أسفرت المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية عن جملة من الملحوظات، كان أهمها فوز الإسلاميين بالنصيب الأكبر من المقاعد في نظامي القائمة والفردي، كما لوحظ أن نسبة الأصوات الباطلة مرتفعة، والتي تجاوزت 550 ألف صوت – على حد تصريحات رئيس اللجنة العليا- بينما اختفى الناخبون في جولات الإعادة على عكس ما ظهر في الجولة الأولى. ونحو تفسير هذه الظواهر استطلعت "بوابة الوفد الإلكترونية" آراء عدد من المثقفين حول ملحوظاتهم على المرحلة الأولى بجولتيها. في البدابة أكد الروائي أحمد صبري أبو الفتوح على وجود خلط ين الثورة والعملية الانتخابية؛ فالثورة لا تزال مستمرة في الميدان؛ بينما تجرى الانتخابات في الغرف المغلقة، وكانت الانتخابات خطوة في طريق وأد الثورة في مهدها، وهو ما يفسر العدد الكبير من الأصوات الباطلة، وعزوف الناخبين عن التصويت في جولات الإعادة. وقال أبو الفتوح:" في ظني هناك سببان لتفسير ظواهر المرحلة الأولى، الأول: الثوار يرون إجراء الانتخابات عبثا، وقفزا على الثورة، والآخر يُشير إلى أن الشعب لم يأخذ فرصته كي يُمعن النظر في السبل المتاحة؛ فالأمر كله تم بالاتفاق بين "العسكري" و"الإخوان"، بمباركة أمريكية؛ تعهد فيها الإخوان بالحفاظ على وضعية البلاد وتبعيتها، وتعهدت أمريكا بالضغط على المجلس العسكري لإجراء الانتخابات. واضاف: "روج الإخوان أنفسهم في الولاياتالمتحدة، باعتبارهم الشكل الآمن مقارنة بالفزاعة السلفية، على الرغم من أن أمريكا جربت الوهابيين في السعودية، الذين يكفرون العالم برمته ثم يصادقون أمريكا وينفذون أجندتها". وحول دور القوى المدنية خلال هذه المرحلة، اتهم صاحب رواية "ملحمة السراسوة" القوى المدنية بالتخاذل، وتقديم طعنة لقوى الثورة المدنية، قائلا: "الوفد مثلا ارتكب جريمة بالتحالف مع "الإخوان"، الذين تركوه في العراء، وكان أجدر "بالوفد" أن يتحالف مع القوى المدنية، كذلك "الكرامة"، ولا أفهم الحسابات التي بنى عليها "صباحي" تحالفاته، وأسأله كيف تقدم نفسك كمرشح للرئاسة ولا تستطيع أن تفوز ببضع مقاعد دون مساندة "الجماعة". ووصف أبو الفتوح ما تم "بالانتهازية السياسية"، التي لا شأن لها بالثورة، ولا قوى التغيير، فالأمر لا يعدو أن يكون ركضا وراء مكاسب آنية، وحين قال الإخوان لهم: لا وزن لكم وما سنقدمه هو الفتات، خرجت هذه القوى من التحالف لكنها لم تجد الوقت الكافي في ترتيب صفوفها. من جانبه أشار الشاعر والباحث في العلوم السياسية ممدوح مكرم إلى أن كثيرا من الناشطين قاموا بمقارنة القوائم والأفراد، إلا أنهم وجدوا أن جميع التيارات تتبع نفس طريقة الدعاية المتبعة قبل الثورة، وكأن لا توجد ثورة فأصبنا بالإحباط. وأكد مكرم على أن كل التيارات "تقريبا" قامت بنفس المخالفات، فبعض مرشحي "الكتلة" استخدموا الأموال كما استخدمتها "القوى الدينية"، واستخدم البعض الكنائس في الدعاية والحشد مثلما استخدمت المساجد من قبل التيار الديني، ما يثبت أن الخلاف بين كافة التيارات ليس جوهريا؛ بخاصة تجاه الرؤية الاقتصادية والاجتماعية. وأوضح مكرم أن أسباب إبطال المصريين لأصواتهم بهذا الشكل يمكن رده إلى أن قطاعا عريضا من "الشباب" لم يروا في القوائم والأفراد القدرة على تحقيق أهداف الثورة، كذلك هناك من أبطل صوته حسما لصراع منح الصوت للإسلاميين أو لأحزاب هشة ضعيفة، فبالتالي يصبح "بطلان" الصوت حلا حتى إشعا ر آخر؛ وهناك أسباب نفسية، تتعلق بحالة الإحباط التي مازالت تسيطر على الناس؛ فضلا عن عدم معرفة الناس بكيفية التصويت، والتي أجبرت عليه خوفا من الغرامة أو المساءلة. وأضاف "الفيس بوك" لعب دورا في ترويج فكرة "إبطال الصوت"؛ حيث كانت هناك دعوات للنزول للانتخابات دون مساندة أي تيار، فبدا الأمر شبه منظم، لكن لم يكن منظما بشكل تام، وهو ما يفسر وجود آلاف البطاقات المكتوب عليها "يسقط حكم العسكر" أو "لا دستور ولا انتخابات قبل ما ناخد حق اللي مات". أما الدكتور عمرو ربيع هاشم خبير الشئون البرلمانية بمركز الأهرام، فرأى أن نسبة الأصوات الباطلة ليست كبيرة وإنما هي دون المتوقع، بخاصة في ظل عدم معرفة الناس بكيفية التصويت، ولا بآليات الاختيار في نظامي القائمة والفردي. وفسر هاشم عدم إقبال المصريين على التصويت في جولة الإعادة بخروج القوائم من المنافسة، فضلا عن ميل الشعب المصري "للطلعة الأولى" وللانبهار بطوابير الانتخابات وتقليدها، ولا يمنع ذلك وجود تقصير من المتنافسين في الترويج والدعاية لجولات الإعادة؛ حيث يوجد قطاع من الناخبين ليس على دراية بوجود جولة إعادة. وأضاف: "أتوقع أن نسبة التصويت والمشاركة لن تقل في المرحلتين التاليتين عن المرحلة السابقة، وإن كنا لا نعرف نسبة المشاركة على وجه الدقة، نتيجة تخبط اللجنة العليا في تصريحاتها وبياناتها، كما أتوقع حصول الإخوان على نفس النسبة، بينما ستتراجع نسبة السلفيين بخاصة بعدما أفزع الناس حصولهم على هذه النسبة". من جانب آخر رأى الدكتور حسنين كشك أستاذ علم الاجتماع، أن أسباب العزوف عن التصويت في جولات الإعادة يُسأل فيه الناس، ويحتاج إلى بحث ميداني أولا قبل الإجابة عليه، والحقيقة أن الإعلام الرسمي الذي أزعجنا "بالعرس الانتخابي" هو ذاته تكلم عن العزوف، فهل تغير مزاج الناخبين بهذه السرعة؟ وأين ذهبت طوابير الإخوان والسلفيين وهم لديهم قدرة على الحشد؟ مع العلم أن هناك معارك بين التيارين لم تُحسم بعد. وأكد كشك على أن التخبط في تصريحات اللجنة العليا متعمد، وكافة الأخطاء التي ارتكبت هي تكرارلأخطاء الانتخابات السابقة، مشددا على أن الأمر بدا للناس على أنه غير جاد فانشغلت بمسئولياتها، نافيا في الوقت نفسه إقبال الناخبين في المرحلة الأولى نتيجة ضغط الغرامة، قائلا: صوت الناس من قبل في استفتاء مارس ولم يكن هناك حديث عن غرامة أو عقوبة.