أجدنى مضطراً وقد تلاحقت الأحداث فى تسونامى سياسى جبار يزلزل حالياً أرض مصر أن أتوقف عن التفكير الا فى شيء واحد هو حال الوطن وما يحيط به من مخاطر.. وفى التقاليد العسكرية تنعكس الأعلام تعبيراً عن الحزن، وترفع الإعلام مقلوبة حين تسقط القلاع الحصينة، ولو كان الأمر بيدى لنكست كل أعلام مصر أو رفعتها مقلوبة الى أن يتم محاسبة المسئولين عن اقامة مأتم قومى جديد يشق فيه كل المصريين الجيوب ويهيلون التراب على رؤوسهم حزناً على مالحق بمصر، ويلقى من تسبب فى التخطيط لسقوط آخر قلاع مصر الحصينة فى أيدى قلة من الخونة سلمت مفاتيح القلعة نظير حفنة من الدولارات للمتسللين من أعداء مصر فاستولوا على القلعة دون قتال ورفعوا علم بلادهم عليها ولا يزالون يحتفلون بالنصر وقصص البطولات التى أذلوا فيها حامية القلعة وكل ثوارها ممن كانوا على استعداد للموت دفاعاً عنها لو لم تقع الخيانة بليل وينفذ الحكم بإعدام كرامة مصر غدراً مع سبق الإصرار والترصد. يتزامن ذلك مع مانشتات لكبرى الصحف الأمريكية تفخر بتحرير سجنائها «فدية» كما لو كانت حررتهم من أيدى الإرهابيين المصريين واقتصاد مصر الذى سوف يزدهر بعد أن خضعت وخنعت وانبطحت أمام جبروت القوة الأمريكية وسطوتها، والتلويح بمعونات أذلت إرادة مصر لعقود طويلة بفضل «الدجل السياسى» لنظام حكم كان يردد دائماً وصفق له الأغبياء والمتخلفون من أتباعه بأن إرادة مصر حرة وانها لا تخضع لأى تهديد ولن تضخ لأى تدخل فى شئونها.. ثم يقف رئيس أمريكا امام مجلس العلاقات العامة الأمريكية الاسرائيلية «ايباك» فى اطار حملته لفترة الرئاسة الثانية فيلقى خطاباً خصص اكثر من نصفه للفخر بأنه الرئيس الأمريكى الوحيد الذى لم يسبقه أحد في مساندته لإسرائيل وحفظه على أمنها والتزامه بمدها بالسلاح والعتاد والأموال والمعلومات والتكنولوجيا التى تضمن لها تفوقها على من يحيطون بها من الدول التى تتربص بها وان الولاياتالمتحدة «شريكة» لإسرائيل فى كل مخططها لضمان امنها القومى «الذى يعنى أمن أمريكا القومى» وفى حقها المشروع فى اجهاض أى محاولات من جيرانها وبالذات ايران لدخول النادى النووى. ذلك هو خطاب لرئيس يقدم فروض الولاء والطاعة لمن يملكون فرضه على الشعب الأمريكى والذى هللنا له حين بدأ فترة حكمه الأولى بزيارة القاهرة ونطق جملة قصيرة باللغة العربية نفاقاً لنا ولباقى العالم العربى، وعلقنا عليه املاً كبيراً فى سياسة اكثر عدلاً وتوازناً تحد من توحش اسرائيل وجرائمها تحقق للفلسطينيين حلم اقامة دولتهم على أرض احتلت وتغيرت معالمها وانتهكت مقدساتها، فهل هناك فجر وعهر سياسى أكثر من ذلك؟ الأمريكيون لم يكتفوا بشل إرادة القرار المصرى بشأن رعاياهم ومنع محاكمتهم أو وقوفهم فى قفص الاتهام فوفرت لهم ملاذاً آمناً داخل سفارة بلدهم فى مصر، وارسلت طائرة عسكرية وليست مدنية لكى تقلهم الى امريكا هبطت بمطار القاهرة دون ان تنتظر إذناً بالهبوط، ونقلتهم الى المطار ليستقلوا الطائرة فى عربات مصفحة تحرسها قوات المارينز استعراضاً للقوة وانتهاكاً لسيادة دولة قبلت على نفسها ذلك بعد أن صدرت ثورتها قيماً ومبادئ اقتبس منها كل العالم بما فيها امريكا نفسها التى رفع فيها المضربون فى نيويورك نفس شعارات التحرير للمطالبة بحقوقهم.. رحل الأمريكيون الى بلدهم ومعهم باقى المتهمين الاجانب فى قضية التمويل الاجنبى بينما المصريون من المتهمين فى نفس القضية لايزالون محبوسين على ذمة القضية.. الأمريكيون وباقى الاجانب من المتهمين عدلت تهمتهم الى جنحة بقرار منفرد ممن قبل على نفسه أن يلوث ثوب قضاء مصر الطاهر دون محاكمة وشكلت لهم «لجنة» قررت الافراج عنهم بكفالة أشياء سوف يستغلها بهلوانات القوانين ممن يتقاضون الملايين من مبارك وأسرته وباقى عصابة الحكم الذين ينتظرون حكم القضاء لكى يطعنوا على الحكم الذى سيصدر ويسعون للحصول لموكليهم على البراءة من إراقة دم مصر وشعبها واهدار شرفها وكرامتها لأكثر من ثلاثين عاماً. ما يحدث فى مصر الآن يحرض كل القوى الوطنية فى مصر لن نكون أكثر شراسة فى الاصرار على عدم سيطرة فصيل تحت أى زعم من شرعية أو حق مكتسب التأثير فى مسارات دستور مصر الذى سوف يحدد شكل الحكم وسلطات من يحكم ويفصل بين السلطات ويطلق كل اصوات الانذار فى مصر للقوى الثورية التى أعطت من يجلسون على كراسى الشعب والشورى شرعيتهم ان يستنفروا طاقاتهم فى رصد ما يحدث لسرقة الثورة التى اصبحت ملكاً لكل شعب مصر وان يجهضوا كل محاولات العودة بمصر لعصر الظلام وقتلها معنوياً وكسر ارادتها باستغلال عملاء الداخل الذين تركوا الحصن يسقط ولا يزالون يخططون لاطلاق ذئاب الفوضى التى تحدث عنها صاحب المزرعة فى خطاب «تنحيه عن السلطة» وهو ما نسميه فى علم الإدارة «التفويض» الذى لا يعنى تخلى من فوض سلطته عن مسئوليته عما يحدث ومن ثم فان الاصوات التى تقول ان مبارك وصحبه من نزلاء سجون مصر مسئولون عما يحدث وأنهم لا يزالون يحكمون مصر من محبسهم على حق فيما يقولون.. الجانب الايجابى الوحيد فيما حدث هو ان الاحداث المتلاحقة التى تحدثت عنها جعلت الأقنعة تسقط واحداً وراء الآخر، وكشفت النقاب عن الشخصيات الحقيقية فى «الحفل السياسى التنكرى» الذى استمر لأكثر من عام.