرته فى إتاحة فرص عمل، وكذلك القطاع الزراعى التصديرى، والتكنولوجيا الذى بات العمود الفقرى لجميع القطاعات. رغم الجدل المثار حول ملف طروحات الشركات الحكومية، فإن «الشهيدى» له رؤية مغايرة تماماً، حيث يعتبر أن تأجيل الملف كان أمراً صائباً، نظراً لارتفاع تكلفة التمويل بعد تحرير سعر الصرف، وبالتالى التأثير على تقييم الشركات المطروحة، وعلى الحكومة تحديد المواعيد الخاصة بالطرح، بعيداً عن سياسة العشوائية. ليس للرجل ملاحظات على سوق الأوراق المالية، لكن بورصة النيل، تمثل لديه لغزًا كبيرًا، حيث إن شركات السوق، تقليدية، لم تضف جديداً، وكان الأولى لهذه السوق شركات رأس المخاطر، وهى الأنسب لهذه السوق. المسئولية منذ الصغر، كانت واحداً من أقداره، منحته مناعة قوية وصلبة لمواجهة التقلبات، لذلك حينما يحدد استراتيجة الشركة مع مجلس الإدارة، تتخذ اتجاهًا أكثر احترافيًا، وهو ما تتكشف عنه خطط الشركة القادمة، والعمل بجدية على اتباع سياسة توسعية، بزيادة رأس مال الشركة من 15 مليون جنيه، إلى 25 مليون جنيه، حينما تسمح السوق بذلك، وكذلك العمل على المشاركة وبصورة قوية فى بورصة السلع والمشتقات، باعتبارها واحدة من الأدوات المالية التى لها دور كبير، فى الاقتصاد. حينما تفتح أجندة ذكريات الرجل، تتكشف أمور من خلالها، تحدد مناطق القوة، فى شخصيته، فالإيمان بالنفس، ومحبة الناس، والتشبث بالعلم، والتعلم، لهم الدور الأكبر فى مسيرته الطويلة، لا ينسى الرجل أول مكافأة حصل عليها عندما سافر للخارج، تقديراً لتميزه فى دراسته، وأول هدية له رغم بساطتها، تحمل بداخله المزيد، لكن يظل الشغل الشاغل للرجل الوصول بشركته إلى أبعد مكانة فى الصدارة.. فهل ينجح فى ذلك.