رغم أن الحكومة الليبية الجديدة تعول كثيرا على استرداد الأموال المنهوبة للإسراع بعملية إعادة إعمار البلاد، فإن الأطماع الغربية في ثروات هذا البلد العربي كان لها رأي آخر. ففي 19 ديسمبر، نقلت صحيفة "الخبر" الجزائرية عن مصدر أمني على صلة بالشأن الأمني بمنطقة الساحل القول إن شركات أمن أمريكية وغربية بدأت حملة بحث محمومة عن أطنان من السبائك الذهبية ومجوهرات نادرة ومئات الملايين باليورو والدولار، يعتقد بأن مقربين من العقيد الليبي الراحل معمر القذافي دفنوها في الصحراء بعد سقوط طرابلس في يد قوات المجلس الانتقالي. وأضاف المصدر الجزائري أن سلطات النيجر أوقفت ليبيين اثنين بعد تسللهما إلى أراضيها وبدأت تحقيقا حول تعاونهما مع شركة أمنية أمريكية تعمل على البحث عن أموال القذافي وكنوزه التي يشتبه بأنها مدفونة في الصحراء الغربية في ليبيا . وتابع أن الليبيين كانا بحوزتهما أسلحة فردية وأجهزة اتصال متطورة وكلفا من قبل شركة الأمن الأمريكية بمهمة استدراج أحد قادة مخابرات القذافي الذي يعتقد بأنه تمكن من الفرار إلى النيجر قبل عدة أسابيع،ورجح أن يكون الرائد "مويجي" واسمه الكامل هو سعيد قمان وتردد أنه كان أكثر المقربين من القذافي في الأسابيع الأخيرة من حياته قبل مقتله في أكتوبر الماضي. واستطرد المصدر"مويجي بات من أهم المطلوبين لأجهزة الأمن والمخابرات في دول غربية مهتمة بملاحقة الأموال التي سحبها القذافي قبل مغادرة طرابلس"، مشيرا إلى أن ما لا يقل عن 4 أطنان من الذهب، وما بين 200 و500 مليون دولار من الأموال السائلة التي كان يتحكم بها العقيد القذافي وأغلبها سحب من بنوك ليبية،ما زال مصيره مجهولا. وكشف المصدر الجزائري أيضا أن طائرات استطلاع غربية مجهزة بأجهزة كشف المعادن وأجهزة تحديد المواقع الفضائية "جي. بي. اس" مسحت مناطق واسعة في الصحراء الليبية خاصة "الحمادة الحمراء" القريبة من الحدود مع تونس والجزائر في غرب ليبيا، ومنطقة "تينوهان" في الغرب وصحراء "فزان"بعد اكتشاف كمية من السبائك الذهبية المدفونة في الصحراء قرب بلدة هون وسط ليبيا. وأشار كذلك إلى أن الحدود الجزائرية الليبية شهدت في الأسابيع الأخيرة تحليقا مكثفا لطائرات استطلاع كانت تطير على ارتفاعات منخفضة ويعتقد بأنها كلفت من قيادة حلف الأطلسي "الناتو" بمسح الصحراء الليبية في مواقع عدة في غرب ووسط البلاد،بحثا عن ما بات يسمى "كنوز معمر القذافي". وانتهت "الخبر" إلى القول إن التحقيقات تشير إلى أن القذافي أوكل مهمة إخفاء الأموال التي كانت بحوزته للرائد "مويجي" واحتفظ بكمية قليلة من المال كان يحملها معه ويعتقد بأن عملية إخفاء الأموال تمت في منتصف شهر سبتمبر الماضي في مكان تحت الأرض في الصحراء الغربية الليبية. ورغم أنه لم يصدر تعليق رسمي من الحكومة الليبية على ما سبق ، إلا أن ما ذكرته "الخبر" يحمل مؤشرات خطيرة حول خطط الغرب لنهب الثروات الليبية سواء تلك المتعلقة بالنفط أو بالأموال المنهوبة في عهد القذافي للخروج من أزمته الاقتصادية الخانقة. ولعل ما يضاعف من المخاوف في هذا الصدد أن التقارير حول كنوز القذافي تضاعف أطماع الغرب وترجح أنها لن تصل أبدا إلى يد الليبيين في حال العثور عليها ، خاصة وأنها تبدو الحل الأسرع لعلاج الأزمة الاقتصادية الخانقة في الولاياتالمتحدة في عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وكانت صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" الأمريكية كشفت في وقت سابق أن مسئولين ليبيين رفيعي المستوى قدروا ثروة القذافي بأكثر من 200 مليار دولار، وهو ضعف المبلغ الذي كانت تشتبه به حكومات غربية. ونقلت الصحيفة عن المسئولين الليبيين القول إن القذافي هرب سراً أكثر من 200 مليار دولار في حسابات مصرفية وعقارات واستثمارات في شركات حول العالم، أي ما يعني 30 ألف دولار عن كل مواطن ليبي، وضعفي المبلغ الذي كانت تشتبه به الحكومات الغربية. وأشارت "لوس أنجلوس تايمز" إلى أن القذافي كان أرسل عشرات المليارات الإضافية إلى الخارج على مدى سنوات، وقام باستثمارات مربحة في العديد من الدول من ضمنها الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، وضعت بمعظمها تحت أسماء مؤسسات ليبية، ولكن كانت تحت تصرف العقيد الراحل وأفراد عائلته، موضحة أن القذافي كان عزز استثماراته الخارجية خلال السنوات الأخيرة وأن معظم أمواله بالولاياتالمتحدة التي تم تجميدها وتقدر ب30 مليار دولار، تمت خلال السنوات الأربع الماضية، أي بعد تخليه عن السلاح النووي. ومن جانبها ، ذكرت صحيفة "الجارديان" البريطانية أنه يصعب تقدير حجم الثروة التي كان يملكها القذافي وعائلته في ظل غياب أرقام وإحصائيات تؤكد حجم الأموال التي هربها إلى الخارج أو التي أخفاها داخل البلاد طيلة أربعة عقود من جلوسه على عرش إحدى أغنى دول العالم المنتجة للنفط. وتابعت الصحيفة أن فجوة كبيرة من مليارات الدولارات كانت تظهر سنويًا بين عائدات النفط والغاز الليبي وبين الإنفاق الحكومي، مؤكدة أن هذا الخلل الواضح بين حجم العائدات وحجم الإنفاق كان هو المصدر الرئيسي لثروة القذافي وحاشيته. وبالنظر إلى أن الحكومة الليبية الانتقالية لاتمتلك أدلة موثقة حول ثروة القذافي الحقيقية، فإن التقارير المتضاربة السابقة تصب أكثر وأكثر في صالح مخططات الغرب لنهب المزيد من الثروات الليبية. وبصفة عامة، فإن هناك صعوبات بالغة في استعادة الأموال الليبية المنهوبة، إلا أن هذا لايعني انتشار اليأس في البلاد، حيث أن ليبيا تعتبر ثاني أكبر دولة منتجة للنفط في إفريقيا ويقدر حجم احتياطاتها بأكثر من 45 مليار برميل، كما تمتلك احتياطات من الغاز الطبيعي تقدر ب1500 مليار متر مكعب، الأمر الذي يطمئن ثورة 17 فبراير بأن المستقبل أفضل في حال الإسراع بإعادة الاستقرار للبلاد والحذر في التعامل مع الغرب.