دخلت الثورة التونسيَّة مرحلةً جديدة بإجراء أول انتخابات حقيقيَّة منذ 55 عامًا من الحكم الديكتاتوري، وذلك لاختيار مجلس تأسيسي مهمته الأساسيَّة وضع دستور جديد يحدِّد طبيعة النظام السياسي الذي ستنتهجه تونس خلال المرحلة المقبلة، كما يحدد الصلاحيات السياسيَّة والتنفيذيَّة بين رئيس الجمهوريَّة ورئيس الحكومة والبرلمان والمؤسَّسات الرسميَّة للجمهوريَّة "الثالثة" في تونس، بعد جمهوريَّة بورقيبة وجمهوريَّة بن علي، إضافة إلى تشكيل حكومة انتقاليَّة جديدة للبلاد وذلك بعد مرور تسعة أشهر من فرار الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي. وتتجه الأنظار إلى الانتخابات التونسيَّة باعتبارها أولى التجارب الديمقراطيَّة في الدول التي شملتها رياح التغيير في العالم العربي، خاصة وأنها تعدّ أول انتخابات حرَّة غير محسومة النتائج تشهدها تونس منذ استقلالها عام 1956، ولذلك يرى المراقبون أن تجربة الانتخابات التونسيَّة تضع ربيع الثورات العربيَّة في مرحلة اختبار لمدى نجاح هذه الثورات في تحقيق وتلبية مطالب الشعوب التي ثارت ضدّ الظلم والتزوير. لحظة فارقة ويرى المراقبون أن الانتخابات التونسيَّة تشكِّل بداية مرحلة جديدة، كما أنها تعدّ لحظة فارقة في تاريخ ليس فقط الثورة التونسيَّة ولكن أيضًا في تاريخ ربيع الثورات العربيَّة، والذي كانت بدايته من تونس الخضراء، حيث يفتخر التونسيون بحقيقة أنهم يجرون أول انتخابات حرَّة في العالم العربي، مما يفتح الطريق أمام إجراء انتخابات نزيهة بعيدة عن التزوير في باقي الدول العربيَّة، وبحسب مجلة (تايم الأمريكيَّة) فإن الانتخابات التونسيَّة ستكون بمثابة خبر مبشِّر لدول الربيع العربي التي تسعى إلى التغيير، أو نذير شؤم في حالة فشلها، حول مصير باقي بلدان الثورات العربيَّة كمصر واليمن وليبيا وسوريا، فضلا عن تحديدها لمصير الشعب التونسي. وتحظى الانتخابات التونسيَّة باهتمام وترقُّب عربي ودولي خاصةً لكونها أولى انتخابات تشهدها منطقة الربيع العربي، بعد التخلُّص من الديكتاتور زين العابدين بن على، الذي عرف باستبداده، وهمَّش الدور التونسي في المنطقة، فضلا عن كونها في حال نجاحها ستصبح نموذجًا يُحتذى به في العالم العربي، وبذلك ستؤكد تونس على تغيُّر الوطن العربي. فالانتخابات التونسيَّة تمثل اختبارًا مبكرًا لآفاق الديمقراطيَّة في المنطقة، حيث يرى الناشطون في مجال الديمقراطيَّة أن يُساهم نجاح الانتخابات المقبلة في تونس في تحفيز الحركات المؤيدة للديمقراطيَّة للاستمرار في مواجهة الأنظمة القمعيَّة في سوريا واليمن، فضلا عن أن نجاحها سيمثل انتكاسةً للحرس القديم المعادي للثورة في مصر، فانتخابات تونس قد تمثل مثالاً طموحًا لمصر وليبيا واليمن وسوريا. منافسة شرسة ويؤكد المراقبون أن الانتخابات التونسية تعدّ فرزًا واختبارًا حقيقيًّا لأوزان القوى السياسيَّة في الشارع التونسي، حيث تدور منافسة شرسة بين الأحزاب المتنافسة من أجل كسب أصوات التونسيين في أول انتخابات ديمقراطيَّة تشهدها البلاد منذ عقود، ولكن على الرغم من ذلك فإن هناك توقعات بأن يحقِّق حزب النهضة الإسلامي بزعامة الشيخ راشد الغنوشي، الذي أسَّس حركة النهضة في عام 1981 مع مجموعة من المفكرين الإسلاميين، لكنه كان من قادة المعارضة التونسيَّة في المنفى حيث أقام 22 عامًا في لندن خلال عهد بن علي بعدما حظرت السلطات حركته وسجنت آلافًا من أبنائها، ثم عاد بعد فرار بن علي ونجاح الثورة نجاحًا كبيرًا. وتشير استطلاعاتُ الرأي إلى أن حزب النهضة سيحصل على ما بين 20 و30 في المائة من الأصوات، غير أن الحزب قد يستفيد أيضًا من تعزيزات محتملة من بعض القوائم المستقلَّة، وبعض الأحزاب الأخرى الحليفة المصمِّمة على الدخول في حكومة (ائتلاف كبير) وعد بتشكيلها الشيخ راشد الغنوشي. ولكن في المقابل يشارك في الحزب "الديمقراطي التقدمي" وهو الحزب العلماني الأبرز في السباق الانتخابي، ويقدم نفسه على أنه بديل لحزب النهضة الإسلامي، ومؤسِّسه السياسي الشهير نجيب الشابي وهو محام قناعاته تنتمي ليسار الوسط، وهو من المعارضة منذ عهد بن علي، وقد تقدَّم الشابي لترشيح نفسه عام 2009 لمنافسة بن علي في الانتخابات الرئاسيَّة، لكن قانونًا أصدره بن علي لإبعاده عن السباق قضى بعدم أحقيته في الترشح، وعيّن الشابي وزيرًا للتنمية الجهويَّة في أول حكومة تسيير أعمال بعد سقوط بن علي، واستقال من منصبه إثر احتجاجات حاشدة أسقطت الحكومة. بالإضافة إلى ذلك هناك حزب "التكتل الديمقراطي من أجل العدل والحريات" وهو حزب اشتراكي، وائتلاف "القطب الديمقراطي الحداثي" وهم من أبرز الائتلافات المشاركة، حيث يضمُّ بالأساس حزب "التجديد" و"الحزب الاشتراكي اليساري" وحزب "طريق الوسط" و"الحزب الجمهوري". الرابح الأكبر وأيًّا كانت الطرف الفائز في هذه الانتخابات، فإنه يبقى الشعب التونسي هو الرابح الأكبر من إجراء انتخابات ديمقراطيَّة من شأنها القضاء على عقود من الظلم والاستعباد والتجهيل والتضليل، ولكن في المقابل يجب أن تجري العمليَّة الانتخابيَّة بشكلٍ يظهر للعالم كله أن هناك تغييرًا فعليًّا حدث في العالم العربي. وفي النهاية يبقى التونسيون أمام مسئوليَّة كبيرة، فهم النموذج الذي سيقدم ربيع الثورات العربيَّة للعالم من خلال إجراء انتخابات نزيهة بعيدًا عن كل أخطاء وتجاوزات الماضي من التلاعب والتزوير أو عدم القبول بنتائج الانتخابات خاصةً في حال ربحها الإسلاميون. المصدر: الإسلام اليوم