مازال شعب مصر العظيم يحتكم إلى صناديق الانتخاب لاختيار أول برلمان حر نزيه، بعد ما يقرب من ستين عاما من حكم العسكر، رأينا فيها القهر والظلم وكبت الحريات وتزييف إرادة الشعب. وأعود فأكرر إن الاختيار مسئولية كبيرة وأمانة، تقع على عاتق كل من يذهب الى صناديق الانتخاب.. أقول إنها مسئولية كبيرة لأن الحابل قد اختلط بالنابل في مسألة الترشيحات، وأصبح الناخب في حيرة من أمره.. من يختار في وسط هذا الخضم الهائل من المرشحين، فلم يعد يتقدم للترشيح من يرى في نفسه القدرة والإخلاص والأمانة على تحمل مسئولية العمل البرلماني، ولو كان الأمر كذلك لفكر كل مرشح ألف مرة قبل ترشيحه، ولأصبح الأمر سهلا على الناخبين، ولكن دخل في لعبة الترشيحات الكثير من الرويبدة – والرويبدة في اللغة هم الجهال الذين يتحدثون في أمور العامة -، وهؤلاء الرويبدة لا هدف لهم من الترشيح إلا الحصول على الحصانة والعمل لمصالحهم الشخصية، والتستر خلف عضوية المجلس للتهليب ولكسب المزيد من الشهرة والمال بكافة الطرق، لا فرق عندهم بين حلال وحرام، المهم أن تتضخم ثرواتهم، ويدخلون في عداد أصحاب الملايين، اما بلدهم مصر الذي يحتاج الكفاءات البرلمانية، ومن لديهم القدرة والأمانة على التشريع والرقابة، فهذا أمر لا وزن له في ضمائرهم، التي ربما قد ماتت من زمن. وأنا أعرف الكثير من أعضاء مجلس الشعب في عهد مبارك البائد، الذين كانوا فقراء ومعوزين.. حفاة عراة قبل دخولهم المجلس، ثم اغتنوا بعد العضوية وتطاولوا في البنيان، وصاروا من أصحاب الأموال الكثيرة والأراضي والعقارات، فمن أين لهم ذلك؟، ولم يسألهم أحد من أين لكم هذا؟، فقد كان الفساد في قمة زهوه وانتصاره وقوته وجبروته، وهؤلاء الى جانب عجزهم عن التشريع والرقابة، لم يكن لديهم وقت لمتابعة مشاكل الشعب وحلها. لذلك نعود ونؤكد أن أصوات الناخبين أمانة، يجب أن توضع في موضعها الصحيح، فلا يحصل عليها جاهل أو منتفع أو تاجر بقوت الشعب أو لص من لصوص المال العام أو معاون للظلم والديكتاتورية وكبت الحريات. إن الصوت الانتخابي شهادة يقدمها الناخب لمن يصلح فقط، فإذا قدمها لغيرة فقد زور في شهادته وخان الله ورسوله، لأنه شهد بصوته لرجل لا يصلح نائبا عن الشعب. وإننا نريد في هذه الانتخابات رجالا مخلصين أمناء، يتقون الله، ويحاربون الفساد، ويسعون جاهدين لحل مشاكل الناس والتخفيف من الأعباء الملقاة عليهم. نريد نوابا يحبون الله ورسوله ويعملون على إعزاز شرع الله وحكمة، ويرفضون أي تشريع يخالف شرع الله تعالي، ويسعون لأسلمة القوانين تحت قبة البرلمان.. فكفانا قوانين وتشريعات وضعية أوقعتنا في بحر من المشكلات، وحولت حياتنا الى ضنك مستمر، ولك أن تحدث ولا حرج عن الديون والبطالة والعنوسة والفقر والمجاعات والمشاكل السكانية والعشوائيات والجرائم والمنكرات التي ورثناها عن العهد البائد، والتي نراها عيانا بيانا في الواقع المعاش وعلى شاشات التلفاز، الذي لا يراعي في المؤمنين إلا ولا ذمة. نريد نوابا يقاومون الظلم والديكتاتورية ويرفعون رايات الحرية والديمقراطية، ويقفون بالمرصاد لكل من يريد سلب حرية الشعب والاعتداء عليها، ويقاومون الفساد والمفسدين مهما علت مناصبهم. أما الجهلة والرويبدة والحفاة العراة فلا صوت لهم عندنا اليوم وبعد اليوم.. اذا أراد شعب مصر حياة كريمة في ظل برلمان يعمل لصالحه لا لصالح نوابه.