وزير الأوقاف يستقبل شيخ الطريقة الرضوانية بحضور مصطفى بكري (تفاصيل)    مسؤول بمجلس الاحتياط الأمريكي يتوقع تخفيض الفائدة الأمريكية عدة مرات في العام المقبل    مصر للطيران تعلن تعليق رحلاتها إلى لبنان    هبوط تجاوز ال700 جنيه.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 24 سبتمبر 2024    بعد الزيادة الأخيرة.. تحذير عاجل من «الكهرباء» بشأن فواتير العدادات مسبقة الدفع (تفاصيل)    جماعة الحوثي في اليمن تتعهد بدعم حزب الله اللبناني ضد إسرائيل    وزير الخارجية: نتطلع لتعزيز التعاون الثنائى مع السلفادور وتوسيع نطاقه    فرنسا تدعو لاجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي حول لبنان    حماس تعلن استشهاد أحد قادتها الميدانيين خلال غارات إسرائيلية على جنوب لبنان    العراق يعلن عن جسر جوى وبرى لنقل المساعدات إلى لبنان    المستشار القانوني للجنة الأولمبية: الزمالك أرسل اسم فتوح للسفر للسعودية وطلبنا إقرارًا قانونيًا لاعتماده    وكيل عبد الرحمن مجدي يكشف كواليس تفضيله الانتقال لبيراميدز بدلًا من الأهلي    وكيل ميكالي: الأرقام المنتشرة عن رواتب جهاز ميكالي غير صحيحة وجنونية    أسامة عرابي: نسبة فوز الأهلي بالسوبر الإفريقي 70%    بلاغ جديد ضد التيك توكر كروان مشاكل بتهمة بث الذعر بين المواطنين    ماس كهربائي وراء حريق شقة سكنية ووفاة شخص بالموسكي    أول تعليق من هند صبري بشأن الجزء الثاني ل«أحلى الأوقات»    تأثير القراءة على تنمية الفرد والمجتمع    الفوائد الصحية لممارسة الرياضة بانتظام    أهمية الغذاء الصحي في حياة الإنسان    وزير البترول يؤكد استدامة الاستقرار الذى تحقق في توفير إمدادات البوتاجاز للسوق المحلي    شيكابالا لجماهير الزمالك: سنحتفل معا بلقب السوبر الإفريقي    حتحوت يكشف رسائل محمود الخطيب للاعبي الأهلي قبل السوبر الإفريقي    أشرف نصار: لدي تحفظ على نظام الدوري الجديد لهذا السبب    مايوركا يصعق ريال بيتيس في الليجا    تي موبايل-أمريكا تعتزم طرح سندات للاكتتاب العام    وزير الخارجية يؤكد على أهمية توظيف المحافل الدولية لحشد الدعم للقضية الفلسطينية    ارتفاع حصيلة مصابي حادث أسانسير فيصل ل5 سودانيين    اخماد حريق نشب بمخلفات في العمرانية الشرقية| صور    إبراهيم عيسى: تهويل الحالات المرضية بأسوان "نفخ إخواني"    بالأسماء، إصابة 4 أشخاص من أسرة واحدة في تصادم سيارتين بالدقهلية    مدير الجودة بشركة مياه الشرب: أقسم بالله أنا وأسرتي بنشرب من الحنفية ومركبتش فلتر    الأمين العام للأمم المتحدة يعرب عن قلقه العميق إزاء القصف الإسرائيلي لجنوب لبنان    محارب الصهاينة والإنجليز .. شيخ المجاهدين محمد مهدي عاكف في ذكرى رحيله    تعرف على جوائز مسابقة الفيلم القصير بالدورة الثانية لمهرجان الغردقة لسينما الشباب    وفاة النحات سمير شوشان عن عمر ناهز 71 عاما    هيفاء وهبي جريئة وهدى الإتربي تخطف الأنظار.. 10 لقطات لنجوم الفن خلال 24 ساعة    مجمع الفنون والثقافة يشهد حفل تخرج طلاب كلية الفنون الجميلة -(صور)    حدث بالفن| وفاة فنان سوري وحريق يلتهم ديكور فيلم إلهام شاهين وأزمة سامو زين الصحية    تعرف على موعد ومكان عزاء رئيس حزب الحركة الوطنية    الآن رابط نتيجة تقليل الاغتراب 2024 لطلاب المرحلة الثالثة والشهادات الفنية (استعلم مجانا)    أحمد موسى يناشد النائب العام بالتحقيق مع مروجي شائعات مياه أسوان    طريقة عمل الأرز باللبن، لتحلية مسائية غير مكلفة    صحة الإسكندرية: تقديم 2 