تواجدوا بكثرة فى الصفوف الامامية للمواجهات بين قوات الأمن والمتظاهرين، ولا تعرف السبب.. هل يرجع إلي كراهيتهم للحياة ومحاولة الخلاص أم لوعيهم بأن الثورة ستعود بحقهم الذى اهدر، وبالرغم من أنهم أصغر جنود الثورة إلا أنهم لم يخافوا من الرصاص وكثيرا منهم قتلوا أو أصيبوا سواء بأعيرة نارية أو بسبب اختناقات الغاز المسيل للدموع، كما أن ربع المحتجين المحتجزين فى السجون من الأطفال. البعض اتهم أطفال الشوارع بأنهم هم المسئولون عن الأحداث السابقة والبعض استغرب وتساءل لماذا يوجد أطفال فى ميدان التحرير وشارع قصر العينى اصلا؟ الجواب كان أنهم يبحثون عن حقهم. مع دخول ميدان التحرير وفور توجهك إلى تمثال عمر مكرم سوف تشاهد تجمعات للأطفال هناك فوقفت علي مقربة من الجامع ووجدت مجموعة منهم فتوجهت إليهم وقلت ممكن اتكلم معكم شوية جرى الأطفال وقالوا ديه حكومة اجروا فقلت بصوت عالى أنا صحفية متخافوش لم يعد منهم إلا «اسلام عبدالباسط» الذى لم يتعد العشر سنوات ولم يدخل مدرسة ويكسب ما يقارب ال20 جنيها من خلال وصلة شاحن من المسجد، طرده والده بعض أن ضرب اخوه وفتح له رأسه دون قصد، هذا ما قاله اسلام. وأضاف أن اسرته خافت علي اخيه الصغير منه، ثم بكى فى خوف «انا لم اقصد ضربه أنا كنت بلعب معاه وكنت بحبه لكنهم حرمونا من بعض» اسلام الذى اضفت براءته على عينيه وجه للمجلس العسكرى نداء «كل اللى ماتوا حقهم فى رقبتكم ووجودنا فى الشارع بسبب مبارك وبسببكم» ثم سكت لبرهة وقال لى احنا مبنخافش من الرصاص ما احنا ميتين متين من البرد أو من الشارع أو الرصاص مش فارقة، احنا بنطلب بس من الحكومة تتركنا نعيش. ومع انتهاء حديثى وجدت مشاجرة كبيرة أمام المجمع بها أطفال كثيرون وفتاة قالوا انها مجنونة ودائمًا ما ترشق الأطفال بالحجارة فوقفت اشاهد حتى وجدت طفلاً آخر استوقفته وبدأت أحدثه فقال «على طه كامل» 16 عامًا إنه فى الميدان منذ أحداث محمد محمودو واستمر قائلاً ان والده تزوج بعد وفاة والدته وزوجة ابيه لا تريده بالمنزل ودائمًا ما تنهره أو تضربه. «على» الذى ولد بين اسرته فى بنى سويف هرب من زوجة والده إلى جدته بدار السلام والتي عادت لبنى سويف وتركته يلقى مصيره فى الشارع وحده . لم يتوقع «على» أن صديقه الوحيد سيقتل فى مذبحة بورسعيد لذا قرر البقاء فى الميدان للمشاركة فى التظاهر مع المعتصمين، وبعد أن اصيب فى قدمه اليسرى برصاص خرطوش الأحد الماضى اثناء اشتباكات قوات الأمن والمتظاهرين بمحمد محمود لم يستطع حتى التفكير فى العودة للمنزل خوفِا من زوجة ابيه من أن تسلمه للشرطة للانتقام منه. فيما قال الطفل «عمال جاد» أنا أصبت فى قدمى برصاص بلى وتم اسعافى فى المستشفى الميدانى، ولم أرد دخول المستشفى خوفًا من القبض علي بعد أن اتهمنا الكثيرون بالبلطجة والتخريب. «عماد» الذى لم يتعد ال14 عامًا قبض عليه من قبل فى احداث مجلس الوزراء وتم ترحيله للمؤسسة ولكنه هرب بعد تعذيبه وحرقه هناك علي حد قوله، بعد أن تركه والده الحشاش ليلقى مصيره وحده فى الشارع بعد وفاة والدته. وجه الطفل الذى قست عليه الحياة كلمة للحكومة والمجلس العسكرى وقال «ذنبنا ايه فى وجودنا بالشارع، وفروا لنا مكان نعيش فيه واحنا مش هنام فى البرد ونعرض نفسنا للخطر، وحرام تقولوا علينا بلطجية احنا بنطالب بحقنا فى ان نعيش». فيما طالب مصطفى صابر 12 عاما بمكان للنوم دون إهانة أو