يغيب زوجي مثلما يقدر الله له الغياب سنة سنتان وأحيانا ثلاثة في بلده العربي الذي يعمل فيه، ولأنني أحبه رفضت ضغوط بعض أهلي طلب الطلاق.. عندي أربعة أولاد أكبرهم في بدايات الجامعة، أراكم تتساءلون كيف أنجبت هؤلاء الأولاد؟ أقول لكم: إنها إرادة الله فكلما عاد إلينا في إجازة بينت حزني وغضبي لسفره الدائم وطلبت أن يصطحبني في السفر معه ، وبعد مناقشات طويلة تحدث مشكلة كبيرة لكننا نعود ونتصالح بفعل عمتي/ حماتي التي تعيش معنا في نفس البيت.. ويحدث الحمل، وأغوص في تربية الطفل/ الطفلة.. الجديدة وهو يكد ويعمل، من أجل تحقيق حياة مرفهة لنا، لا أنكر هذا. كبر أولادي في حضني وحضن حماتي.. التي هى عمتي والتي صارت امرأة كبيرة حركتها قليلة، ولطالما هدأتني، وأخذت بيدي وهدهدت روحي التي كانت تمتلئ بضجيج الأفكار والأوهام وتسبح في سماواتي الغائمة. تساؤلات كثيرة كانت تقض مضجعي وتحرمني لذة النوم، كنت أراه في أحلامي وهو يلوذ بامرأة غيري، ومع هذا كان دوما ينظر لي راجيا ألا أتركه، وفي الصباح ترى وجهي الشاحب من قلة النوم فتقترب مني متسائلة: مالك يا ضنايا؟ ولا حاجة ي ماما شكلك منمتيش كويس يا بنتي واللي بيعمله ابنك دهي خللي حد ينام إلا اللي باله خالي؟ خير كفا الله الشر حلمت بسعد امبارح خير؟ كان واقف مع واحدة غيري يا شيخة هو حد ياخد ع الأحلام؟ هو أنا بشوفه في الحقيقة أصلا؟ صلي ع النبي في قلبك اللهم صل عليه بس شوفي.. لازم تتصلي بيه يرجع في اقرب وقت وإلا هاعمل قضية خلع استغفر الله العظيم، إيه الكلام ده؟ أنا باتكلم جد اخزي الشيطان يا بنتي الشيطان ملوش دعوة طيب علشان خاطر عمتك أنت يا عمتي ترضي بكده؟ خمستاشر سنة وأربع عيال؟ ماشاء الله زينة العيال ربنا يبارك وأنا إنت إيه يا بنتي؟ جلست وأنا أنتفض وهى تطبطب على صدري وتلملم شعري الذي تناثر من خلف الإيشارب، وتدعو لي بالهداية والهدوء.. لكنني ما لبثت ان انهمرت دموعي وكاد قلبي أن يتوقف وقلت لها بصوت مخنوق ودموع متناثرة: إنت عارفة إنا عشت معاه قد إيه بالضبط؟ خمستاشر سنة يا ضنايا لا يا عمتي أقل من سنة، بالله عليك دا ينفع؟ دي ممكن نسميها حياة؟ يرجع يقعد شهر اخلف يرجع يغيب كام سنة ويرجع وأخلف وهكذا.. هكذا.. هكذا.. يا بنتي الله يهديك، هو في حد عاقل يمشي ورا حلم شافه؟ جلست عمتي/ حماتي تهدئني وتقول: أنا سأكلمه اليوم وسنجد حلا لقلقك والله لا تقلقي، .. كانت تقول ذلك وهى تنظر لعينيّ لترى رد فعلي، ثم تعيد: ها خلاص؟ الحقيقة أنها كانت تخشى لحظات جنوني وزهقي ووحدتي، كانت تخشى أن أقوم بدعوى خلع كما فعلتها زميلة لي في العمل، وأخذت عمتي/ حماتي تبين لي عواقب ذلك "الشين " كما وصفته. كل هذا وأنا مكبوتة صامتة، الجو برد بل صقيع، وعمتي / حماتي رجلاها تؤلمانها ولا تستطيع المشي لخطوات بدون عصاها تستند عليه، ولما كنت أعرف أنني سأمكث سأمكث وأنني سأنزل على رغبتها وسأظل على نفس الحال أحببت أن أجعلها تعيش تحت الضغط مثلي فعلت ذلك دون رحمة مني .. قلت لها حانقة وأنا أمسح دموعي: عاوزة آكل آيس كريم حالا اتصلي بالواد الكبير يجيب وهو جاي لا .. حالا حالا بتتوحمي واللا إيه يا بنتي؟ معرفش يا تجيبي لي آيس كريم يا هاخرج مش هارجع وابقي ربي إنت ولاد ابنك أو ابعتي هاتيه يربيهم بنفسه. عمتي/ حماتي وجدت نفسها وقد أسقطت في يدي صارت للحظة مسكينة مجبرة على حالها وأنا غابت عني الرحمة والشفقة، لم أسمع سوى تمتمتها: حاضر جلست مكاني موجهة عيناي إلى الأرض بغضب بينما سمعت ارتطام الباب من خلفها وصوت عصاها يدق السلالم (تك تك تك تك) فتحت الباب ببطء وشاهدتها وهى تنزل على السلالم تنزل سلمة وترتاح الثانية فقد كان المصعد معطلا منذ الصباح.. بالطبع أشفقت عليها، لكن غيظي كان أكبر وألمي النفسي كان أعظم، ولا أخفيكم القول، لقد "ساح" الآيس كريم الذي أحضرته، لكنه بقاياه كان ألذ آيس كريم تذوقته في حياتي على الرغم إنه كان في ديسمبر وكان الجو بارد جدا بل صقيعا كروحي تماما.. لمحت ابتسامة تطل من عينيها قائلة: والله م هتغلبيني يا بنت أخويا يا غالية.. فخجلت من نفسي ومن عمتي/ حماتي التي هى بحق ملاااك .. والله فعلا ملااك.!!