«لا تهمل الأشياء مهما كانت صغيرة فأكبر الأبواب يفتح عندما يدور فى قفله مفتاح صغير» هكذا تقول الحكمة، وكذلك الثقة تزداد قيمتها كلما مضى عليها الزمن، فهى مثل ناطحة سحاب بناؤها يحتاج إلى سنوات، على ذلك أسس منهجه. ما بنى الهرم إلا من حجارة، فابن هرم نجاحك من إنجازات مستمرة تدوم، وإن كانت صغيرة، على هذا الحال كانت مسيرته، تقوم على أن الاستمرار والوصول الى القمة لن يتحقق إلا بالعناء، والاعتماد على النفس. تنبأت جدته بمستقبله فى سنوات عمره الاولى حينما، لفتت انتباهها تصرفاته، وقدرته على خلق مكاسب من مصروفه البسيط، أرتدى ثوب رجل البيزنس، وهو لا يدرك أنه حلم يسعى اليه منذ نعومة أظافره. خالد رياض، رئيس مجلس إدارة شركة الرواد لتداول الأوراق المالية.. حينما تفتش فى تاريخه تتوقف فى كل مرحلة من محطات حياته عند فلسفة أن الإنجازات تتطلب وقتاً، وتستحق أن تهبها كل وقتك. الاعتماد على النفس، الطاقة الإيجابية، الثقة فى فريق العمل.. ثلاث علامات منحته جائزة الأفضل بين أبناء جيله.. 20 دقيقة لم تكن كافية للوصول إلى أدق تفاصيل ما يحمله الرجل من فكر، لكن اقتصر الطريق بكلمة: التجربة تمكنك من تحقيق أهدافك. بدأ وهو يبدو أكثر هدوءا وتفاؤلا، بادرنى متسائلا: «أليست كل هذا المشروعات القومية مؤشرًا لتغير خريطة الاقتصاد الوطنى، وانطلاقه للمستقبل»؟ «نعم» يقول إن «عام 2018 سوف يكون مفتاح التنمية الحقيقى، وكلمة السر فى تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة بدعم الاكتشافات البترولية، وبدء الإنتاج الفعلى بحقل ظهر». الاعتماد على النفس مفتاح لمشوار الألف ميل، هكذا تعلم من والده، ومن هنا يعتبر أن تحرير سعر صرف العملة البداية الحقيقية للإصلاح الاقتصادى، فى ظل معاناة ظل يواجهها طوال ال6 سنوات الماضية بسبب تداعيات الثورة، ربما تكون الفاتورة أكثر إيلاما، لكن حددت جزءًا من المسئولية على رجل الشارع، بالمشاركة فى ترشيد استهلاكه من كل شىء يتعلق بحياته الشخصية. أقاطعه قائلا: لكن السواد الأعظم من المواطنين غير قادرين على تحمل هذه الفاتورة التى قصمت ظهر الفقراء. يجيبنى قائلا إن الحكومة تواجه ذلك بتطبيق الدعم النقدى، ووصوله إلى مستحقيه، وهناك إجراءات تتخذ بالفعل فى هذا الملف، حيث إنه من غير المعقول أن تظل منظومة الدعم بوضعها الحالى، ويستفاد منها القادرون، ولا يتمتع بمظلتها الفقراء. الشاب الأربعينى دائما يبحث عما يعزز للاقتصاد قيمته وهو ما يتكشف عندما يتحدث عن الدور الكبير التى لعبته السياسة النقدية فى إدارة عملية تعويم الجنيه، رغم تكلفتها الباهظة، الا أنه لم يكن أمام الحكومة مجال آخر، وساعدها فى ذلك تحمل رجل الشارع فاتورة تحرير العملة، لكن بات الوقت مناسبا لقيام البنك المركزى بتخفيض سعر الفائدة، من أجل مصلحة الاقتصاد، وتدفقات الاستثمارات، ومنح قدرة المستثمرين على التوسع فى استثماراتهم. توقف الرجل قليلا قبل أن يواصل تحليله للمشهد قائلا: «أعلم أن نسبة كبيرة من مجتمع الاعمال ضد سياسة استثمارات المحفظة التى تعتمد عليها السياسة النقدية، لتوفير ودعم الدولار، الا أنها مطلوبة فى مرحلة، وتعد مؤشرا جيدا لاستقطاب الاستثمارات الاجنبية المباشرة». تفتش الحكومة طوال الوقت عن تقليص الفجوة بين المصروفات والإيرادات، ولا بديل أمامها سوى الضرائب، ما جعل هذا الملف مثار