مليون خدمة صحية للمواطنين ضمن «100 يوم صحة»    عمرو أديب عن خطوبة أحمد سعد على طليقته: «هذا ما لم نسمع به من قبل» (فيديو)    عيار 21 يسجل رقمًا تاريخيًا.. مفاجآت في أسعار الذهب اليوم الثلاثاء «بيع وشراء» في مصر    جامعة عين شمس تستهل العام الدراسي الجديد بمهرجان لاستقبال الطلاب الجدد والقدامى    عمرو أديب: حتى وقت قريب لم يكن هناك صرف صحي في القرى المصرية    عاجل - البيت الأبيض: بايدن وبن زايد يشددان على ضرورة التزام أطراف الصراع في غزة بالقانون الإنساني الدولي    الاقتصاد ينتصر| تركيا تتودد لأفريقيا عبر مصر.. والاستثمار والتجارة كلمة السر    في إطار مبادرة (خُلُقٌ عَظِيمٌ).. إقبال كثيف على واعظات الأوقاف بمسجد السيدة زينب (رضي الله عنها) بالقاهرة    «التنسيقية» تنظم صالونًا نقاشيًا عن قانون الإجراءات الجنائية والحبس الاحتياطي    خالد الجندي: بعض الناس يحاولون التقرب إلى الله بالتقليل من مقام النبى    مصروفات كليات جامعة الأزهر 2024/2025.. للطلاب الوافدين    "المصريين": مشاركة منتدى شباب العالم في قمة المستقبل تتويج لجهود الدولة    أستاذ فقه يوضح الحكم الشرعي لقراءة القرآن على أنغام الموسيقى    "أزهر مطروح" يطلق "فاتحة الهداية" بالمعاهد التعليمية ضمن مبادرة بداية    وكيل الأوقاف بالإسكندرية يشارك في ندوة علمية بمناسبة المولد النبوي الشريف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خبير التعليم كمال مغيث: التعليم فى مصر.. ضد المواطنة ولا علاقة له بالمستقبل
نشر في الوفد يوم 06 - 11 - 2016

«النظام التعليمى جزء لا يتجزأ من النسق الاجتماعى والثقافى والسياسى للدولة وليس قطعة أثاث يتم تغييرها وقتما نشاء، ولهذا إصلاح التعليم فى احتياج إلى إرادة سياسية هى القادرة على اتخاذ القرارات الصعبة».
هكذا بدأ الدكتور «كمال مغيث» الخبير التربوى بالمركز القومى للبحوث التربوية حواره الذى أكد فيه أن فلسفة التعليم فى مصر تقوم على مفردات «احفظ، تذكر، سمع» ونريد تغييرها إلى «لاحظ، فكر، عبر».. مؤكدًا أن التعليم غير جذاب وبدون أنشطة ترفيهية، والقراءة والكتابة والقصص أصبحت وسيلة قمع للطلاب.
وأشار «مغيث» إلى أن العملية التعليمية خرجت من المدارس إلى السناتر والدروس الخصوصية فى ظل تدهور المدرسة وإحباط المدرس وجمود المناهج التعليمية.
مشيرًا إلى أن عدم ربط التعليم بمشروع قومى وطنى كان سببًا للتدهور ولذلك أصبحنا نحصد الرياح، وأضاف: إننا أصبحنا نعانى من مهزلة حقيقية فى التعليم بعد أن أصبحت حلول الدولة للخريجين عربات للخضار يسرح بها الخريجون ليبيعوا الطماطم.
ما هى فلسفة التعليم فى مصر؟
- مع أنى لا أريد أن أبدأ حوارى متهكمًا، لكن يبدو أن التهكم هو الوصف الموضوعى لما يحدث فى التعليم، ولهذا فلسفة التعليم هى «سمك.. لبن.. تمر هندى» أى أن التعليم ليس له فلسفة، أو إنها فلسفة مضطربة مشوشة، فالتعليم المصرى به نحو 200 مدرسة دولية تخرج طلابًا ثقافتهم وأخلاقهم غريبة والعلاقة بينهم وبين زميلاتهم تكون بمنتهى البساطة، وقد يدعون أساتذتهم بأسمائهم!! وهذا نمط من أنماط التعليم، وأيضًا التعليم الأزهرى يتم فيه تدريس مناهج قديمة ولا تصلح للعصر الحديث أو لمصر، فتخرج ناساً ذوى أيديولوجية قديمة وعفى عليها الزمن، وبه 400 ألف مدرس، و9 آلاف معهد أزهرى، و400 ألف طالب جامعى و2 مليون طالب، ثم التعليم الحكومى بشقيه العام والخاص، وهو شديد التدهور وتأكدنا أن الأولاد فى سن الثانية عشرة لا يجيدون القراءة ولا الكتابة باعتراف وزراء التعليم أنفسهم.
