أثار قرار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" – قبل أن يتراجع عنه - بفرض ضريبة على الواردات المكسيكية لتمويل بناء جدار حدودي عازل، إلى جانب وصفه المكسيكيين ب"المجرمين وتجار المخدرات ومغتصبي النساء"، إلى دفع العلاقات بين البلدين لمزيد من التدهور، وصلت إلى حد إلغاء الرئيس المكسيكي زيارته لواشنطن مطالبًا الولاياتالمتحدة ب"احترام بلاده". وتعد خطوة فرض الضرائب على واردات أمريكا من المكسيك كارثية بالنسبة للأخيرة على الرغم من عمق العلاقات الاقتصادية بين البلدين منذ بدء العمل باتفاقية "نافتا" للتجارة الحرة بينهما، حيث تعد ثالث أكبر شريك تجاري مع الولاياتالمتحدة بعد كندا والصين بواقع 531 مليار دولار أمريكي في عمليات التبادل الثنائي وفقاً للعام 2015. وعلى الرغم من التأييد الكبير لقرار ترامب ببناء جدار حدودي عازل بين أمريكاوالمكسيك وفرض ضريبة على الواردات المكسيكية لبناء الجدار والاساءة المبالغ فيها للمكسيكيين بصفة عامة - والمهاجرين منهم بصفة خاصة – إلا انهم (أي المؤيدين) يغفلون دور المهاجرين غير القانونيين في الاقتصاد الأمريكي، حيث يشكلون ما يقرب من 5.5% من القوى العاملة في أمريكا، وفقًا لأرقام مركز بيو البحثي. وحذرت وزارة الزراعة الأمريكية في السابق من أن ترحيل أعداد كبيرة من المهاجرين سيكون له أثر بالغ في زراعة الخضراوات والفاكهة في أمريكا، حيث يشكل المهاجرون غير المقيدين قانونيًّا 53% من العاملين في مجال زراعة المحاصيل في أمريكا. وأعطت صحيفة وول ستريت جورنال مثالاً على التأثير السلبي لرحيل المهاجرين غير القانونيين بأعداد كبيرة منها بعد تشديد القوانين الخاصة بالهجرة في ولاية أريزونا الأمريكية، حيث فقدت الولاية 40% من عدد المهاجرين بين عامي 2007 و2012، مما أدى إلى انكماش الناتج المحلي للولاية في تلك الفترة. ويري مؤيدو ترامب ان ترحيل المهاجرين غير القانونيين سيوفر الملايين التي تنفق عليهم لتعليمهم وتوفير الرعاية الصحية لهم بالإضافة إلى توفير فرص عمل للشباب الامريكي، إلا أن الحقيقة أن المهاجرين يدفعون مايقرب من 300 مليار دولار تدخل خزانة الولايات، وصندوق التضامن الاجتماعي. ووفقاً لصحيفة نيويورك تايمز فإن المهاجرين غير القانونيين يدفعون ما يمثل 10% من صندوق التضامن الاجتماعي - مايقرب من 300 مليار دولار - كما أن ترحيل العمالة من المهاجرين غير القانونيين لن يوفر فرص عمل أكثر للأمريكيين؛ لأنه سيصحبه انكماش في اقتصاد عدد من الصناعات، وبالتالي تناقص فرص العمل، وهو ما سيؤثر – مثلاً - على ولاية تكساس التي ستخسر 2.1% من إجمالي ناتجها المحلي لو تم ترحيل المهاجرين الذين يمثلون 6.3% من القوى العاملة في الولاية الجنوبية. أما بشأن التعاون الاقتصادي بين البلدين، فإن حجم التجارة بينهما بلغ 550 مليار دولار في 2013، وتعتمد وظائف ما يقرب من ستة مليون أمريكي على التجارة مع المكسيك، كما تحتوي الصادرات المكسيكيةلأمريكا 40% منها على مدخلات أمريكية، إلى جانب أن المكسيك هي ثالث أكبر مورد للنفط الخام للولايات المتحدة، وأكبر مستورد للمنتجات البترولية الأمريكية. وعلى صعيد آخر، فالبلدان مرتبطان أيضاً باتفاقيات أمنية لمكافحة تجارة المخدرات والسلاح، حيث تقوم الولاياتالمتحدة بدعم المكسيك بمئات الملايين من الدولارات في حربها ضد العصابات المسلحة، حيث بلغ حجم المساعدات الأمنية الأمريكية للمكسيك 2.6 مليار دولار بين عامي 2008 و2012. وتعي الإدارة الامريكية جيداً أنه في حالة الامتناع عن دعم المكسيك في حربها ضد العصابات المسلحة فإن ذلك يعني تزايد قوة العصابات المكسيكية، وهو ما سيؤثر بالسلب على الولاياتالمتحدة.