وصف «هيرودوت» أهرامات الجيزة بأنها مكسية من الرخام المجلى الذى أكسبها جمالا وعظمة، وجاء فى التوراة أن الرخام استخدم فى بناء معابد أورشليم، وسجل التاريخ أن هذه الصخور الجيرية المتحولة ظلت على مدار العصور التى عرفت المدنية تستخدم فى أغراض الزينة، فى المبانى والقصور والنصب التذكارية. ورغم أن مصر لديها أكبر قلعة لصناعة الرخام، والموجودة فى منطقة «شق الثعبان» على طريق الأوتوستراد بالقاهرة، ورغم أهمية هذه الصناعة للاقتصاد المصرى.. فإنها مازالت تئن تحت وطأة الإهمال والنسيان الحكومى الذى حاصرها طويلا، ومؤخرا تعرضت هذه الصناعة إلى غزو صينى أصفر يهدد آلاف العاملين فيها بوقف الحال. «أكتوبر» دخلت «شق الثعبان» لتكشف حقيقة معاناة صناعة الرخام فى مصر.. فى البداية يقول المهندس أسامة العنكيلى صاحب ورشة لصناعة الرخام: إنه وعلى الرغم من الأهمية الاقتصادية والصناعية لمنطقة «شق الثعبان» باعتبارها قلعة صناعة الرخام فى مصر، وتحتل المركز الخامس عالميا فى تصنيع الرخام والجرانيت، فإنها لاتزال تعانى من غياب المرافق والخدمات ولاتعامل مثل المناطق الصناعية الاستثمارية بالمدن الجديدة من حيث توفير البنية الأساسية والمرافق والطرق، إلى جانب الأزمة الكبرى التى تهدد العمالة المصرية فى منطقة «شق الثعبان» حيث إن العمالة المصرية تتعرض لغزو العمالة الصينية التى غزت المصانع واستأجرت بعضها، مما أثر على أصحاب المصانع، فقد فوجئنا بالصينيين فى الفترة الأخيرة يشترون بلوكات الرخام، ويؤجرون مصانع مصرية، ويحضرون معداتهم وعمالهم ويصنعون الرخام، ثم يبيعونه فى مصر أيضا بفرق سعر يصل إلى 30% أقل من نظيره فى المصانع المصرية الأخرى، وبالتالى اتجه المشترى إلى الصينى، خاصة أن جودة تصنيعه أعلى وخاماته مصرية. وأضاف العنكيلى: معدل عملنا الآن لا يتجاوز 35% من معدلنا الطبيعى قبل اقتحام الصينيين لأسواقنا. يذكر أن «شق الثعبان» أطلق عليها هذه التسمية بين العامة نظرا إلى أن شكلها على الخريطة الجغرافية والذى يشبه شق الثعبان وكانت فى الأصل أحواشا لمحاجر المحافظة وهى منطقة مشهورة بمصانع الرخام العملاقة والتى أنشأها أهالى البساتين وغيرهم من محترفى هذه الصناعة. ثروات مهملة ورغم أن صناعة الجرانيت تشكل مصدرا أساسيا للدخل القومى، بحجم استثمارات بلغ 308 ملايين جنيه، فضلا عن كونها من الصناعات كثيفة التشغيل، حيث تضم نحو 300 مصنع ومئات الورش.. ويعمل بها نحو 25 ألف عامل بأحدث الماكينات.. فإن مصر خلال الأعوام العشرين الماضية كانت تعتمد على الرخام المستورد من الخارج، ولم يقم أحد باستغلال ثرواتنا من الرخام إلا القلائل والذين كانوا يقومون باستخراج الرخام بطرق بدائية وبكميات بسيطة جدا لا تذكر. وحول عملية استخراج الرخام يؤكد ابراهيم نجيب أحد عمال تقطيع الرخام أن العملية تتم من خلال التنقيب والبحث فى الجبال التى تحتوى على صخور ذات صفات محددة من ناحية الصلابة والكثافة واللون ثم تقطع كتلاً كبيرة