معنى هذا أن التنوع جاء بالسلب على التعليم وليس الإيجاب؟
- نعم لأن التعليم الأساسى حتى المرحلة الاعدادية يجب أن تكون فكرة المواطنة هى الأساس، ثم بعد التأكد من قيمة المواطنة، والتماسك الوطنى يأتى بعد ذلك التنوع ما بين الفنى والعام وتدريس اللغات والكمبيوتر، والمهن والعلوم المختلفة، أى التنوع يأتى فى مرحلة لاحقة على المواطنة.
إذن ما هو الهدف الرئيسى من التعليم؟
- الهدف من التعليم حاليًا هو الحصول على شهادة، لأن التعليم لم يعد بمفهوم وطنى أو فلسفة وطنية أو إنه يؤدى إلى عمل، والدولة ليس لديها حلول إلا عربات الخضار للخريجين ليسرحوا بها، وأصبحنا نعيش مهزلة حقيقية فى التعليم.
وما هو تقييمك للمناهج التعليمية؟
- هى مناهج متخلفة من حيث المحتوى، وقديمة وعتيقة، والمكون المعرفى فى العصر يتغير كل بضعة أشهر، فما بالنا بالكتاب الذى يُدرس وهو معد من عدة سنوات بمادته التعليمية القديمة بينما العالم يجرى من حولنا، وأولادنا هم أول من يشعرون بأن المناهج ليست مناهج عصرية، وهذا ما ينتج عنه احتجاج اجتماعى على التعليم.
لكن توجد اتهامات لهذه المناهج بأنها تحض على الكراهية والعنصرية؟
- نعم.. وقد قرأت الكتاب المقرر للصف الثالث الإعدادى بعنوان معجزة القرآن للشيخ «الشعراوى» فى التسعينيات والمفترض أن الأفكار التى قالها فضيلته لم تكن موجهة لتلاميذ الإعدادى بل موجهة للقاءات تليفزيونية للمسلمين، ولكن لماذا نذكر للتلاميذ أن القرآن الكريم هو كتاب الله الوحيد الصحيح أما الإنجيل فتم تحريفه من النصارى فهل هذا يصلح لأطفال فى إعدادى؟ ثم أجبرنا التلاميذ على قراءة المناظرة السخيفة التى تمت بين «أحمد ديدات» وبين أحد القساوسة وهذه كانت من أدوات الفتنة الطائفية فى مصر.
ترى كيف تكون المناهج التعليمية التى تصلح لطبيعتنا كمصريين؟
- أن يكون الهدف الرئيسى للمناهج المواطنة، وطالما الحوار لجريدة «الوفد» فيحضرنى تراث الوفد العريق حيث كان «ويصا واصف» المسيحى رئيس مجلس النواب الذى يشرع للمصريين المسلمين هم الأغلبية فى هذه الفترة الليبرالية التى رعاها الوفد، ولكننا نرى فى كتاب اللغة العربية الذى من المفترض أنه كتاب للمواطنة تحول إلى كتاب تربية دينية إسلامية، إذا تحدث عن الصداقة أو الرياضة أو الكتابة لابد أن تكون فى الإسلام، وأنه مليء بأحاديث الرسول الكريم، أو بآيات القرآن، فما هو المبرر أن يكون الدين الإسلامى هو المقرر على المسلمين والمسيحيين معًا ويطلب من المسيحيين حفظها ودراستها فى مادة النحو فى هذا الجو المشحون بالتوتر، فهذا خطاب دينى فى التعليم، ومؤخرًا قرأت فى كتاب التاريخ للصف الثانى الثانوى قصة هجرة المسلمين وهى رائعة وأكثر من ممتازة للكلام عن الأصول الإنسانية والعلاقات بين المسلمين الأوائل والمسيحيين عندما قال الرسول لرهط المسلمين الأوائل اذهبوا إلى الحبشة لأن بها ملكاً لا يُظلم عنده أحد، ولكن الكتاب يقول كان هذا الملك يؤمن بأحد الأديان السماوية، وهل يستنكف ذكر المسيحية فى موضع إيجابى، كل هذا الأمور المخزية فى التعليم إلى أن وصل الأمر بأن يطالب رئيس الجمهورية بتجديد الخطاب الدينى.
