فدائى من يقبل الآن منصب الوزير.. وفدائى أكبر من يقبل أن يصبح رئيساً للوزراء!! فالواحد منهم يسمع الآن الشتائم والسباب ليلاً ونهاراً.. بل ويقرؤها فى عيون الناس، قبل أن يقرأها فى الصحف.. والواحد منهم لا يهنأ بجلسة عائلية مع أولاده.. أو ينام مرتاح البال والضمير.. وطظ فى هيلمان الوزارة وكشك الحراسة ومرتب المنصب الذى لا يكفى ساندويتشات الفول والطعمية!! وفى ظروف بلد كمصر الآن إن ذهب الوزير إلى اليمين ناله ما لا يرضيه وان مال الى اليسار أصابه ما يؤذيه.. وهكذا أعباء المناصب فى مصر الآن. وبعد أن كان الوزيرأو رئيسه يبقى فى منصبه سنوات وسنوات، أصبحت أيامه فى الكرسى تحسب بالأيام.. لاأكثر والعاقل الآن من يهبر من أبهة منصب لم تعد كذلك.. والعقل ينصحه أن يرفض.. ولكن «عبده مشتاق» سيظل موجوداً حتى ولو ترك الكرسى، فى اليوم التالى.. فيفرح بكلمة معالى الوزير حتى ولو كانت.. سابقاً، أو السابق!! وظروف مصر تنتظر إما حكومة تطبطب على الناس والأحداث وتنفذ لهم مطالبهم، حتى ولو لم تكن معقولة.. وإما تظهر العين الحمراء وتتعامل مع العنف بشىء من الحدة وكثير من الحزم والحسم..وهنا تدخل عش الدبابير.. أقصد عش جماعات حقوق الإنسان.. فيتحول البلطجى ليصبح بطلاً وربما شهيداً.. ويصبح من يحافظ على الأمن متهماً ومجرماً.. وغالباً ما يقف وراء القضبان. واللافت للنظر الآن أن هناك من يريدها فوضى، صح هذا التعبيرأم أخطأ. وهناك من يطالب بسرعة تسليم السلطة لحكومة مدنية.. بينما الانتخابات تبدأ بعد ساعات، والانتخابات هى أول الطريق نحو تسليم السلطة إلى حكومة مدنية.. وما يجرى بالفعل هوأبعد ما يكون عن إجراء الانتخابات فى جو هادئ وسلمى أى أن من يطلبون حكومة مدنية يفعلون مالا يحقق ذلك.. حقيقة إن الحكومةأضعف ما تكون والمجلس الأعلى للقوات المسلحة أبطأ مما يكون،والحكومة مقيدة يداها فهى لا تتحرك إلا بما يسمح به المجلس الأعلى.. وهذا المجلس يسير علىأرضية من زجاج فهو بين نارين: لا يريد أن يفقد حب الشعب وتعاطفه معه بحكم انه الذى أنقذ الثورة وحمى البلاد،وفى نفس الوقت يكاد يقف على الحياد وكأن كل مهمته حماية المنشآت العامة.. ليس أكثر،ولكن هذا السلوك يعرض البلاد للخطر.. وإذا كنا لا نحرض المجلس والحكومة على الشعب الغاضب، أو جماعات عديدة من الشعب على الٍأقل، إلا إننا نعيب على المجلس الأعلى عدم قدرته على حسم الكثير من الأمور. بل هو يخرجنا من قضية شائكة ليدخلنا فى أخرى.. من إعلان دستورى أصبح بلا فائدة إلى وثيقة تمزقت حولها الآراء بينما يجب ان يسرع المجلس بإتمام الانتخاب وأن يشكل لجنة عالية الكفاءة لإعداد مشروع الدستور ليعرض على البرلمان لمجرد إتمام انتخابه يوم 10 يناير القادم. وبمجرد إقرار الدستور تبدأ عملية انتخاب رئيس الجمهورية. أمام البديل الآخر، أو السيناريو المتوقع، فهو أن تتحرك القوات المسلحة إذا تداعت الأمور فى الشوارع أكثر من ذلك، ليستولى على الحكم صراحة من خلال انقلاب عسكرى ويعلن الأحكام العرفية بشكل أكثر جدية من الآن ويفرض حظر التجول حتى تهدأ الأمور.. وقبل أن تحترق القاهرة، وغيرها من المدن.. فى لحظة واحدة.. وفى هذه الحالة يشكل الجيش حكومة عسكرية انتقالية تحكم البلاد بيد من جديد.. ولا يشترط ان يكون قادة الانقلاب الجديد من بين أعضاء المجلس الأعلى.. حتى ولو كان فيه الآن من هو على غرار اللواء محمد نجيب أى يمثل الرتب العالية.. أو من هو على شاكلة البكباشى «المقدم» جمال عبدالناصر!! وبذلك تدخل مصر فى دوامة خطيرة.. ولا يعرف أحد متى تنتهى مهمة الحكومة العسكرية الانتقالية وما هى مهمتها. والأخطر هنا أن الذين يسيطرون الآن على ميدان التحرير وباقى ميادين مصر لن يقبلوا هذا الحل أو ذاك وسوف نجد بالضرورى من يغذى هؤلاء ويحركهم لتشتعل البلاد كلها بالثورة.. أو الفوضى لا يهم.. ولكن ما يهم هوأن تنتهى مصر وهكذا تسقط كيكة أو تفاحة حكم مصر فى «حجر» من لم يتوقعه أحد.. وتبتعد عمن اعتقدوا أنهم على قاب قوسين أو أدنى من حكم مصر.. وتضيع على التيارات الليبرالية فرصة الوصول بمصر إلى بر الأمان.. كما تضيع على الإسلاميين الذين تفاخر أحدهم بأنهم يعدون لفرصة القفز الى الحكم منذ عام 1934 وتدخل مصر بعدها ولمدة نصف قرن آخر فى زمرة العسكر بعد أن يتم تخدير شعبها بحقن من الشعارات البراقة والعديد من لجان الحوارات تماماً كما حدث فى بدايات ثورة يوليو 1952. وإذا كان البعض يرى أن ما يحدث الآن تشويه لثورة 25 يناير.. فإن البعض يرونه تصحيحاً لما شاب هذه الثورة من أحداث.. أخطره بطء اتخاذ أى اجراءات حاسمة لمصلحة الشعب.. كل الشعب.. ويا أيتها الانتخابات.. كم من الجرائم ترتكب باسمك.