التقرير الذى أصدره البرلمان الإنجليزى خلال الأيام القليلة الماضية حول غزو العراق عام 2003 والمعروف ب(تقرير شيلكوت) لم يكن اكتشافا ولا مفاجأة. كان أحرار العالم يعرفون أن بريطانيا العظمى خططت مع الولاياتالمتحدة لتدمير بغداد ونهب كنوزها وإبادة ذاكرتها تحت حجج وأكاذيب لا أساس لها من الصحّة. كان كل ذى ضمير يعرف أن الهدف ليس إسقاط صدام حسين وبناء (عراق جديد)، وإنما تدمير دولة تضرب بجذورها فى أعماق التاريخ، وتوالت عليها حضارات وثقافات عريقة، فى الوقت الذى كان فيه أجداد الغزاة البيض يعيشون حياة بدائية بربرية. أعلن (شيلكوت) تقريره فى مليونين ونصف مليون كلمة بعد 13 عاما من الكارثة، لكنه لم يقل من سيدفع ثمن الجريمة، وهل ستكون آخر جرائم الإمبراطورية، أم أنها استراحة قصيرة تستأنف بعدها الإمبراطورية «نشاطها» فى تأسيس مجدها على شرب الدم؟ يخطئ من يظن أن تونى بلير رئيس وزراء بريطانيا وقت الحرب هو المسئول عن الكارثة بتواطؤه مع الجزّار الأمريكى جورج بوش. لا. ليس «بلير» هو المجرم الوحيد. ليس «بلير» سوى (ابن بار) للإمبراطورية وإرثها الاستعمارى وثقافتها العنصرية. ليس «بلير» إلا الضمير الصريح الدموى لبريطانيا التى استعمرت معظم شعوب العالم، واختصت المنطقة العربية بنصيب الأسد من التدمير والتفتيت بدءاً من (سايكس بيكو) وحتى زرع (إسرائيل) كجسد سرطانى غريب يتغذى على لحم العرب. يقول الكاتب البريطانى ستيوارت ليكوك فى كتاب صدر حديثاً بعنوان: «جميع الدول التى غزوناها والدول القليلة التى لم نصل إليها»، إن بريطانيا غزت فى أوقات مختلفة 200 دولة فى جميع أنحاء العالم باستثناء 22 بلداً . وأوضح أن الدول التى لم تتعرض لغزو البريطانيين هى أندوراس، بيلاروسيا، بوليفيا، بروندى، جمهورية إفريقيا الوسطى، تشاد، الكونغو، غواتيمالا، ساحل العاج، قرغيزستان، ليخنشتاين، لوكسمبورغ، مالى، جزر مارشال، موناكو، منغوليا، باراجواى، سا تومى وبرينسيبى، السويد، طاجيكستان، أوزبكستان، والفاتيكان. وأضاف أن بعض البريطانيين يتحدث عن الماضى قائلا: «أرتدى نظارتى الشمسية دوماً لأننى من المملكة التى لا تغيب عنها الشمس». نظارات شمسية إذن لحجب ضوء الشمس حتى لا تؤذى عيون الإنجليز البيض، لا لتخفى دماء ملايين القتلى ووجوه ملايين الجوعى فى البلدان التى نهبوها ودمروها. ليقل (شيلكوت) ما يريد، لكننا نعلم تماما أن تقريره ليس لحظة توبة ولا ندم، وإنما هو (غسيل للضمير الأوروبى) حتى يواصل جرائمه القادمة (على بياض)، وهو أيضا محاولة للحفاظ على ثوابت الإمبريالية الغربية فى الديمقراطية والشفافية وحرية المؤسسات، والتى باتت مجرد (كليشيهات) مفضوحة أمام ضحايا ومشردى وجياع العالم. من يعاقب مجرمى الحرب؟ من يتحمل تكلفة تدمير العراق؟ هل يتعلم العرب من الكارثة؟ هذه بعض الأسئلة التى يجب طرحها، بدلاً من الإشادة بتقرير(شيلكوت).. (شيلكوت) نفسه الذى كان سيؤدى دور المجرم لا المحقق، لو كان وزير خارجية الإمبراطورية بدلاً من تونى بلير وقت غزو بغداد.