أين تكمن أزمات التعليم فى مصر؟
- على المستوى العام ليس لدينا إرادة سياسية لإصلاح التعليم، وهذا هو المدخل لأن وزارة التربية والتعليم بها 52 ألف مدرسة و20 مليون طالب، ومليون و600 ألف مدرس وإدارى فهى ليست مؤسسة صغيرة، ولا يمكن إصلاحها إلا بإرادة سياسية، لأن وزير التعليم لا يستطيع أن ينتزع أى أرض جانب أى مدرسة سواء كانت تتبع وزارة أو هيئة أو مؤسسة أو ملكًا للأهالى، ليبنى فيها مدرسة، ولكن الرئيس هو الذى يستطيع فعل ذلك، ولو أن هذه الأرض ملك للأهالى سيعوضهم عنها بدفع ثمنها، ولو كانت ملكًا لجهات أخرى سيحول ملكيتها إلى وزارة التربية والتعليم، ثم وزارة التربية والتعليم لديها 6 آلاف مدرسة كما تقول التقارير فى احتياج إلى ترميمات أساسية ومهددة، فهل يستطيع وزير التعليم أن يطلب من وزير المالية الحصول على الأموال اللازمة لترميم هذه المدارس، لكن رئيس الجمهورية هو القادر على ذلك، وبالطبع لدينا التيار الدينى سواء كان جماعة الإخوان أو السلفيين الذين يناقشون هذه الأيام هل التلاميذ تحيى العلم أم لا فى مهزلة مؤسفة.
كيف ترى مدرس الفصل وتقييمك له؟
- بطبيعة الحال، المدرسون مظلومون ويشعرون بالاضطهاد، وبعدما حددت الحكومة لهم كادرًا ليحصل على راتب يعادل أعلى 6 مما كان يحصل عليه مدرس السبعينيات، فراتب المدرس 1200 جنيه، ولدينا نحو 400 ألف مدرس يحصلون على 400 جنيه لأنهم متعاقدون، فى وقت كان مدرس السبعينيات يحصل في بداية تعيينه على 18 جنيهًا فى الوقت الذى كان فيه جرام الذهب عيار 18 ب 80 قرشًا، يعنى راتبه كان يزيد على 6 آلاف جنيه، وهذا هو المدرس الذى كنا نقول عنه لا نستطيع أن نجعله يرانا نلعب فى الشارع، ونخاف ونختبئ منه، وهذا المدرس يجب ألا نراه يسوق «توك توك» أو واقف فى طابور العيش المدعم، ولو دخل عليه الطالب بشكل غير لائق يجعل الطالب يقف عند حده وينهره ويأمره بأن يضع يده جانبه ويتحدث معه باحترام.
لكن ماذا يقدم المدرس المحبط البائس للتلاميذ؟
- نحن نعرف فى العلوم التربوية أن المدرس المحبط اليائس، الذى يشعر بالظلم يدمر أى نظام تعليمى ليس فى مصر بل فى السويد والنرويج وفنلندا، بينما المدرس السعيد والمهنى والراضى عن نفسه وعن مهنته يقدم تعليمًا رائعًا من غير مناهج ولا فصول ولا أدوات.
ومن هو الطالب فى المنظومة التعليمية التى يدرس له مدرس محبط؟
- توجد دراسة قام بها الراحل «مصطفى حجازى» بعنوان متوالية القهر، أى أن القهر فى المجتمع يأتى من قمة المجتمع إلى أسفله، بأنك تشعر أن الوزير يرتدع فى حضرة الرئيس أو رئيس الوزراء ثم وكلاء الوزارة يرتعدون فى حضرة الوزير، والمدرس يرتعد فى حضرة مدير التعليم وصولاً إلى الطالب الذى يكون فى أدنى سلم القهر التعليمى، والطلبة للأسف لا يعيشون حياتهم، وعلم النفس يقول: إن الإنسان البالغ لكى يكون سويًا ينبغى أن تكون له مهنة، ومهنة الأطفال هى اللعب، والمفترض أن الأطفال يتعلمون من خلال اللعب بدءًا من الحضانة، ومستحيل طالب يمسك ورقة وقلمًا قبل 6 سنوات إلا إذا كان يريد أن يلون أو يلعب، لكن الطفل فى مصر يمسك القلم قبل 6 سنوات ويقال له اكتب: ولد، وبنت، وقطة 70 مرة وهذا شىء بشع لأن الأطفال يظلمون، والتعليم غير جذاب وبدون أنشطة ترفيهية وكل هذه المشاكل تقع على عاتق الطلاب، وبدلاً من أن نخلق توجهات إيجابية نحو الكتاب والقراءة والقصص نجعلها مصدر لقمع الطالب.
