وسط الضجيج العالي بأصوات مختلفة النبرة بين التفاؤل والتشاؤم احتفلت تونس بمرور سنة على اندلاع ثورة شعبها تأكيداً على أن الربيع الذي شمل مدنها وقراها مستمر ولن تعصف به رياح الخريف التي يتوقعها البعض من خلال رؤية خاصة تتجاوز إرادة جماعية وتأخذ باعتراضات تستعجل الانتقال من ديكتاتورية الفرد إلى ديمقراطية طال انتظارها. والأكيد أن ليس سهلاً بعد خمسين سنة منذ بورقيبة ثم زين العابدين بن علي وتحقيق طموحات شعب غُلب على أمره عقوداً من الزمن، لذا فإن المطالب تتزاحم وتتشعب أيضاً بفعل عدم الالتقاء على هدف موحد نظراً لبروز أحزاب وجهات تحاول احتكار الزعامة والنفوذ وإثبات الوجود ولو عكس التيارات المختلفة، وكل جهة مطالبة بالتخلي عن الذاتية والمطامح الخاصة لتنصهر في بوتقة وطنية جامعة. وإذا كان ليس ممكناً الانتقال بوقت قصير إلى الآمال الشعبية فلا بد من المرور بمخاص يُرجى أن يؤدي إلى ولادة سعيدة، وقد جاءت الانتخابات النيابية والرئاسية وتأليف حكومة تضم الأطياف كافة دليلاً على السير في الطريق المؤدي إلى حياة ديمقراطية صحيحة تتيح التنافس على ما هو أجدى وطنياً واجتماعياً واقتصادياً وإثبات حضور عربي ودولي واهتمام كامل بالقضية الجوهرية وهي تحرير الأرض والانتصار على المخططات الاسرائيلية العاملة للفرقة والتفتيت بهدف الإضعاف ومنه التوحّد للغلبة على اسرائيل ووقف ممارسات التهويد والاستيطان وقضم الأراضي. وبما أن استشهاد المواطن التونسي محمد البوعزيزي في سرت بإحراق جسمه احتجاجاً على مصادرة عربة الخضار التي توفّر لعائلته الطعام أدى إلى اندلاع ثورة الشعب بأطيافه كافة فهناك كثيرون على استعداد لأن يحموا الربيع العربي ويعززوا انتشاره، وقد كانت ثورة الشعب المصري ترجمة لتوجه الشعب العربي ككل، وليس مخيفاً ما يبرز من تباين وخلاف لأنهما يعنيان استعجال الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية، وقد مرّت الثورات على اختلافها بالطريق ذاته. وسيشهد يوم الخامس والعشرين من الشهر الحالي في مصر ما عاشته تونس بذكرى انتصارها مع الاهتمام العملي بالتخلص مما يباعد وصولاً إلى ما يوحّد بعيداً من حساسسيات واعتبارات مبعثها فوز حزب أو أكثر بغالبية المقاعد النيابية فهناك بوصلة وطنية ترشد الجميع للعمل بإرادة مشتركة تفرض التكيّف مع طبيعة العصر ومماشاة حركة التطور وما هي عليه الدول الديمقراطية من تقدم وتوفير خدمات اجتماعية وامتصاص البطالة المشكو منها حيث يجمع الشعب التونسي على توفير العمل لخمسة وعشرين بالمائة من أبنائها يفتقرون إليه. والأدعى إلى التوحّد هو ما تشهده الساحة العربية من حراك دولي واسع يصب في مصلحة القائمين به وليس لمصلحة الشعب العربي الأمر الذي يعزز الثقة بالربيع العربي وحمايته من رياح معادية لاستمراره وجني ثماره. نقلا عن صحيفة النهار اللبنانية