في أواخر الستينيات من القرن العشرين الماضي كانت مؤسسة روز اليوسف تستقطب عدداً من فناني الكاريكاتير علي رأسهم حجازي أستاذي وصديقي العزيز الذي تعلمت منه دون أن يشعر كنت اجالسه وأراقبه دون أن يلحظ وفي إحدي زياراتي لروز اليوسف دخلت علي حجازي فوجدته كعادته يرسم وكان يجلس امامه شخص اسود اللون يرتدي قميصا وبنطلونا فقط وسلمت علي حجازي دون أن أعير الاسود أي اهتمام وقال حجازي: - انتو عارفين بعض ولا لأ؟ فأجاب الشخص: - طبعا الاستاذ احمد فؤاد نجم وهل يخفي القمر فقال حجازي لي - محمد خليل قاسم.. الشمندورة قلت: أهلا ولأنني شخص ظل متمسكا بموقعه أمام حجازي خرجت إلي مكتب صلاح الليثي وجلست معه برهة ثم غادرت مبني روز اليوسف في طريقي إلي حوش قدم وهناك التقيت بمجموعة من رواد المكان كان بينهم وديع أبو خالد الذي قال لي: - انت قريت الشمندورة؟ قلت: - لا فقال - ازاي بقي دانت لازم تقراها وانتهي الامر عند هذا الحد مع وديع فقط لأن هذا السؤال طرحه علي مجموعة من الاصدقاء - أنت قريت الشمندورة؟ إلي أن كان يوما دخل علي المرحوم وديع ومعه كتاب قدمه لي وهو يقول: - انا جبت لك الشمندورة بس نسخة خالد ابني وارجوك ان تحافظ عليها وتعيدها لي بعد قراءتها. وتناولت منه الكتاب ببرود ولم اكلف نفسي حتي قراءة ما علي الغلاف ثم حملته وذهبت إلي بيتي في العباسية حيث زوجتي آنذاك الاستاذة صافي ناز كاظم الناقدة الادبية الكبيرة والمبدعة الموهوبة علي صفحات مجلة المصور وما إن دخلت إلي الشقة حتي قذفت بالكتاب إلي أقرب كرسي أمامي وسألت صافي - إنتي قريتي الشمندورة؟ قالت لي: - زفت وقطران واسترحت لهذه الاجابة التي بررت لي اهمالي واستعلائي علي قراءة الرواية واهمالها تماما إلي أن كان يوما عدت فيه إلي المنزل وحين فتحت الباب ودخلت سمعت صوت نشيج يأتي من غرفة النوم فانطلقت بسرعة لاجد صافي تجلي علي السرير وفي يدها كتاب مفتوح تقرأ منه وهي تبكي قلت لها: - مالك يا صافي بتعيطي ليه فقالت - الشمندوة يا نجم الشمندورة قلت - اخص عليكي يا صافي مش هي دي الزفت والقطران قالت - ح اكفر عن ذنبي بقراءتها معك من اول السطر وفعلا قرأناها معا وبعد الانتهاء من قراءتها كتبت صافي اهداء علي الرواية لابنتنا نوارة الانتصار تقول إلي نوارة الانتصار اليك رائعة الادب العربي الشمندورة ومثلما كفرت صافي عن ذنبها كان لابد لي ان اكفر عن جريمتي ازاء مبدع الشمندورة العظيم محمد خليل قاسم فانطلقت إلي روز اليوسف ولم اجد حجازي في مكتبه فسألت صلاح الليثي عن حجازي فقال - راح الجنازة - جنازة مين - محمد خليل قاسم