كيفية التعامل مع المعادلة التعليمية «الطالب، التعليم، الهدف»؟
- التعليم طالما يتعلق بالفرد له ثلاثة أهداف ولابد أن يتم التأثير على الطالب فى إطار هذه الأهداف، أولاً المهنية بأن يتم إعداده لكى يكون صاحب مهنة، سواء كان طبيبًا أو إعلاميًا أو مصورًا، الهدف الثانى التأثير عليه كمواطن ولا ينظر إليه من خلال عمله فقط، بل ينظر إليه كرب أسرة، وله علاقات سياسية وله دور اجتماعى أو سياسى، وأصدقاء وله عمل عام يساهم فيه من نواحى متعددة، ثم المفترض أنه يعرف مشكلات مصر مثل الجهل والإرهاب والتطرف والفقر وأطفال الشوارع، طالما إنه مواطن فاعل فى المجتمع، ثالثًا: المفترض أن التعليم يؤثر فى الوجدان، وكل إنسان له وجدانه الخاص هل يميل إلى الموسيقى أو الرسم أو السينما، أو الرياضة أم الشعر؟ وكل هذه العناصر المفترض أن تتكامل وعلى التلميذ أن يشبعها جميعًا فى مرحلة الدراسة، حينها سنجد أفرادًا لديهم وجدان ثرى، ومواطنًا مسئولاً بالمعنى الحقيقية للكلمة وفى ذات الوقت يكون مهنياً ولكن للأسف الشديد لا شىء من هذا يحدث فى التعليم.
وماذا عن الامتحانات التى أصبحت تمثل كابوسًا مزعجًا ومرعبًا للأسرة والطالب؟
- بالفعل نظام الامتحان فى مصر مشكلة كبيرة لأنه أصبح كما يقال في الفلك مثل الثقب الأسود الذى يمتص أى شىء حوله، والطالب منذ أن يدخل الحضانة هو وأسرته تصبح أعينهم على الثانوية العامة، وبالطبع يمنع الطالب من الاشتراك فى أى من الأنشطة سواء كانت رياضية أو فنية أو ترفيهية، لأن الأسرة تراها كلامًا فارغًا وعبثًا وتريد من ابنها أن يحصل على 98٪ فى الثانوية العامة رغم كثافة الفصول وطريقة التدريس، والمناهج العتيقة فتلجأ إلى الدروس الخصوصية التى ترهق ميزانيتها ثم تصرخ من أحوال التعليم.
هل «شاومينج» أهدرت نظام الامتحان؟
- هذا صحيح بدون شك، وبعد عدم وجود المعلم الذى يثير حماس التلاميذ ويحببهم فى المادة العلمية فى ظل معرفة متواجدة على النت والدخول إلى أى مكتبة فى العالم، وأيضًا عدم وجود المدرسة الجاذبة للطلبة بحجرات الرسم والمسرح الفنى، ولم تعد المدرسة بها المواطنة، والعملية التعليمية نقلت إلى السناتر والدروس الخصوصية، ولم يعد لدينا إلا الامتحان الذى ينبغى أن يتوافر فيه شرطان: العدالة وتكافؤ الفرص، ولكن جاءت «شاومينج» لتعصف بالمبدأين الأساسيين للامتحانات.
فى ظل المعطيات التى ذكرتها ما هو المنتج النهائى للتعليم المصري؟
- المنتج النهائى للتعليم كما نراه يا إما أولاد متطرفون يحملون السلاح ضد العلم والحضارة والمجتمع والديمقراطية، وأنا لا أدعى ولا أفترى عندما أؤكد أن جميع كوادر الحركة الإرهابية فى مصر منذ السبعينيات حتى الآن كانوا من كليات القمة مثل الطب والهندسة وغيرها، أو يفرز التعليم أناسًا لا يجيدون القراءة أو الكتابة ولا يكون لهم صلة بتاريخ مصر ولا آدابها ولا آثارها وهذه مخرجات التعليم.
