وأنت تتنقل داخل شق الثعبان، تشعر وكأنك فى منطقة «ترانزيت»، حيث الناس من كل شكل وجنس ولون.. سوريون، لبنانيون، وغينيون، وسودانيون، وصينيون، ومصريون طبعاً. وجود هذه التشكيلة من الجنسيات، له أكثر من دلالة، أولها أن سمعة شق الثعبان وصلت للعالمية، بدليل أنها جذبت رجالاً من آخر الدنيا، وأن العمل فى تلك المنطقة له جدوى اقتصادية كبيرة، ولهذا ترك البعض وطنه وأهله وناسه، وجاء ليعمل فى شق الثعبان. ويبقى الصينيون أكثر الأجانب تواجدا فى شق الثعبان، فأينما تولى وجهك هناك، ستجد صينياً.. ستجد بعضهم يمشى مترجلاً، وآخرين يتنقلون بسياراتهم الملاكى وفريق ثالث يعمل بهمة داخل المصانع وورش الرخام .. ومن كثرة أعدادهم ستشعر وكأنك فى ولاية صينية ولست فوق ارض مصرية!.. حكايات كثيرة سمعتها من مستثمرين وعمال مصريين فى شق الثعبان وجميعها فى فلك معنى واحد وهو أن الصينيين فى شق الثعبان يمتلكون ويديرون حوالى 20% من مصانع وورش الشق، البالغ عددها حوالى 2000 مصنع وورشة وهو ما يعنى أن 400 مصنع وورشة تحت سيطرة الصينيين. وحكاية الصينيين مع شق الثعبان تعود إلى أكثر من 10 سنوات مضت فوقتها بدأوا التسلل إلى «الشق» واكتفوا ساعتها بشراء بلوكات الرخام الخام ثم نقلها إلى الصين لتحويلها إلى منتجات رخامية مختلفة وإعادة بيعها وتصديرها إلى عدة دول من بينها مصر ذاتها والعجيب أنهم كانوا يصدرون بلوك الرخام بما يعادل 15 دولارا وهو سعر أقل من تكاليف نقل بلوك الرخام من أى محجر إلى منطقة شق الثعبان! ووجد الصينيون أن هذه العمليات تحقق لهم أرباحاً خيالية فكثفوا من تواجدهم فى شق الثعبان ولم يكتفوا بشراء كتل الرخام وإنما أغروا بالمال كثير من أصحاب المصانع والورش واستاجروا منهم مصانعهم وورشهم وأداروها بأنفسهم!.. فكانوا يعرضون تأجير الورشة أو المصنع لمده 5 سنوات ويدفعون الإيجار مقدماً وكاش، وعرضوا مبالغ تتراوح بين 600 ألف و 800 ألف جنيه لإيجار المصنع، وما بين 100 ألف و300 ألف للورشة، وأغرت هذه المبالغ الكثيرين، فأجروا مصانعه وورشهم و«ريحوا دماغهم» من الشغل ومشاكل العمال والضرائب وفواتير المياه والكهرباء وتركوا «الجمل بما حمل للصينيين». وفى المقابل فإن كل مستثمر صينى يتقدم بطلب للحكومة الصينية مرفقاً به عقد إيجار ورشة أو مصنع فى شق الثعبان، وعلى الفور سارعت حكومتهم بتلبية كل رغباتهم فمدت كل واحد منهم بأحدث الأوناش وآلات التقطيع بضمان عقد الإيجار. وطبعاً يستعين الصينيون فى المصانع والورش التى يستأجرونها بعمالة صينية وهى أقل سعراً وأعلى مهارة من العمالة المصرية وبالتالى فقد كثير من العمال والفنيين وظائفهم بسبب غزو العمالة الصينية وبدأت العمالة المصرية فى شق الثعبان. أغلب الصينيون العاملون فى مجال الرخام بمصر دخلوا إلى مصر إما بطريقة غير شرعية أو بتأشيرات سياحية مدتها 3 شهور ثم رفضوا مغادرة مصر ولم يجدوا أفضل من منطقة شق الثعبان للإقامة فيها خاصة أنها منطقة جلية ويسهل الاختباء فيها ولهذا دخلوا «الشق» ولم يخرجوا منه وأقاموا داخل المصانع والورش التى يعملون فيها. وجود الصينيون فى شق الثعبان أضر بجميع مستثمرى الرخام فى مصر كلها فبدأوا نشاطهم فى شق الثعبان بشراء الرخام والجرانيت بعد تقطيع البلوكات فى المصانع، واكتفوا بمهمة تلميعه فى المصانع الصينية المستأجرة، وكانت المصانع المحلية تحقق هامش ربح "معقول" ولكنهم لم يكتفوا بذلك، إذ صاروا يشترون بلوكات الخام كاملة دون تقطيع ليتولوا مهمة التقطيع والتلميع والتصنيع إلى منتج نهائى، ثم يطرحونها للبيع بأسعار أقل من مثيلاتها المصرية لأن معداتهم وعمالهم التى يستقدمونها من الصين، تتيح لهم إنتاج رخام اقل من نظيرة المصرى بفروق تتراوح بين 10% و25 %، ما يجعل المستهلك يتجه للشراء منهم والعزوف عن الشراء من المصانع التى يديرها ويعمل بها المصريون». داخل شق الثعبان التقيت عدداً من الصينيين، وجميعهم استقبلنى بابتسامة كبيرة ووجه بشوش وكأنه يعرفنى من سنوات طويلة !.. والمفاجأة أن الغالبية العظمى منهم لا يعرفون العربية ولا الانجليزية ولا حتى الفرنسية، فقط لا يتحدث سوى الصينية ومع ذلك يتعايشون ويتكيفون مع كل من حولهم من المصريين، ووسيلتهم الوحيدة فى التواصل مع المصريين هى الابتسامة ولغة الإشارة! والطريف أن بعضهم استدعى بناته وزوجاته للإقامة معهم فى حجرات أشبه بحجرات معسكرات الأمن المركزى فى كل حجرة ثلاجة صغيرة ووابور جاز وسرير بدورين! قليل جداً من المستثمرين الصينيين يعرفون اللغة العربية «المكسرة» كما يقولون ويعتزون بأدب جم عن إجراء حوارات صحفية، ولما سألتهم عن سبب اختيارهم للعمل فى مصر وفى شق الثعبان يأتى الرد : ابتسامة كبيرة، وعبارة واحدة «مصر أم الدنيا». ويقضى الصينيون يومهم فى العمل ولا يغادرون الورش أو المصانع إلا لشراء الطعام وفى الغالب يشترون طعامهم من سوبر ماركت شهير قريب من شق الثعبان وأغلب ما يشترونه المعلبات والعصائر والأرز.. يشترون كميات كبيرة تكفيهم على الأقل لمدة أسبوع حتى لا يغادروا شق الثعبان إلا 4 مرات على الأكثر شهريا. وحسب تأكيدات بعض العاملين المصريين فى شق الثعبان فإن الصينيين أحياناً ينصبون فخاخاً لصيد الكلاب ليلاً لتناول لحومها حيث يفضلون لحم الكلاب عن لحم الضأن المصرى!