لم تختلف الكيانات الدينية الرسمية منها وغير الرسمية في تعاملها مع ثورة 25 يناير منذ بدايتها وحتي رحيل وتنحي الرئيس السابق محمد حسني مبارك، بل إن جميعهم اتفقوا علي النهج الذي تعاملوا معه في بداية الثورة، حيث إن جميعهم سبحوا بحمد الرئيس مبارك وطالبوا ببقائه وعدم رحيله أو تنحيه ثم اختلف نهجهم بعد رحيل مبارك فسبحوا جميعهم أيضاً بحمد الثورة، بل وقاموا بالصلاة علي شهداء الثورة الذين اعتبروهم ضحايا وقتلي في بداية الثورة. الكيانات الدينية الرسمية مثل مؤسسة الأزهر ودار الإفتاء المصرية ووزارة الأوقاف ومجمع البحوث الإسلامية وأيضاً الكنيسة حرموا جميعهم المشاركة في المظاهرات في بداية الثورة وطالبوا بعودة الشباب من ميدان التحرير إلي منازلهم ودعوا إلي لغة الحوار مع القيادات السياسية للوصول إلي نقطة اتفاق حول مطالب شباب الثورة. ولم تختلف الكيانات الدينية غير الرسمية مع الموقف الذي تبنته الكيانات الدينية الرسمية، حيث إن هذه الكياتات حرّمت أيضاً الشرعية الثورية واعتبرتها خروجاً علي الحاكم لا يليق أن يقوم به شباب مصر ومن بين هذه الكيانات الجماعة الإسلامية والسلفية والصوفية وجماعة أنصار السنة المحمدية الذين حاربوا الثورة منذ بدايتها واعتبروها رجساً من عمل الشيطان، بل واتهموا الشباب الذين قاموا بالثورة بأنهم يهدفون إلي الفوضي وأن هناك جهات خارجية تقوم بتمويل هؤلاء الشباب. وإذا استعرضنا موقف كل مؤسسة دينية علي حدة، فإننا سنجد أن الأزهر اتخذ موقفاً ضد الثورة منذ بدايتها وهذا ما أكدته البيانات الباهتة التي صدرت من مشيخة الأزهر، حيث طالب الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في بداية الثورة الشباب بأن يعودوا إلي منازلهم وأن يقدموا مطالبهم للمسئولين قبل الشروع في المظاهرات، مؤكداً بيانه الأول الذي أصدره شيخ الأزهر أن المظاهرات أمر يتعارض مع استقرار وأمن الدولة، ثم أصدر شيخ الأزهر بيانه الثاني بعد أيام من صدور البيان الأول الذي دعا فيه شباب ميدان التحرير أن يذهبوا إلي مقر المشيخة للحوار معه، مؤكداً أن لغة الحوار مع المسئولين هي أنسب الطرق لتحقيق مطالب الشباب، وقتها لم يذهب إليه أحد من شباب ميدان التحرير وقالوا »اللي عاوز ييجي يتحاور معانا يأتي إلي ميدان التحرير«. الغريب أن مشيخة الأزهر لم تصدر بياناً واحداً أثناء الثورة تنعي فيه الشهداء الذين تم قتلهم علي أيدي بلطجية الحزب الحاكم والنظام، والأغرب أن شيخ الأزهر أصدر تصريحاً خطيراً قبيل رحيل مبارك بيومين فقط أكد فيه أن المظاهرات والخروج علي الحاكم »حرام شرعاً«. بعد الرحيل أصدر شيخ الأزهر بياناً ينعي فيه شهداء الثورة، واعترف بها ودعا إلي استثمار تلك الثورة في عمل إصلاح حقيقي في جميع المجالات، بل إن شيخ الأزهر لم يجد وسيلة يبرر فيها موقفه المتخاذل تجاه الثورة سوي تصريحه بأنه يجب أن يكون منصب شيخ الأزهر بالانتخاب، بل حاول