إذن ما هى محاور أولويات إصلاح التعليم التى يمكن أن نبدأ منها؟
- نبدأ من فلسفة التعليم ذاتها، وأنا اعتبر أن المدرس والمنهج والفصول أدوات الوصول إلى فلسفة التعليم، والفلسفة التعليمية هى أن نسأل أنفسنا لماذا نعلم أولادنا، ثم نترجم هذا فى المدرسين والمناهج حتى نصل إلى الهدف، والمهم أن يكون لدينا أدوات نصل بها إلى هذا الهدف وهو المواطنة.
كيفية ترسيخ المواطنة فى التعليم؟
- بالاهتمام بالتركيز على مفاهيم المواطنة وترسيخها فى أبنائنا الطلبة وأن نجعلها أول أهداف التعليم، لأننا شعب يتمتع بأنه شعب قديم شديد الثراء والتنوع ما بين مسلمين ومسيحيين وكان فيهم يهودًا ونوبيين وسيناويين، وفلاحين وصعايدة وما بين سكان أحياء راقية، جدًا وما يسمى سكان العشوائيات، وأناس من أسر مثقفة إلى ناس من أبسط ما يمكن تصوره، وطلبة من أسر ليبرالية وأسر شيوعية وأسر متأسلمة، ومهمة التعليم أن يتعامل مع الأولاد من شتى هذه البيئات شديدة التنوع والثراء والتعدد، وتحول الانتماء الأول فيهم إلى انتماء ثانوى يجعل الانتماء الوطنى هو الانتماء الأول، وقبل ما المواطن يقدم نفسه بأى شىء فيقول إنه مصرى ثم يقرر أنه مسلم أو مسيحى أو فلاح أو صعيدى.. الخ.
تقصد العمل على فكرة قبول الآخر؟
- نعم وسأشرحها بشكل رمزى لو طفل مسيحى من الطبيعى أنه يعيش فى أسرة مسيحية ويرى الرموز والمصطلحات المسيحية وأسرته تصطحبه إلى الكنيسة ويرى فى المنزل الصليب وصورة السيدة «مريم» وإذا كان الطفل مسلمًا سيجد القرآن الكريم وصورة للكعبة وآية الكرسى، فكيف نجعل الطرفين يعلقان معا صورة ل «سعد زغلول» أو ل «عبدالناصر» أو «سيد درويش» أو «عبدالحليم حافظ» والمقصود هو تعظيم المشترك وتهميش المختلف وهذه المواطنة هى البداية.
هذا يحتاج إلى ترسيخ قوى للثقافة؟
- لا.. بل المرحلة التالية هى الإعداد للثقافة بالتعامل مع الأمية، ومصدرها التراث الشعبى والأمثال الشعبية والحواديت المتداولة والموروثة من الأجداد، وعندما يتم مناقشة أمر مع أمور المستقبل فى الوطن المفترض أن نجد حصيلة ثقافية عصرية تسمح للمواطن بأن يناقش ويختار الأفضل، وهذا ما جعل الدكتور «طه حسين» العظيم يطلق على كتابه فى التعليم «مستقبل الثقافة فى مصر».
على ذكر الدكتور «طه حسين» هذا الكتاب صدر عام 1938 ويصلح لهذا العصر، فما الجديد الذى طرأ على مشاكل التعليم الآن؟
- الجديد الذى طرأ أن المشاكل التى كانت سهلة وبسيطة حينها أصبحت مزمنة ومستعصية على الحل، ولنتخيل سنة 38 كان "أبويا" يقبض ما يصل إلى 12 ألف جنيه بحسابها بنفس الطريقة السابقة، وفى نفس العام كتب «طه حسين» هذا الكتاب العظيم وطالب قائلاً: على الدولة أن تضع كادرًا خاصًا للمعلمين، ويقول أيضًا: إذا كانت الدولة تضع كادرًا خاصًا للقضاة الذين يحكمون فى قضايا الأفراد، فما بالنا بالذين يحكمون فى قضايا المستقبل، وأيضًا «طه حسين» لاحظ الاهتمام بالامتحانات فقال: وأصبح التلميذ يكبر الامتحان وهو تافه، ويعرض عن التعليم وهو لب الحياة وخلاصتها، ولهذا أقول إن أساتذتنا فى الجامعات كانوا يشعرون بأن مستوهم فى مستوى طلاب «هارفارد» و«كامبردج».
