في واحدة من روائعه النقدية؛ صدر مؤخرا كتاب "الغرابة..المفهوم وتجلياته في الأدب" للدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة، والصادر عن سلسلة "عالم المعرفة" الشهرية التي يُصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت. يتكون الكتاب من تسعة فصول، قدم المؤلف خلالها تحديداً لغوياً وفلسفياً وسيكولوجياً لمعنى الغرابة، وقارن بينه وبين المعاني الخاصة بمفاهيم أخرى تلتبس معه أحياناً مثل الغربة والاغتراب والتغريب وغيرها، ثم طرح بعض التصورات الخاصة حول تلك العلاقات الممكنة بين عالم الأدب بما يحتويه من القصة القصيرة والرواية وبين مفهوم الغرابة، ثم عمد عبد الحميد إلى التركيز على تلك العلاقات الموجودة بين أحاسيس الخوف والفزع والرعب وغيرها من الأحاسيس الغريبة وبين الإحساس بالغرابة. ويتناول عبد الحميد في كتابه مفهوم الذات وتطورها نحو السواء أو نحو التفكك والاختلال والمرض، وكذلك الجذور الفلسفية والسيكولوجية والأدبية لفكرة الازدواج. كما ركز المؤلف في الكتاب -الذي تتعدى صفحاته ال300- على فكرة القرين أو الشبيه في الأدب، وكذا عن روح المكان، وعن الروح المهمومة في المكان، وعن مفاهيم الأشباح والأطياف والمراودة ومعاني هذه المفاهيم القديمة والحديثة وعلاقتها بموضوع الغرابة خاصة في الأدب.
وعرّف عبد الحميد الغرابة على أنها ليست مصطلحاً أحادي البعد بسيط المعنى لكنه مصطلح مُتعدد الأبعاد مُركب المعاني متنوع الدلالات، ومن معانيه حضور الموت الحياة، وحضور الحياة في الموت، ومن معانيه أيضاً ظهور المألوف في سياق غير المألوف، بمعنى ظهور المألوف في الأفكار والتصورات والانفعالات القديمة التي اعتقدنا أننا تجاوزناها أو كتبناها، وظهورها الآن في الحاضر في سياق زمني ومكاني غير مألوف لظهورها، كظهور أشباح الماضي وأفكاره وسلوكياته في الحاضر وربما المستقبل، وعودة الموتى إلى الحياة ودخول الأحياء إلى عالم الموتى، والحيرة والالتباس الذي لا نعرف معه ما إذا كان شخصا حيا أم ميتا... فتلك هي الغرابة. وأوضح المؤلف في مقدمة الكتاب أنه كان يُفضل أن يسمي الكتاب "الأدب والغرابة" لولا خشيته أن يختلط العنوان مع عنوان كتاب آخر مماثل لناقد المغربي المعروف عبد الفتاح كليطو والذي طرحه في 2006، ثم قرر أن يُسمي الكتاب "الغرابة في الأدب"، إلى أن وصل للاسم الحالي "الغرابة.. المفهوم وتجلياته في الأدب"، معللاً ذلك بأن الغرابة هي المفهوم الأشمل، بينما الأدب هو أحد تجلياتها، وقد يضاف إلى هذه التجليات الخاصة بها أيضاً الفن التشكيلي والعمارة والسينما والمسرح والكثير من حقول الثقافة والحياة.