خطوات مهمة اتخذها طارق عامر محافظ البنك المركزى ومجلس إدارته خلال الفترة الاخيرة لضبط الاسعار فى السوق من خلال ادوات السياسة النقدية، فمن الملاحظ اتباع البنك المركزى سياسة نقدية انكماشية تهدف الى تخفيض معدلات التضخم، فقد رفع سعر الفائدة ثلاث مرات خلال الفترة من نوفمبر 2016 حتى الآن بواقع 7%، وهو ما أدى إلى زيادة الودائع وارتفاع قدرة البنوك على الإقراض، وسحب سيولة من السوق الى الجهاز المصرفى من خلال رفع الفائدة على الودائع وبعد زيادة السيولة فى البنوك قرر البنك المركزى مؤخرا رفع نسبة الاحتياطى القانونى من 10% لتعود الى 14%، كما كانت قبل ثورة يناير 2011 استكمالا لسياساته الانكماشية فى محاربة التضخم فهل هذه الخطوات تحقق هدف المركزى؟ وهل يستجيب السوق المصرفى لها؟ وهل مؤشرات السيولة ومعدلات التضخم فى الاسعار تسير بخطى مطمئنة للاقتصاد المصرى ومستويات معيشة المواطنيين؟؟ نبدأ من القرار الاخير برفع الاحتياطى الالزامى للبنوك الذى بدأ تطبيقه الفعلى، اعتبارا من يوم الثلاثاء 10 اكتوبر الجارى، وهو نسبة من ودائع البنوك تلتزم بإيداعها لدى البنك المركزى دون الحصول على عائد فى مقابلها وفقا للقانون ويضمن بها المركزى ودائع العملاء، ويأتى كإجراء طبيعى لابد ان يتخذه المركزى فى توقيته نظرا لارتفاع حجم السيولة بالبنوك. فقد كشفت بيانات المركزى ارتفاع حجم السيولة الى 2.9 تريليون جنيه فى نهاية شهر يونيه 2017. بزيادة بلغت 825.7 مليار جنيه بمعدل ارتفاع بلغ 39.4٪ خلال 2016/2017. ارتفعت السيولة المحلية كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى من 81% بنهاية 2016 إلى 90% بنهاية يونيه 2017. كما حدثت زيادة فى نمو كل من أشباه النقود وارتفاع الودائع بالعملات الأجنبية بمقدار 370.5 مليار جنيه بمعدل 114.4٪، والودائع غير الجارية بالعملة المحلية بمقدار 318.9 مليار جنيه بمعدل 26.6٪، أما الزيادة فى المعروض النقدى فقد بلغت 72.2 مليار جنيه بمعدل 20.8٪، وارتفعت الودائع الجارية بالعملة المحلية بمقدار 64.1 مليار جنيه. ويأتى هذا القرار على خلفية اتباع البنك المركزى سياسة نقدية انكماشية تستهدف تخفيض معدلات التضخم إلى نحو 14% بنهاية أغسطس 2018، وقد فضل البنك المركزى هذه المرة استهداف التضخم من خلال رفع نسب الاحتياطى الإلزامى القانونى لتحجيم السيولة بالسوق، ومن ثم تخفيض الطلب، خاصة أن المركزى قد قرر تثبيت معدلات الفائدة وعدم رفعها فى اجتماع السياسة النقدية الأخير. وكشف اداء البنوك خلال الفترة القصيرة من تطبيق قرار الاحتياطى الالزامى قيام البعض بخفض الفائدة على الأوعية الادخارية لديها وهو اجراء لتوفير سيولة لها من جانب والمحافظة على مستوى ارباحها ومن ثم فان هناك توقعات بخفض معدلات الفائدة خلال الفترة القريبة المقبلة وقد نجح طارق عامر محافظ البنك المركزى فى السيطرة على انفلات التضخم بعد تحرير سعر الصرف وقرارات الحكومة برفع الدعم عن الوقود وضرائب القيمة المضافة التى كان متوقعا لها معدلات تضخم تفوق 40% ولكن تضافر عدد من الآليات وادوات السياسة النقدية ادت الى امتصاص الصدمة وخفض تدريجى للتضخم من 35% ليصل الى نحو 33% فى سبتمبر