سيكون لمصر بمشيئة الله رئيس جمهورية منتخب تري كيف يجب أن تكون شخصية هذا الرجل؟ من وجهة نظري يتعين أن تتوفر لشاغل هذا المنصب خصائص معينة تزداد أهميتها كلما كان النظام القادم رئاسياً أو مال لذلك. حيث يدير الرئيس موارد الدولة لتحقيق أهداف استراتيجية تحت مظلة من أحكام الدستور والقوانين، ويسعي في سبيل ذلك الي تخطيط قومي استراتيجي وتنظيم للاختصاصات واختيار للمساعدين وتفويض للمهام وتقييم للأداء. والرئيس كما انه موظف عام فهو راع، ومن خصائص الراعي الصالح أنه يجب ألا يكون فقط مديراً على مستوي عال بل صاحب شخصية قيادية. وهناك فرق كبير بين الرئيس والقائد، فالرئيس يؤثر أكثر بسلطته، أما القائد فيؤثر أكثر بشخصيته. لكن يبقي أن من أهم مقومات القيادة توافر "الكاريزما" التي يجسدها مزيج الحضور والجاذبية والتأثير الايجابي وهي الكاريزما موهبة تتمثل في القدرة علي التواصل العاطفي مع الناس سواء جماهير أو اعضاء فريق الرئيس من وزراء ومحافظين ومن في حكمهم انها خصيصة تجعله قريبا منهم وأثيراً لديهم، مؤثراً عليهم بالعاطفة وليس فقط بمجرد السلطة، والكاريزما موهبة من الله قد يمكن تنميتها لحد ما بالتعلم والتجربة. ويستطيع هذا القائد الكاريزمي بقدراته الشخصية أن ينقل رؤيته للناس بسهولة مقنعا اياهم بها. دافعا لهم للتأمل فيما يقول والتجاوب مع ما يفعل. والقائد "الكاريزمي" المؤثر يكون هكذا لأنه يتمتع بثقة عالية بالنفس وطاقة فكرية هائلة، فضلا عن قدرته علي توليد شحنات من الاثارة لجماهيره ومساعديه وتنشيط وتطوير توقعاتهم من خلال رؤيته المستقبلية. وقد أوضحت معظم الدراسات أن بعض المحظوظين يولدون فطرياً بهذا الهبة، لكن بعض القادة الجاذبين المؤثرين يكتسبون وينمون كثيراً من هذه السمات ويستخدمونها بنجاح كبير وتجدر الاشارة لأن الكاريزما ليست حكرا علي مستوي اداري محدد بل تتوزع علي شخصيات في مستويات متعددة، مثل رؤساء دول ووزراء وقادة بالادارة العليا والوسطي وحتي المباشرة. وليس من الضروري أن يكون الرئيس المنتخب علي درجة كاملة من الكاريزما، فهناك كاريزما تامة أو طاغية كتلك التي تمتع بها رؤساء وزعماء مثل ونستون تشرشل الزعيم البريطاني الأسبق، و"مارجريت تاتشر" رئيسة وزراء بريطانيا الأسبق، و"هتلر" الزعيم الألماني الأسبق و"غاندي" الزعيم الهندي الأسبق، و"نيلسون مانديلا" رئيس جنوب أفريقيا الأسبق ومهاتير محمد الرئيس الماليزي الأسبق وهناك كاريزما بدرجة أقل أي بدرجة من الجاذبية والتأثير لا تصل لمثل ما تمتع به أولئك. ورئيس الجمهورية المأمول بالاضافة لما نتطلع أن يتوفر له من شخصية كاريزمية نأمل أيضاً أن يكون رئيساً تحويليا بمعني قدرته علي تحويل مصر من حالها الي الحال الذي تستحقه ليس فقط كدولة غنية بمواردها وموقعها بل أيضا كدولة محورية في المنطقة، وذلك عبر خطة استراتيجية تحظي بتوافق مجتمعي، لذلك أتمني أن تتكامل لديه خصائص القائد الكاريزمي والتحويلي معا وبتركيز شديد أتمني أن تكون له: 1 رؤية مستقبلية ليقدم ضمن برنامج سياسي معلن رؤية مشوقة ومثيرة للمركز الذي تستحقه مصر ويجب أن تبلغه وكيف تبلغه. 