شيخ الأزهر أيضاً مصالحة شباب الثورة، بعدم قبول استقالة مستشاره الإعلامي السفير محمد رفاعة الطهطاوي الذي ترك منصبه في أول أيام الثورة وانحاز لشبابها بميدان التحرير، بل تواجد معهم، لكن عدداً من مشايخ الأزهر قرروا عدم الانسياق وراء مطالب شيخ الأزهر بعدم الاعتراف بالثورة، وقرروا النزول لميدان التحرير والمشاركة في الثورة في محاولة منهم لتصدير فكرة أن مشيخة الأزهر وشيوخ الأزهر لم ينساقوا جميعهم لوجهة نظر شيخ الأزهر في عدم المشاركة في المظاهرات. موقف »الطيب« الذي تغير 180 درجة بعد رحيل وتنحي مبارك جعل البعض ينظر بعين الشك والريبة لتصريحات وفتاوي أكبر مؤسسة دينية إسلامية في العالم، بسبب أن شيخ الأزهر لعب دور المسبح للنظام والرئيس مبارك أيام الثورة، ثم تحول للثناء علي الثورة ونجاحها حسب ما أكده بعض أعضاء مجمع البحوث الإسلامية من أمثال الدكتور محمد رأفت عثمان، والشيخ جمال قطب، رئيس لجنة الفتوي السابق بالأزهر، حيث رأي الاثنان أن الأزهر لعب دوراً سيئاً في بداية الثورة وانحاز للنظام، وطالبوا بأن يكون منصب شيخ الأزهر بالانتخاب حتي يكون ولاؤه للنظام فيضطر لنفاقه. كمال حبيب، الخبير في الحركات الإسلامية، يشير إلي أن مؤسسة الأزهر تم قص جناحها منذ عام 1961، بعد تعديل قانون الأزهر ولم يعد من وقتها مستقلاً، بل أصبح أداة من أدوات الدولة لتبرير أخطاء النظام، مشيراً إلي أن شيخ الأزهر أصبح منذ ذلك التاريخ موظفاً لدي الدولة، وهذا باعتراف محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر الراحل، الذي قال إنه يعمل موظفاً لدي الدولة، لافتاً إلي أن الطيب زاد من غضب شباب الثورة حوله: »اللي عاوز من الشباب يتحاور معايا ييجي المشيخة ويتحاور«. ودعا حبيب إلي أن تصبح وظيفة العلماء والمشايخ هي مراقبة ومحاسبة السلاطين والحكام وليس تبرير أخطائهم ومواقفهم، قائلاً: يجب أن يكون الأزهر مؤسسة للأمة وليس للسلطة، ويجب أن يتحرر الأزهر من ارتباطه بالدولة، وطالب حبيب أن يكون شيخ الأزهر شجاعاً ولا يخشي علي لقمة العيش ويقول كلمة الحق في وجه سلطان جائر، مستنداً إلي أن تأييد الأزهر للثورة بعد نجاحه يجعل البعض ينظر بعين الشك والريبة بعد ذلك لدار الإفتاء المصرية. أيضاً لعبت دوراً ضد الثورة في بدايتها، حيث أفتي الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية بضرورة عودة الشباب إلي منازلهم، ثم بارك الثورة بعد رحيل مبارك. ولم يختلف الحال كثيراً في وزارة الأوقاف الذي تولي مسئوليتها الدكتور عبدالله الحسيني، الذي كان رئيس جامعة الأزهر قبل توليه مسئولية وزارة الأوقاف خلفاً للدكتور حمدي زقزوق الذي كان في وزارة الدكتور أحمد نظيف، حيث اتخذ موقفاً ضد الثورة في بدايتها ثم انحاز لها بعد رحيل مبارك. وبالطبع فإن مجمع البحوث الإسلامية الذي يرأسه شيخ الأزهر اتخذ موقفاً ضد الثورة في بدايتها ثم انحاز لها بعد