هذه كانت المهنية فماذا عن الوعى والرؤية؟
- الأساتذة كان لديهم رؤية ووعى وحكى لى زميلى المهندس «كمال بولس» عندما كان طالبًا فى الأربعينيات عن المواطنة ودرجة الوعى لدى مدير مدرسة ثانوى وصل إلى أعلى درجة، وهو ابن تاجر ميسور وكان ولدًا وحيدًا على بنات، وكان يذهب إلى المدرسة بسندوتش كافيار أو جمبرى أو سيمون فيميه، ويبدو أنه تشاجر مع زميله وغضب منه لأن معه سندوتشات أقل منه، ووصل الأمر إلى مدير المدرسة فاستدعاهما وتحدث معهما وأصلح بينهما، وثانى يوم فى طابور المدرسة أعلن قراره بأن الساندوتشات المسموح الدخول بها فى المدرسة هى الفول والطعمية والجبنة البيضاء وما دونهما، وأى طالب يأتى بساندوتشات مخالفة ستأخذ منه ويلقى بها فى القمامة وهذا كان أدعى للمواطنة.
أستنتج من حوارك إنك تريد ربط التعليم بمشروع قومى وطني؟
- بالطبع.. لأنه من غير ربط التعليم بمشروع قومى وطنى سنحصد الرياح لأن كل أسرة تعلم أبناءها بطريقتها وتفكيرها وأظن أن قطع الصلة بين التعليم وبنى المشروع الوطنى سبب من أسباب التدهور الذى يعانى منه التعليم.
كيف حدث التدهور مع أن بداية التعليم الحديث فى مصر بدأ كمشروع وطنى قومي؟
- فعلاً.. وتعليمنا طوال 150 سنة فى مصر، كان رائد المشروع الوطنى، و«محمد على» كان مشروعه الوطنى إنشاء دولة قوية عسكرية تناوئ الأطماع الأوروبية والخلافة العثمانية، ولهذا أرسل البعثات، وفتح المدارس العسكرية ومدارس الألسن والمدارس العليا، كانت لخدمة هذا المشروع الكبير الذى يحتاج إلى محاسبين وأطباء ومعلمين ومهندسين وإدارة، فأصبح التعليم جزءًا من مشروع «محمد على» التوسعى، والخديوى «إسماعيل» عندما أراد أن يجعل مصر قطعة من أوروبا اهتم بالتعليم والثقافة وتعليم البنات وتعليم اللغات الأجنبية، وطور الأزهر واهتم بالمكتبات ودار الكتب والأوبرا، وثورة 19 كان الهدفان الكبار لها هما الجلاء من ناحية، والحياة الدستورية السليمة من ناحية أخرى، وكان مشروع التعليم جزءًا أساسيًا وكان طلاب الثانوى هم المكون الأساسى الذى يعتمد عليه الأحزاب السياسية فى مصر، وفى ظل ثورة يوليو 52، والتنمية المستقلة ومقاومة الاستعمار كان التعليم جزءًا من المشروع الوطنى، وعندما انهار هذا المشروع انهار التعليم، ونحن لا نعرف مصر هل تريد أن تكون دولة ليبرالية أم إسلامية أو اشتراكية؟ فانتهينا إلى الحالة الصعبة التى أشرت إليها فى سابق الحوار.
ما هو ترتيب التعليم فى مصر على المستوى الدولي؟
- للأسف الشديد ترتيب مصر آخر الدول العربية فى التعليم، وآخر تقرير عن «دافوس» للتنافسية الدولية حصلت مصر على المكانة رقم 139 من 140 دولة.
متى يصبح لدينا منظومة تعليمية متكاملة؟
- عندما تتوافر الإرادة السياسية لهذا الأمر والتى تستطيع التعامل مع مشكلات مؤسسات التعليم التى بها ما يزيد على 24 مليون إنسان ما بين معلمين وطلبة وإداريين.
ما هو أثر تغلغل الفكر الإخوانى فى المنظومة التعليمية؟
- تغلغل الفكر الإخوانى أثر فى التعليم تأثيرًا مدمرًا وله سلبيات كثيرة، لأن هذا الفكر شق المجتمع، وكلنا مررنا بالتجربة التعليمية ولم نكن نسأل زميلاً عن دينه هل هو مسلم أم مسيحى متدين أم لا؟ ولم يكن التعليم مناط تميز بين الناس، ولكن حاليًا للأسف الشديد يلتحق الطالب بمراحل التعليم ويهتم أن يعرف زملاءه المسيحيين وأساتذته المسيحيين، مع أن هذا ضد الهدف الأول من التعليم الذى يهدف إلى ترسيخ المواطنة، ثم أن فكر الإخوان أغلق على فكرة المستقبل أن خطابهم ماضوى وهدفهم أن يعودوا إلى عصر الصحابة والخلافة وتشبثهم بممارسات سخيفة، والمفهوم الحديث للعلم يتعارض تمامًا مع البديهيات الدينية التى تقوم على التسليم، والعلم يقوم على التشكيك.