2 تفكير استراتيجي يساعد علي التخطيط الاستراتيجي دون الاستغراق في مشكلات الادارة اليومية. مع القدرة علي تصميم سيناريوهات بديلة كمناهج مخططة للتصرف لاقتناص الفرص وتوقي أو معالجة التحديات. 3 جرأة، من حيث حساب تبعات القرار الاستراتيجي وتحمل مسئولياتها ونتائجها علي المدي الطويل. 4 قدرة فائقة علي الاتصال المؤثر، ليخاطب الناس مدركاً توقعاتهم وثقافاتهم وخلفياتهم الثقافية، فالقائد التحويلي يستخدم في حديثه رموزا مثيرة وتشبيهات مجازية وتعبيرات جديدة مؤثرة. 5 روح القاضي ليكون عادلا محايداً علي مسافة واحدة من كافة الأحزاب أو الرؤي السياسية. 6 مصداقية فالناس عادة يؤمنون بنزاهة من اذا قال فعل واذا وعد أوفي، لدرجة أن البعض قد يضحي بالكثير في اتباعه لرسالة ورؤية هذا القائد الجذاب. 7 ثقة عالية بالنفس، فالرئاسة القادمة إذ تجيء في ظرف صعب فهي قبول للتحدي والتحدي يحتاج لهذه الثقة. 8 قدرة ادارية، فالرئيس القادم مدير من مستوي رفيع سيلعب دوراً مهماً في ادارة موارد مصر من بشر وموارد طبيعية ومالية وغيرها. ويتعين أن تتوفر له القدرة علي فهم الشخصيات كأساس لاختيار المساعدين الأكفاء ومساعدتهم علي النجاح من خلال وضع مهام أو معايير أداء مناسبة والاشتراك مع مجلس الشعب في تقييم أدائهم. 9 منظومة قيم شخصية صالحة، تتضمن الصدق، الأمانة، المسئولية، الالتزام، النزاهة، واحترام الآخر. 10 سلوك سياسي Politics لمعالجة صراعات متوقعة ناتجة عن خلافات الرأي أو المصلحة مع أطراف أخري داخلية وخارجية، انه سلوك لازم لمعالجة المعارضة مستخدماً مزيجاً متناسباً من الإقدام والإحجام والشد والرخو بالقدر والتوقيت المناسبين لكل منهما. 11 حزم في غير قسوة وحسم فى غير تردد. 12 قدرة علي تشكيل وادارة فريق عمل ناجح وزرع روح الفريق بين معاونيه. 13 تفكير ابتكاري بما يتطلبه من خيال حدس واستشراف للمستقبل وتوليد سيناريوهات بديلة. 14 لياقة صحية، جسمية وعقلية ونفسية تساعد علي صنع قرارات استراتيجية. 15 طاقة وافرة، تساعد علي العمل لساعات طويلة في بعض الحالات. كما يفترض أن يكون شاحنا لمعاونيه بالطاقة اللازمة للأداء المثمر. تأمل هنا كيف كان الرسول "صلي الله عليه وسلم" يعمل مع جنوده في حفر الخندق. 16 إجادة لغة أجنبية علي الأقل حديثاً وكتابة. 17 قدرة علي التعامل مع تكنولوجيا المعلومات. 18 نزاهة مطلقة. 19 خبرة ادارية ناجحة سابقة تشهد بتوافر الخصائص السابقة. لكن هذا الرئيس يمكن أن يفقد تأثيره ونفوذه بسرعة إن أظهر تحيزا مثل عداوة أو خصومة أو ظلم أو تمييز بين الناس كأحزاب أو جماعات انه يستطيع تحسين فرصته في أن يدرك كقائد جاذب مؤثر بالدخول في تفاعلات طيبة مع الجماهير تتضمن معاملة عادلة نزيهة، واستجابة عادلة لحاجاتهم واهتماماتهم، وان يكون قدوة ومثلا يحتذي به فيكسب حب وتجاوب جماهيره ومعاونيه ليس فقط خلال رئاسته بل أيضا بعدها وهنا صدق الشاعر العربي القديم اذ قال: إن الأمير من يمسي أميراً يوم تركه إن زال سلطان الإمارة لم يزل سلطان فضله نسأل الله أن يهيء لمصر رئيساً تتوافر له هذه السمات الشخصية أو حتي معظمها وهو المستعان. ------------ بقلم -د. أحمد سيد مصطفي أستاذ الإدارة جامعة بنها