الماضى الى ان يزول اثر هذه القرارات وحسب سياسة البنك المركزى فإنه يستهدف خفض التضخم الى 14% بنهاية العام الجارى غير انه لا يمكن تحقيق هذا الهدف. ولابد من اتباع خطوات متناسقة بين السياسة النقدية والسياسة المالية لخفض فعلى وحقيقى لمعدلات التضخم فى الاقتصاد المصرى، هذه الازمة التى تعوق معدلات النمو الحقيقى للاقتصاد وتحسن مستويات المعيشة. فقد اكدت الدكتورة عبلة عبداللطيف، المدير التنفيذى ومدير البحوث بالمركز المصرى للدراسات الاقتصادية، ان المتوقع أن يؤثر قرار رفع الاحتياطى الالزامى بالسلب على أرباح البنوك الفترة المقبلة، حيث إنه يمثل خصما من السيولة المتاحة لديها، ومن ثم ترتفع تكلفة الفرصة البديلة لهذه الأموال، فهل تلجأ البنوك إلى الحل المنطقى وهو تخفيض أسعار الفائدة على الودائع قصيرة الأجل لتعويض هذا الانخفاض فى الأرباح؟ أم أنها ستطالب الحكومة برفع أسعار الفائدة على أدوات تمويل عجز الموازنة؟ كما أنه سيؤدى إلى زيادة التمويل الموجه للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وما لذلك من آثار إيجابية على الاقتصاد المصرى كونها معفاة من نسب الاحتياطى الإلزامي، إلا أننا نرى أن القرار لن يمثل فرقا جوهريا فى حجم التمويل الموجه لهذا القطاع، إذ إن البنوك لم تصل حتى الآن إلى النسبة المقررة من قبل البنك المركزى، وهى أن تصل نسبة القروض الموجهة لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى 20% من إجمالى محفظة القروض بحلول 2020. ومن المهم أن نتذكر أن ازدهار المشاريع الصغيرة وانطلاقها لا يتوقف فقط على توافر السيولة لدى البنوك، ولكن يتوقف أيضا على وجود فرص استثمارية واضحة، ودراسات جدوى وكذلك إزالة المعوقات الإدارية التى تقف أمام انطلاقها. وكشفت أن الجزء الأكبر من التضخم فى مصر مدفوع بارتفاع تكاليف العرض وليس الطلب، وذلك نتيجة تحرير سعر الصرف وارتفاع أسعار الطاقة والكهرباء وتطبيق قانون القيمة المضافة وغيرها. ومن ثم فإنه لابد من استهداف معدلات التضخم من خلال أدوات السياسة المالية بالتضافر مع أدوات السياسة النقدية. وهناك قضية مهمة اخرى وهى زيادة النقد المصدر من النقود الذى ارتفع بنحو 47 مليون جنيه خلال النصف الأول من العام الحالى بنسبة زيادة 11.4% إلا أن هذا النقد المصدر لا تقابله زيادة حقيقية فى الإنتاج ومن ثم فإنه- حسب قول– عبلة عبداللطيف فإنه سيؤدى فى النهاية إلى تأجيج نيران التضخم، ومن ثم يجب اتباع سياسة نقدية أكثر اتساقا، وأن يتم تمويل عجز الموازنة العامة للدولة من خلال أدوات حقيقية وهو ما يستلزم اصلاح المنظومة الضريبية وتعظيم الاستفادة من ثروات مصر، حيث ان تمويل عجز الموازنة من خلال طباعة النقود يمثل أحد الروافد الأساسية للتضخم فى مصر. وطباعة النقود دون ان يقابلها انتاج حقيقى يمثل كارثة على الاقتصاد المصرى كما يؤكد الدكتور عبدالنبى عبدالمطلب، الخبير الاقتصادى وكيل وزارة التجارة والصناعة، لافتا الى ان زيادة اصدارات النقود دون انتاج تؤدى الى زيادة التضخم فى الأسعار التى يعانى منها المواطنون بشدة كما يساهم الدين العام المحلى وعجز الموازنة فى استمرار التضخم وخنق مستويات المعيشة.