جدل بين الخبراء، لكن «رياض» له وجهة نظر خاصة فى هذا الشأن، حيث يعتبر أن الاقتصاد غير الرسمى، وضمه الى منظومة الاقتصاد، كلمة السر فى دعم التنمية الاقتصاد، بعيدا عن فرض ضرائب أخرى تزيد من الاعباء على شرائح بعينها. فى غرفة مكتبه البسيط، استوقفنى خلال حديث الرجل مع العاملين بالشركة، بساطة المعاملة، وقتها أدركت مدى ثقته وحبه لفريق العمل، ويبدو أنه لاحظ ذلك، فبادرنى قائلا: «هكذا يكون الاستثمار، يجب أن يؤسس على الثقة بين الحكومة والمستثمرين، ويتحقق بتوفير بيئة ومناخ جيد بعيدا عن البيروقراطية، خاصة أن قانون الاستثمار جزءا من هذه البيئة». أعود لمقاطعته مرة أخرى متسائلا: هل تتوافر قطاعات محددة قادرة على قيادة قاطرة الاقتصاد؟ يجيبنى الرجل قائلا: إن قطاع الطاقة يعد مستقبل التنمية للاقتصاد، خاصة أن هناك جهودًا تبذل لتكون مصر مركزا عالميا للطاقة، بالإضافة الى قطاع البنية التحتية الذى ساهم بقدر كبير فى خلق مناطق ومدن جديدة للاستثمار، وكذلك قطاع السياحة صاحب الوزن النسبى الأكبر فى استقطاب العملة الصعبة، وأيضا قطاع الصناعة الأكثر تأثيرا فى التحول من الاستيراد الى التصدير». كلما زاد العناء زادت الطاقة، من هذا المنطلق حدد هدفه ونجح فى تحويل شركته التى تزامن تأسيسها بمساهمة عربية مع أحداث الأقصر نهاية تسعينات القرن الماضى، ليبدأ الرجل بعدما لم يتمكن المساهمون العرب من إنقاذها، فى المشاركة بإعادة تأهيلها، لتتحول بعد ذلك إلى واحدة من كبرى شركات السوق فى مجال الاوراق المالية. حدد هدفه أن تكون الشركة من أوائل الشركات، وحدد سياسة تتسم بالاحترافية بذلك، ومن خلال الأرباح التى حققتها الشركة كانت زيادة رأس المال لتصل الى 15 مليون جنيه، لم يكتف الشاب الاربعينى بذلك فقط، بل حدد محاور للاستراتيجية قابلة للتطوير، معتمدا فيها على تطوير وتدريب العنصر البشرى، ليكون فريق عمل من المحترفين. تعامل الرجل مع الظروف والتقلبات التى شهدها السوق، بسياسة الثبات، ونجح فى استقطاب المؤسسات العربية، وهو ما يسعى الى التوسع فيه ودعمه بجذب مؤسسات جديدة، خاصة الأجنبية. الشغل الشاغل للرجل أن تواصل الشركة الاداء الجيد فى ترتيب الشركات العاملة بالبورصة، خاصة أنها سجلت احجام تداول خلال 2017 ما يتجاوز 26 مليار جنيه فى البورصة. جبر الخواطر يحمل معانى متعددة فى حياة الرجل ليس على مستوى فريق العمل بالشركة فقط، وإنما على صعيد حياته الشخصية. لم يصل الى مرحلة الرضاء عن النفس، لأنه يعتبر أن الطموح متجدد لا نهاية له، الحلم الذى يسعى اليه هو تحويل الشركة الى كيان استثمارى كبير، ينافس بنوك الاستثمار الكبرى، من خلال إضافة أنشطة جديدة سواء تتعلق بأمناء الحفظ، أو إدارة المحافظ، أو التغطية والترويج والاكتتاب. المحطات متعددة فى حياة الرجل، والنقطة الفاصلة والمغامرة، حينما تعرضت الشركة للإفلاس على أيدى أصحابها، ونجح فى انتشالها قبل السقوط، لتتعافى، والأكثر تأثيرا فى حياة الشاب الأربعينى والده ووالدته، وجدته التى تنبأت بمستقبله. الشاب الأربعينى يبحث عن الجديد، وما يضيف لحياته، لذلك القراءة غذاء لعقله، وهو عاشق للرياضات التى تمنحه القدرة على التركيز، ويجد ضالته فى لعبة التنس الأرضى، مغرما بالألوان الزرقاء التى توحى بالصفاء، لكن يظل حلمه الوصول بشركته الى الريادة.. فهل ينجح فى تحقيق ذلك؟