قال أحمد الجربا، رئيس تيار الغد السوري، إن الشعب السوري يمر بمرحلة حساسة، لكنها تعتبر الأهمُ في تاريخِ ثورتنا. وأضاف "الجربا" خلال كلمته، بالمؤتمر الذي ينظمه تيار الغد السوري، ظهر اليوم السبت، بأحد الفنادق الكبرى بالقاهرة، أن الثورة السورية قدمت وما زالت تُقدمُ نموذجًا للعالم حول التضحية والوفاء والصبر والعزيمة. وإلى نص الكلمة "أتوجهُ بهذا المؤتمر أولًا وأخيرًا إلى شعبنا السوري الموزع، بين أرضِ النار في الداخلِ ونكبةِ الشتاتِ الكُبرى في زوايا الأرض الأربع. وأقولُ بصراحةٍ ووضوح، إننا في مرحلةٍ حساسة، ولكنها مهمة بل الأهمُ في تاريخِ ثورتنا التي قدمت وما زالت تُقدمُ نموذجًا للعالم حول التضحية والوفاء والصبر والعزيمة.. وحتى لا نكونَ رقمًا هامشيًا على مذبحِ المصالحِ الكُبرى للقوى الدولية والإقليمية، قررننا في هذه المرحلة أن نتخذَ القرارَ الصعب، انطلاقًا من ثوابتِ المصلحةِ السوريةِ أولًا، ولكي لا يقَعَ أيُ التباس، إليكم بإيجاز الركائزَ الاستراتيجية التي استندنا عليها... أولًا: الحفاظُ على مُكتسباتِ الثورة، وعدمُ التضحيةِ بالدماءِ والجهود التي بُذِلت وما زالت تُبذلُ من شعبنا المرابط الصابر. ثانيًا: حمايةُ المدنيينَ والثوار في مختلفِ المناطقِ السوريةِ، من بطشِ الآلةِ العسكريةِ للنظامِ وحلفائه، مع حفظ الكرامة ومكتسباتِ الثوار، عبرَ اتفاقاتٍ واضحةٍ وشفافةٍ تخدمُ قضيتنا العادلة. ثالثًا: تعبيدُ الطريق أمام شعبنا للوصولِ إلى الأهدافِ الأساسيةِ التي رسمتها الثورة -قبل ان يشوهها بعضُ الدخلاء- بدءًا بالحريةِ والكرامة، مرورًا بالتغيير السياسي، وصولًا إلى سوريا ذات سيادة مستقلة وديموقراطية نعيشُ فيها بأمانٍ واستقرار، كما تطمحُ كلُ الشعوبِ الحرةِ في هذا العالم. رابعًا: التشاورُ المتواصِلُ مع الثوار بمختلفِ المناطق، وعلى تنوعِ انتمائاتهم ومشاربهم، من أجلِ رسم خريطة طريق، للوصول سياسيًا إلى الأهدافِ التي عملنا عليها من اليومِ الأولِ للثورة. ولم نتجاوز أو نستثني فصيلًا صغُرَ أم كَبُر، إلا من استثنى نفسهُ لغاياتٍ ومآربَ لا شأنَّ لنا بها. خامسًا: التواصلُ اليومي الحثيث مع أهلنا في الداخل، الأمرُ الذي أفضى إلى بلورةِ مناخٍ عام حول أوضاعهم التفصيلية وحاجاتهم الراهنة، إضافةً إلى تطلُعاتِهم المستقبلية. استنادًا إلى هذه الثوابت، وبناءً عليها وعلى موازينِ القوى، التي أرخت بأثقالها على الواقعِ السوري، شَرعنا باتفاقاتٍ بدأت بالغوطة وانتقلت إلى حمص. وهَمُنا الأولُ والأخير، الوصولُ إلى أهدافِ شعبنا التي سطّرها بالدمِ في ثورةِ الكرامة. ويهمُنا أن نوضّح أننا درسنا كُلَ الاحتمالاتِ للوصولِ إلى نتيجةٍ عملية، وبعدما تفحصنا مع الشركاءِ السياسيين، والفصائلِ ومرجعياتِ الأهالي كُلَ السُبلِ المتاحة، وجدنا أنَّ أقصر الطُرقِ، وأقلها ضررًا، وأكثُرها فاعليةً التواصُلُ مع الطرفِ الروسي للوصولِ إلى نتيجةٍ مرضية، وهذا كما يعلمُ ويخبَرُ الجميع هو السبيلُ الوحيد المتوفِرُ حاليًا، أما اختيارُ مِصرَ دولةً راعيةً فلم يأتي ترضيةً أو لمصلحةٍ ضيقة، بل كانَ نتيجةً طبيعيةً وضروريةً لعدةِ أسباب. الأول: عدمُ وجودِ صراعٍ بين مِصرَ وأي فصيلٍ سوري فاعل في مناطق الاتفاقات، إضافةً إلى عدم دعم مِصرَ لأي طرفٍ عسكري، الأمرُ الذي يُشكِلُ حساسيةً لأطرافٍ اُخرى. الثاني: علاقةُ الثقةِ المتينة بين مِصرَ وروسيا، والتي رسّخت بدورها، ثقتنا نحن، وكانت دافعًا إيجابيًا لنا كجانبٍ سوري. الثالث: أنَّ الجانبَ المِصري لم يتجاوز في أي تفصيل حدودَ الوساطةِ والرعاية، بل كانَ داعمًا دومًا ومتبنيًا لكل ما نطرحُهُ في المفاوضات. - وانطلاقًا من ذلك فإن مصر المحروسة، كانت ولا تزالُ وستبقى، هي الأكثرُ حِرصًا على حُرمةِ الدّمِ السوري، لم تُشارك بأيِّ وسيلةٍ من الوسائلِ في سفكِ الدماء، بل على العكس سعت وبكُلِ صدقٍ وتفانٍ على أن تكونَ جِسرًا للتواصلِ بين السوريين، ومُنطلقًا لحلٍ يرضي جميع الأطراف بما فيه خيرٌ لمستقبل بلادنا، ولم تنظر جمهورية مصر العربية ورئيسها عبدالفتاح السيسي إلى سوريا إلى من قناعةٍ راسخةٍ لدى الوجدان الشعبي والرسمي المصري، قناعةٌ مفادُها أنَّ سوريا جزءٌ لا يتجزأ من تاريخِ مصر وعزتها وسلامةِ أمنها القومي. ونؤكدُ أنَّ وقف إطلاق النار في المناطق الساخنة في سوريا ليس من بناتِ أفكارنا، بل هو أمرٌ قرره الضامنون في أستانا، ووافقت عليه جميعُ الفصائلِ المشاركةِ من الشمالِ إلى الجنوب، ووافق عليه النظامُ أيضًا. وكُنا نحن في تيار الغد السوري، قد شجعنا على المُضي قُدُمًا في وقف إطلاق النار، لأننا نعتبرهُ بدايةً لإنهاءِ المقتلةِ السورية ومُقدمةً حقيقيةً للوصولِ إلى إنجاح ما شرعنا به. ولكن تحفُظُنا الوحيد كانَ الغيابَ العربيَ الكاملَ عن مفاوضات أستانة، ومن هنا تأتي أهميةُ وجودِ مِصر كراعٍ في المفاوضات الجارية في القاهرة. وأؤكدُ من هنا أنّ الاتفاقات التي بيننا وبين الروس والتي تنطلق من القاهرة، ليست موجهةً لأيِّ طرفٍ إقليمي أو دولي. ولا يفوتُني الإشارةُ إلى الترحيبِ الدائمِ بكل طرفٍ شقيقٍ أو صديق، يُريدُ أن يمُدَ يدَ العونِ لنا في إنجازِ ما نحنُ فيه، ولا أستثني أيَ طرفٍ خليجي وعربي أو دولي، وأُكررُ أننا لا نستثني أيَ دولةٍ أو طرفٍ يُريدُ مدَّ يدَ العونِ والمساعدةِ في حلٍ سياسيٍ يُنهي الصراعَ في بلادنا. وأكمل: "أيُها الشعبُ السوري الجبار، يا أبناءَ ملحمةِ القرنِ الحادي والعشرين. هذا هو المشروعُ الذي بدأناهُ وسنكملهُ سويًا. والأمرُ يُلزِمُني بتوضيحِ أمورٍ لابُدَّ من الإشارةِ إليها ليعلمها كل قاصٍ ودانٍ. نحنُ شعبٌ قدم الدماءَ والجهودَ لننعم بالحريةِ والكرامة -لا لنتحولَ إلى رُقعةٍ وساحةٍ مستباحةٍ من قبلِ تنظيماتِ الجهادِ العالمي، التي ترى في سوريا مُجردَ أرضِ رباطٍ، أو نُصرةٍ، أو ساحةَ جهادٍ لمآرِبَ خارِجَ مصلحةِ الشعبِ السوري وأهدافَ ثورتِه. إنَّ الشعبَ السوري لن يقبل أن يتصدرَ المشهدَّ من جاؤوا من وراءِ الحدود، وسرقوا ثورتنا، ولن يقبل أن يحتلَّ الساحةَ البغداديُ والجولانيُ والشيشانيُ والجزراويُ. وأنَّ الذي يُريدنا أسرى بين بحر الدماء المجاني والباصات الخُضر، هو شريكٌ للنظامِ في ذبحنا.