يبدو أن مصر تدخل مرحلة أكثر صعوبة خلال الأيام القادمة. فقد ألمح الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى اتخاذ إجراءات تقشفية خلال الفترة المقبلة لمواجهة الأزمة الاقتصادية، وقال إنه لن يتردد في اتخاذ إجراءات وصفها ب «الصعبة» في إطار خطة الإصلاح. ولفت في كلمته، أمس الأول، خلال افتتاح مجمع صناعي بمحافظة الإسكندرية، إلى الإجراءات التي اتخذها الرئيس الراحل أنور السادات عام 1977 لمواجهة الأزمة الاقتصادية وأضاف : «أول محاولة للإصلاح سنة 77 ولما حصل عدم قبول من المواطنين كل الحكومات تحسبت من محاولات الإصلاح وخافت من ردود الأفعال». وأوضح الرئيس أن زيادة عدد العاملين في المؤسسات الحكومية أسهمت في زيادة العجز في الموازنة، مؤكدا في الوقت نفسه العمل على وضع برنامج لحماية الفئات الأكثر فقرا من خطة الإصلاح المزمع تنفيذها. وكان الرئيس الراحل السادات قد اتخذ قرارا برفع الدعم عن 30 سلعة استراتيجية كالخبز والسكر والأرز، وهو ما أدى إلى انتفاضة شعبية لم يستطع الرئيس الراحل الصمود أمامها ليتراجع سريعا عن خطوة اعتبرها وقتئذ هامة في طريق الإصلاح الاقتصادي. وحديث الرئيس عن خوف الرؤساء السابقين من تنفيذ خطة إصلاح حاسمة تحسبا للرد الشعبي، يفتح الباب أمام التساؤل حول مدى قدرة الشعب على تحمل دفع فاتورة أخطاء القيادات السياسية طيلة 40 سنة. والوضع الاقتصادي يحتاج إلى تكاتف الجهود الرسمية والشعبية للخروج من الأزمة واستيعاب خطة الإصلاح المزمعة، وفق رأي سياسيين تحدثوا للوفد، وآخرون اعتبروا حديث السيسي بمثابة تهديد للمصريين، حال اعتراضهم على ما ينوي اتخاذه من قرارات خلال الفترة القادمة. أكد ممدوح قناوي رئيس الحزب الدستوري الحر، ضرورة تضافر جهود جميع فئات الشعب وراء رئيس الجمهورية والقيادة السياسية من أجل تنفيذ روشتة الإصلاح الاقتصادي. وأشار في الوقت نفسه إلى أهمية توزيع أعباء تلك الروشتة على الفئات القادرة وغير القادرة بدون ظلم للأولى والتخفيف على الثانية، داعيا إلى اختيار رئيس حكومة جديد من العسكريين لمدة ثلاث سنوات لضمان تنفيذ الإصلاح الاقتصادي وفق رؤية القيادة السياسية بدلا من المدني الذي يفتقر للكفاءة، وفق وصفه. وتوقع «قناوي» أن يتحمل المصريون الإجراءات التقشفية التي ألمح لها السيسي في خطابه الأخير بغية الإصلاح الاقتصادي، وأردف:« خطة الإصلاح تنفذ من أجلهم وطبيعي أن يستوعبوها ويشاركوا في تنفيذها». وأيد الدكتور خالد رفعت رئيس مركز طيبة للدراسات السياسية، مبدأ رفع الدعم لكنه اختلف في توقيت اتخاذ القرار، مطالبا بإنشاء شبكة حماية اجتماعية أولا تتضمن توفير فرص عمل للقضاء على البطالة، وإيجاد فرص للاستثمار الداخلي والخارجي. وأشار إلى تجربة دول شرق آسيا في النهوض الاقتصادي التي اعتمدت على الصناعة المحلية كثيفة الإنتاج والامتناع عن القروض الخارجية، محذرا من عدم الرضا الشعبي تجاه خطة الإصلاح التي تنتهجها الحكومة الحالية. أما الدكتور يحيى القزاز القيادي بحركة 9 مارس، فقال إن الاقتصاد المصري يعاني من حالة تدهور خطيرة لا يمكن ربطها بتأجيل خطط الإصلاح نحو أربعين سنة، معتبرا إشارة السيسي للإجراءات التي اتخذها السادات في عام 1977 وخرجت على إثرها مظاهرات غاضبة بمثابة رسالة تخويف وتهديد للمصريين إذا ما فكروا في الاعتراض على ما تنتويه القيادة السياسية الحالية. وقال إن الأزمة تكمن في الإصرار على التعامل مع معطيات العصر وفق سياسات قديمة وعدم وجود مجموعة اقتصادية قادرة على استيعاب الوضع الحالي بشكل يمكنها من وضع حلول عاقلة، وتساءل مستنكرا : «كيف نواجه أزمة اقتصادية رغم توقيع اتفاقيات استثمار بلغت قيمتها 43 مليار دولار خلال المؤتمر الاقتصادي الذي عقد العام الماضي وحصول مصر على مليارات الدولارات كمنح ومساعدات خليجية وافتتاح محور قناة السويس؟». واعتبر «القزاز» الحديث عن رفع الدعم عن المواطنين والتلميح للاستغناء عن موظفين بالدولة تجريفا للدولة المصرية، مؤكدا أن الشعب سيستوعب خطة الإصلاح حال تنفيذها بشفافية ومنهجية عالية، مع توفير فرص عمل لملايين الشباب العاطل وزيادة الأجور للعاملين. وحذر القيادي بحركة 6 مارس من تجاوز الرغبة والقدرة الشعبية في تحمل الإجراءات التقشفية، وتابع :« الشعب لن يتحمل وحده دفع فاتورة 40 سنة من الفشل». من جانبه قال البدري فرغلي النائب البرلماني السابق ورئيس اتحاد أصحاب المعاشات، إن الدولة عجزت منذ عام 1977 في الإصلاح الاقتصادي، وهو ما لم يعد يتحمل تبعاته المصريون. وأضاف أن الطبقات الفقيرة ليست مسئولة عن الأخطاء الاقتصادية لتتحمل فاتورة تداركها، مشيرا إلى أن ما سماه القوانين سيئة السمعة التي تنتظر موافقة البرلمان مثل قانون القيمة المضافة وقانون الخدمة المدنية وقانون التأمين الصحي.