وتسمى «بلوك» بواسطة آليات مصنعة خصيصا لهذه الغاية، ثم تنقل لمصانع الرخام التى تقطع وتعالج الكتل الصخرية الكبيرة وتحولها الى ألواح أو بلاطات صغيرة حسب حجم الكتل وصفاتها ثم تتم عمية الصقل والتلميع حسب حاجة السوق وتخزن فى المصانع، وبالتالى تكون هناك تشكيلات من الألوان و المقاسات يتم تسويقها وبيعها ككتلة واحدة. ويتناول أشرف على «عامل نقش» خيوط الحديث قائلا: إن المرحلة التالية فى عملية تصنيع الرخام عبارة عن صقل وتلميع الألواح، وتقوم بهذه العملية مصانع متخصصة فى الصقل والتلميع عن طريق جلايات ماكينة صقل وتلميع الجرانيت وهى ماكينة يدوية للصقل والتلميع، ويتم استخدام المياه لتخفيف الحرارة الناتجة عن عملية النشر، وأيضاً حتى لا ينتج عن عملية النشر برادة، ثم يتم تقطيع الألواح وتشكيلها حسب طلب المستهلك النهائى للرخام، وتقوم بها مصانع الصقل والتلميع المتخصصة أو مصانع النشر أو الورش المتخصصة فى تقطيع الرخام وتشكيلة حسب طلب المستهلك. من جهته أكد مدحت مصطفى رئيس شعبة المواد المحجرية باتحاد الصناعات أنه لايوجد أى تخوف من اقتحام الصين لسوق صناعة الرخام فى مصر، مشيرًا إلى أن الصين تعتبر أكبر مستهلك للمواد الخام المصرية حيث تستورد 50% من إنتاج محاجر مصر الذى يبلغ 4 ملايين طن فى السنة بمعدل 2 مليون ومائتى ألف طن سنويا، لذلك فإن اقتحام الصين لسوق صناعة الرخام فى مصر هو مكسب لتلك الصناعة والتى عاشت مهملة لعدة سنوات واضح أن الصين قامت بإنشاء بعض المصانع فى مصر حيث أصبحت تقوم باستيراد المواد الخام وكذلك تصنيعها بجودة ودقة أعلى من المنتج المصرى وقد ساعد فى ذلك التسهيلات التى تقدمها الصين للمستثمرين سواء أكان تمويل أو مساعدات خاصة لذلك فإنها تحقق استفادة ومكاسب عالية لافتًا إلى أن استراتيجية النهوض بتلك الصناعة ترتكز على توسيع دائرة الاستثمار الخارجى وإنشاء مناطق استثمارية بالقرب من المناطق المحجرية مما قد يحقق عائدًا سنويًا يبلغ عشرة مليارات دولار خلال 5 سنوات وهذا يتيح أكثر من نصف مليون فرصة عمل بجانب تنمية وتنشيط حركة الصناعة فى العديد من المحافظات الفقيرة خاصة فى صعيد مصر وفى سيناء حيث أن سيناء محور هام جدا فى صناعة المواد المحجرية، أما فيما يخص مشكلة منطقة شق الثعبان فإن تلك المنطقة هى منطقة عشوائية والحل الأمثل هو نقل المصانع بالقرب من المناطق المحجرية بكل محافظة وبالتالى نضمن توزيع المصانع على شتى المحافظات التى تقوم بإنتاج مواد محجرية وهذا سيؤدى لعائد يساعد هذه المحافظات فى التنمية وتوفير فرص عمل لأبنائها مشددًا على أن التوسع فى صناعة المواد المحجرية قد يجعل مصر أكبر دولة مصنعة ومصدرة للمواد المحجرية والتى تنتشر فى جميع ربوع صحراء مصر أما فيما يخص مشكلة العمالة المدربة فإن الأزمة تتلخص فى ثقافة العامل المصرى الذى لايريد التدريب ويكتفى بما لديه من خبرة اكتسبها من السوق وليس لديه الرغبة فى تطوير نفسه وأدائه بما يتماشى مع متطلبات السوق.