رحيل مبارك أيضاً، ولم يتحدث أحد من قيادات مجمع البحوث عن الثورة والتزموا جميعاً الصمت. الغريب أن الكنيسة القبطية اتخذت نفس موقف الأزهر منذ بداية الثورة وحتي نهايتها بل إن البابا شنودة دعا الأقباط إلي عدم الاشتراك بالمظاهرات في بداية الثورة لكنهم لم يلتزموا بدعوته، بل ذهبوا وشاركوا في المظاهرات وقاموا لأول مرة بانتقاد البابا شنودة انتقاداً لاذعاً لتأييد الرئيس مبارك ومهاجمته للثورة وطالبوه بعدم التدخل في السياسة وأن يلتزم كونه أباً روحياً للكنيسة ليس أكثر. البابا شأنه شأن الطيب وجمعة، أيد الثورة بعد رحيل مبارك، حيث اجتمع بلجنة مصغرة من أعضاء المجمع المقدس وأصدر بياناً وجه خلاله تحية لشباب مصر النزيه الذي قاد مصر في ثورة قوية بيضاء وبذل في سبيل ذلك دماء الشهداء«. وإذا كانت الكيانات الدينية الرسمية الإسلامية منها والقبطية قد حاولت تجميل وجه النظام والدفاع عنه في بداية الثورة ثم انقلبت عليه بعد رحيله، فإن الكيانات الدينية غير الرسمية اتخذت نفس الموقف مثل الجماعة الإسلامية والسلفيين وجمعية أنصار السنة المحمدية وعدد من الطرق الصوفية. فالجماعة الإسلامية اعتبرت الثورة في بدايتها »عملاً فوضوياً« وأكد الدكتور ناجح إبراهيم منظم الجماعة وعضو مجلس الشوري بها أن الشرعية الدستورية أفضل من الشرعية الثورية وأنه »لا يجب أن يطالب الشباب بتنحي الرئيس مبارك«، ثم بعد نجاح الثورة كتب مقالاً مطولاً علي موقع الجماعة علي شبكة الإنترنت، قام فيه بتحية الثورة واعتبرها »عملاً عظيماً«، وقص تجربته مع الرئيس مبارك الذي ظل يحكم مصر 30 عاماً قضي منها 24 عاماً بالسجن. الجماعة الصوفية الرسمية برئاسة عبدالهادي القصبي الذي أيد ترشيح جمال مبارك رئيساً لمصر خلفاً لوالده من قبل، واعتبر الثورة »مباركة« وقام بالصلاة علي شهداء الثورة بعد رحيل مبارك، وليس قبله حين كان يؤيد بقاء الحال علي ما هو عليه. وهو ما فعله أنصار السنة المحمدية الذين كانوا يعتبرون الخروج علي الحاكم حراماً شرعاً، حيث قامت بتحية الثورة واعتبرتها عملاً مشروعاً بعدما اعتبرتها »عملاً انقلابياً« في بداية الثورة. أما السلفيون الذين كانوا يحرمون الخروج في المظاهرات والاشتراك في العمل السياسي والذين رفضوا المشاركة في الثورة منذ بدايتها اللهم إلا إذا استثنينا بعض شباب السلفية الجهادية بالإسكندرية الذين شاركوا في الثورة منذ بدايتها فإن قادة السلفية في الإسكندرية أمثال الدكتور ياسر برهامي والدكتور محمد إسماعيل المقدم وجهاد عودة لشباب السلفية في اليوم قبل الأخير من رحيل مبارك بالاشتراك في الثورة واعتبروها عملاً مشروعاً بعدما رفضوا الاشتراك بها في البداية. »حبيب« يعلق علي هذا الموقف بقوله: جميع هذه الحركات الإسلامية كانت تعيش وفق قبضة أمنية حديدية ولذلك كانت لا تجرؤ علي أن تتحرر من قبضتها الأمنية وتعلق تأييدها للثورة إلا بعدما وجدت النظام ينهار.