ضرب وطعام نظيف هكذا بدأ حديثه معى بعد أن روى قصة نزوله فى احداث بورسعيد الأخيرة فقال إن والده متوفى وزوج أمه لا يريده بالمنزل وكان ذلك منذ شهرين قبل اندلاع الأحداث فنزل إلي الميدان بعد أن سمع أن هناك مأوى للجميع، وعند اندلاع الأحداث شعر بالظلم الذى يتعرض له الثوار علي حد قوله فقرر المشاركة معهم وهتف فى نهاية حديثه معى «يانجيب حقهم يا نموت زيهم»، «يسقط المجلس العسكرى اللى مجوع الأطفال فى الشارع». «لازم نشارك فى الثورة احنا جزء من المجتمع علشان منطلعش زى الجيل إللي قبلنا» هكذا بدأ «حسن تهامى» 16 عامًا حديثه معى عندما وجدته جالسا بجوار أحد باعة الشاى للتدفئة من قسوة البرد. والذى يعمل فى فرن ووالدتى ملهاش فى السياسة وأنا مكنتش بنام فى الميدان برجع كل يوم البيت فى المعصرة لكن فى الأحداث الأخيرة اقمت أنا واصدقائى خيمة داخل الصينية للاعتصام ومشاركة الثوار. وجاء تعقيبه علي ما حدث في بورسعيد بأنه مدبر من النظام السابق واحنا اعتصمنا لأنه كورة في الاول أو الاخر وحرام يموت 80 شخص فيها. وقال الحكومة متستهالش أقولها حاجة بس هقولكم يومكم جاي قريب وربنا مش هيسيب حقنا، والاطفال الي بتقولوا عليهم بلطجية دول ضحايا مبارك ومظلومين. رغم سنوات عمره التي لا تتجاوز الثالثة عشرة، فإن حسن عبد الرحمن يقول إنه لم يطق أن يظل يتابع أحداث بورسعيد ومحمد محمود عبر شاشات التليفزيون وتشاجر مع والدته التي رفضت أن يخرج من المنزل وحبسته في غرفته، لكنه اتخذ قراراً منفرداً - حسب قوله - بأن يذهب إلي التحرير، غافل والدته واستقل القطار من مدينة سوهاج، حيث يسكن، متوجهاً إلي القاهرة من أجل الدفاع عن المتظاهرين الذين يتعرضون للضرب علي يد قوات الامن المركزي. يضيف «حسن» الذي جلس أمام مبني الضرائب العقارية المحترق: «لم أتحمل اتهام الاطفال بالبلطجة أو اتهام الثوار بأنهم يريدون اقتحام الداخلية لأنهم ماكنوش عايزين يقتحموها كانوا معتصمين علشان يجيبوا حق اللي ماتوا في بورسعيد، وبمجرد وصولي إلي شارع منصور المتفرع من شارع محمد محمود تلقيت بعض قطع الطوب والرخام علي رأسي، ولم أفق إلا في المستشفي الميداني في نفس الشارع، حينها وجدت احدي المتطوعات تمسح عن وجهي نزيف الدم الذي لم يتوقف، وبعدها اخذت 4 غرز. يقول علي فتيحة 10 سنوات: «أنا مش مع الخراب والدمار، أنا عاوز حق الثوار اللي ماتوا أنا معتصم في ميدان التحرير، وبعدما أتعالج من الرصاصة الخرطوش التي اطلقت علي شارع نوبار هارجع اتظاهر تاني لحد ما اللي قتلوا الثوار يتعدموا والمشير يتنحي». «علي» الذي يصر علي العودة إلي التظاهر توفي والده ووالدته في حادث سيارة منذ احداث محمد محمود فأخرجه عمه من المدرسة واجلسه معه لفترة ثم طرده من المنزل ليستولي علي ميراث والده بما أنه الابن الوحيد وعمه الشقيق الوحيد لوالده. فيما قال اشرف عبد المنعم أروح واتلقي رصاصة وأموت وأهلي يأخذوا التعويض، أحسن ما اجلس في الشارع وانا اتبهدل وهما محتاجين، بدأ حديثه معي بهذا في بكاء وبعد محاولتي لتهدئته اكد انه من المنصور وانه لجأ للتحرير بعد وفاة والده المريض والذي لم يستطيعوا معالجته لضيق الحال لذا قررت عمل نصبة شاي في التحرير لمساعدة والدتي واخوتي ال 7 في المعيشة، ومع اندلاع احداث محمد محمود تمت مهاجمة نصبتي من قبل قوات الشرطة فلم أجد حلاً سوي الاعتصام بالميدان والتظاهر لإرجاع حقي.