لم تمتلك نفسها عندما شاهدته أعلى سطح مبنى مجلس الشعب يرمى شباب المتظاهرين بالحجارة، كذبت عينيها وضعت يدها على قلبها، فركت فى عينيها، اقتربت من شاشة التليفزيون: هو، هو.. معقوله معرفش ابنى.. يا مصيبتي.. انفجرت في نوبة بكاء، ما الذي جعلك تعتلى سطح المبنى؟، لماذا ترمى إخوانك بالحجارة؟، هل ذهبت لتخدم الوطن أم لتضرب إخوانك في التحرير؟، هي دى فترة التجنيد؟، ما الذى جاء بك من الحدود إلى شارع القصر العينى؟، ما الذي ستقوله للجيران؟، كيف سأبرر صورته وهو يصيب أو يقتل المتظاهرين؟، كيف سأواجه أهل البلد؟، هل أتنكر، أؤكد أنه يشبهه؟، طلبت من ابنتها أن تتصل به على المحمول، بعد فترة من تواجده خارج الخدمة. ألو أمى، إزيك يا أمى وحشانى شفتك على التليفزيون بجد يا امى هى دى فترة التجنيد.. هقول إيه لأهل البلد.. بترمى المتظاهرين بالطوب.. بتعورهم.. بتموتهم؟؟ يا أمه. هم دول أعداء البلد اللي بتحاربهم. هم اللى أمرونا نحدفهم بالطوب، يا امى.. البلد كلها شافتك، بيقولوا: موتوا ثمانية، وزميلك شوفناه بيبول على المتظاهرين. أصل. مش عارفه هورى وشى للناس ازاى، مين اللى هيتقدم ويتجوز أختك، هيجلها إزاى وأخوها بيقتل المتظاهرين. والله يا امى. أبوك بأى وش هينزل الغيط، هيقول إيه للرجاله، هيقدر يرفع راسه ويفتخر بيك، هيقدر يوريهم وشه فى الجامع، هيقول لهم ايه: اللى شوفتوه على التليفزيون مش ابنى، ده يشبهه، أبوك على آخر الزمن هيكدب، بعد الشيبة دى يطلع كداب.. يا امى. أول امبارح كنت مع خالتك، بحكيلها وبقولها بعد ما يخلص الجيش أبوه هيشغله بالدبلوم معاه وهينزل الأرض يزرعها، وهجوزه لست البنات اللى تهنيه وتمتعه بشبابه.. الظابط.. أختك هتروح المدرسة ازاى، تعرف تقول لى هتقول ايه للبنات فى الفصل. يا امى اسمعينى. داك النهار مسكت بطة وقلت دى ليك، كل يوم أقعد وأزغطها، لما تنزل أجازة ادبحهالك تبر نفسك، وقلت يا بت: اعمليلوا معاها فتة وشوية ملخية، اصله يا حبت عينى جيشه فى الصحرا والأكل كله نواشف. ال أبوك قال لى: نفضيلوا القاعة اللى فوق ونبلطها ونبيضها، وربنا يقدرنا تدخلى جمعية ونشترى له أوضة نوم حلوة ونفرح بعياله. وربنا هم هقول للنسوان فى البلد: مش ابنى اللى يقتل المتظاهرين، واللى شوفتوه فى التليفزيون ده شبهه، ابنى راجل وأنا ربيته كويس، وعمره ما يعمل حاجه تشينه أو تشين وتكسر أبوه .. أنا ده عمره ما عصانا، ولا عمره تنى كلمه لأبوه.. اتصل بصحابك فى البلد وقول لهم انك فى العريش على الحدود، واحكي لهم عن الصهاينة اللى واقفين الناحية التانية، واللى يسألك على القصر العينى، قول له: أنا واقف بسلاحى احرس حدودنا، هو فيه جندى بيحدف المتظاهرين بالطوب. تركت التليفون لشقيقته وانخرطت في نوبة بكاء.