تقصد الإجابات الجاهزة لديهم وهذا يعصف بالعلم؟
- نعم.. لأن الحقيقة العلمية هى الحقيقة التى تقبل التشكيك والحوار يدور حول الحقيقة العلمية لكن الدين قائم على المطلقات، وهذا الجزء أغلق على المستقبل، وكيف نشأ الكون وتطور الإنسان وحركة التاريخ، وما الدور الذى قام به الزعماء السابقون، والتلاميذ المفترض أن تقدم إجاباتهم وتحمل الشك والتصحيح لكن مثل هذه الجماعات تقدم إجابات تقوم على التراث الدينى للمسلمين، وأن المسلمين تأخروا عندما أهملوا الدين وأن الخلافة فرض فلماذا يفكرون فى المستقبل، طالما هذه الإجابات جاهزة ومعلبة، وما عليهم إلا فتح العلب وينتهى الموضوع.
التجربة التعليمية شهدت تجارب عديدة فما هى التجربة الأنسب لتطبيقها فى مصر؟
- أنا لا أعترف بالتجربة الأمثل، إنما لدينا المواصفات الأمثل لأن التجربة الخارجية ليس بالضرورة أن تصلح لنا فى الداخل، ولكننا نلاحظ عندما يسافر الرئيس إلى اليابان نجد البعض يطالب بتطبيق التجربة اليابانية فى التعليم، وهكذا لو سافر إلى الصين، وهذا كلام ليس له معنى بأن نحضر نظامًا تعليميًا مستقرًا فى دولة ما ونطبقه هنا، وإلا سنكون مثل واحد يريد أن يصبح ابنه يابانى، لأن النظام التعليمى جزء لا يتجزأ من النسق الاجتماعى والثقافى والانثروبولوجى، والسياسى للنسق العام فى الدولة، وليس قطعة أثاث نغيرها وقتما نشاء، ويوجد أقسام التربية المقارنة قائمة على هذه الأفكار ويقولون: اليابان لديها نظام امتحان جيد، لكنها تضعه فى ضوء الأعداد التى لديها والامكانيات المتاحة لها وطبيعة تقديم المنهج، فكيف يمكن الاستفادة من نظام الامتحان اليابانى فى الامتحانات المصرية؟ وكيف نطبق طرق التدريس هناك وننقلها هنا، للأسف الشديد يريدون أن نستلف نظامًا تعليميًا من الخارج وحينها سيصبح مثل «الإنترلوب» الذى أخذه «نور الشريف» من «محمود عبدالعزيز» فى مشهد فيلم «جرى الوحوش» وستكون نتائجه سيئة لأننا فى احتياج إلى مواصفات وليس إلى تجارب.
وما هى هذه المواصفات؟
- نريد مدرسًا يحترم مهنته، ويحبها ومعه إعداد جيد، ليكون مهنيًا حقيقيًا ومتابعًا لكل جديد فى مجال علمه، إذا كان فى التاريخ أو الكيمياء أو الأحياء.. الخ، حتى يكون قادرًا على أن يثير حماس التلاميذ، ولا يكون ملقنًا لهم، بل يفهمهم ويشرح لهم، ويعلمهم طريقة البحث والتدقيق والتعبير عن أنفسهم لأن نظام التعليم الحالى قائم على مفردات احفظ، تذكر، سمع، ونرد استبدال ذلك ب لاحظ، فكر، عبر.
وهل يوجد فى المناهج التعليمية ما يجذب الطالب إلى التعليم؟
- للأسف الشديد لا يوجد ما يجذب الطالب إلى مناهج التعليم، حتى لو كان فيه أسئلة تنشيطية لكنها يتم التعامل معها على أن ما لا يأتى فى الامتحان فهو غير ضرورى، فينتهى للمشهد المؤسف الذى رأيناه بأن المدرس يحضر تنورة ومشغل كاسيت ويحفظ التلاميذ على الكاسيت والتنورة، لأنه يريد تلقينهم وتحفيظهم بدلاً من أن يساعدهم على الفهم والتفكير ولهذا لا يعطيهم أدوات يتعاملون بها مع المجتمع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.