ببسمة مترددة على شفاه صغيرة كعمر صاحبتها البريئة، تظهر عيون فرح حلمي، الطفلة البالغة من العمر 15عام، بعينيها الزيتونية، ووجهها الهادئ، وتفكيرها الذي أجبر كل من حولها على أحترامها، ليصبح أسمها يعبر عنها "فرحة". "فالشعر تاج المرأة"، ولكن عندما تتنازل طفلة في مثل هذا العمر عن شعرها الحريري الطويل، لتسعد أحد الأطفال المريضة بالسرطان، فكأنها أميرة صغيرة تنازلت عن تاجها؛ لترسم البسمة على وجه بائس. هكذا فعلت الطفلة البريئة، فقد قصت شعرها تماماً لتهديه لمريضة سرطان تمنت يوماً أن يرجع لها شعرها من جديد، بعد أن تساقط بسبب المرض اللعين. اختصرت "فرح" الطريق وتقدمت إلى والدتها "تجس نبضها" لتقول: ماما.. هو انا لو قصيت شعري واهديه لبنت صغيرة مريضة هتعملي فيه ايه ؟، وفي ذهول وحيرة تجيب الأم: هكسرك وأنسي الفكرة دي. كان هذا أول رد فعل تلقته الفتاة الصغيرة من قبل أقرب الناس لها، لكنها لم تتنازل يوماً عن حلمها بإسعاد غيرها من الفتيات المريضات، لينتهي الأمر، بانتهازها خلو المنزل وقامت شعرها بنفسها. انهارت الأم بكاءً وعويلاً عندما وجدت شعر أبنتها بين يديها ولا يوجد ما يغطي رأسها، وصرخت في وجهها "كيف فعلتي هذا؟، كيف تجرأتي؟، من أين أتت الفكرة لرأسك الصغيرة تلك؟، انا كنت بربي شعرك زي ما ربيتك بالضبط". أسئلة كثيرة لم تجيب عليها "فرح" إلا بأجوبة بسيطة: انا لدي شعر وغيري فقده، كيف لي أن أعيش سعيدة وغيري فاقد لحلو الحياة ولم يتذوق إلا مرها، ومع ذلك فإن شعري سيطول يوماً ما لكن مريض السرطان لن يطول بعد فترة قصيرة، كما أني أعرف أن الحالة النفسية مهمة لدى المرضى لتساعدهم على الشفاء. ما هذا العقل البريء والصادق، الغير ملوث بالعوامل الخارجية من نفاق وكذب، فقلبها النقي أسكت والدتها التي اكتشفت بعد تلك الحاثة أنها تجهل أموراً كثيراً عن إبنتها. صعوبات كثيرة واجهتها "فرح" بعد قص شعرها وقرارها بأنها ستعمل"باروكة" لتهديها للطفلة المصابة، التي حتى الآن تجهل من تكون، فإنها لم تذهب يوماً إلى مستشفى سرطان الأطفال، لكنها على يقين أن الله "سبحانه وتعالى" سيهديها إلى الطفلة المستحقه. كان ضمن الانتقادات التي توجهت للطفلة، بأن كل ما تقوم به كذب، وأنها قصت شعرها لتغيير شكلها ليس أكثر، أو بالأحرى "للموضة"، لكن كيف لجاهل أن يعلم كيف يكون التحضر.. كيف هي الإنسانية التي تستعمر قلوب الأوفياء. وبقوة وصلابة واجهت "فرح" تلك الانتقادات الشديدة، وبفخر أصبحت توجه صديقاتها في المدرسة لفعل الخير، وتخبرهن بأن ما قامت به ليس "للشو" لكن كان لإسعاد من فقد السعادة، ولبث روح الأمل في قلب أحدهم من جديد. وعلى غرارها سارت الكثير من الفتيات، حتى أصبحت قدوة لهن من خلال ما قامت به، فإنها لم تكتف بنفسها فقط، بل اقتادت غيرها للسير على نفس المنوال. وسط فرحة وتوتر ودهشة في آن واحد كانت اللحظة الحاسمة التى أٌدمت قلوب كل من شهد على هذا الحدث، من صديقاتها في المدرسة الإعدادية، ومدرسيها وأقاربها وغيرهم، دخلت "فرح" باب مستشفى سرطان الأطفال 57357، وكأنها دخلت مكان خرافي ليس واقعي. وبعينين لامعتين بين الفرح بالذي ستقوم به، والحزن لما ستشاهده الآن، أثناء تفقد الحجرات، لتتعرف على الحالات الموجودة بها؛ محاولةً لاختيار الأحق من بينهم. وبالفعل وجدت"فرح" ما تريده وهو: "كارولين"، الطفلة التي عرفت في المستشفى منذ أكثر من عامين ونصف، بتمكن السرطان منها، لدرجة وصول مناعتها ل"الصفر". فعلى الرغم من أن شفاء "كارولين" من المفترض أن يتم خلال 6 أشهر فقط، لازالت المستشفى تحاول شفائها حتى الآن، وكان من ضمن الصعوبات التي عاشتها المستشفى مع الفتاة المريضة عزلتها شهر كامل في غرفة العزل، محاولةً لرفع نسبة مناعتها. "كارولين" الطفلة القوية التي لم تهزم من المرض أبداً، حاولت "فرح" التخفيف عنها ومساعدتها على تخطي فترات صعبة، من خلال إهدائها شعرها. بابتسامة متوترة وجهت فرح كلامها لكارولين: على فكرة انا خائفة أكتر منك، أصل كان نفسي يكون عندي شعر أكثر من كده عشان أهدية لناس أكتر وأكتر، وفعلاً كان نفسي أقدر على حاجه أعملها ليكي بس للأسف مش عارفه غير أني أحاول أكون معاكي كده وبس، ولو طلع شعري 1000 مرة هعمل بيه كده تاني. ومن بين دموع عينين الطفلة المصابة، وابتسامة وجهها الملائكي تقول لفرح: انتي متعرفيش انتي عملتي ايه، إنتي رجعتيلي شكلي تاني زي ما كان. شاهد الفيديو كاملاً..