ماذا لو قام أكثر من 80% من سكان مدينة بالإدلاء بأصوات بيضاء؟ حول هذا المفهوم كتب "جوزيه ساراماجو" ،روائى وصحفي برتغالي، روايته الشهيرة "البصيرة" في عام 2004 ، ولأنها حققت صدى كبيرا في الانتخابات التي أجريت عقب صدورها في كل من البرتغال وفرنسا وأسبانيا، رأت الناشطة السياسية وعضو مؤسسة المرأة الجديدة رانده أبو الدهب ضرورة نشر الرواية في مصر لحث جميع الفئات علي المشاركة في الانتخابات وخاصة المعاقين وذوى الاحتياجات الخاصة، وذلك من خلال حملة "خلي عندك صوت " التي أطلقتها على الفيس بوك في العام الحالي. ولأن عدد المعاقين في مصر بلغ 10 مليون معاق بحسب أحدث إحصائيات منظمة الصحة العالمية، وهم يشكلون قوة تستطيع في حالة تكاتفهم إنجاح مرشح بعينه وإسقاط آخر، ضمت الحملة أغلب ناشطي الفيس بوك من ذوى الإعاقة الخاصة، وحرصت على شرح المعاناة التي تلاقيها هذه الفئة أثناء الإدلاء بأصواتهم للفت انتباه المسئولين للإسراع بوضع الحلول لمشكلاتهم لتشجيع أكبر عدد منهم للمشاركة في الانتخابات القادمة . روتين وبلطجة "لا أمتلك بطاقة انتخابية".. ألقت رانده مؤسسة الحملة بهذه الكلمات في بداية حديثها موضحة أن إعاقتها الحركية منعتها السنين الماضبة من استخراجها لصعوبة الإجراءات، ولكنها أصرت هذا العام على الحصول عليها لتتمكن من التصويت في الانتخابات الحالية، وأشارت إلى أنها عندما ذهبت لأقرب قسم لاستخراج البطاقة قام المسئولون هناك بإرسالها لأكثر من مكان، وتشددوا في الإجراءات الروتينية بصورة مبالغ فيها دون النظر لإعاقتها، مما جعلها تفكر بالتراجع ثانية، ولكن لإيمانها بأهمية المشاركة السياسية ومن خلال المسئولية الجديدة التي وقعت على عاتقها بعد تدشينها للحملة قررت المثابرة ومواجهة المسئولين لإلغاء هذه القيود. أما سيد محمد، فبعد أن ذهب إلى قسم العجوزة مصطحبا اثنين من أصدقائه كي يحملوه بالكرسي المتحرك للطابق الثاني، حيث يوجد المكتب الخاص باستخراج بطاقات الترشيح، كان الموظف المختص أنهي عمله وغادر، ولم يقبل غيره من الموظفين المتواجدين استكمال الإجراءات مراعاة لظروفه الصحية، وتعللوا بأن الوقت المخصص للمواطنين قد انتهي، ولأنه رفض أن يرهق أصدقاءه الذين يعتمد عليهم في حمله بكرسيه المتحرك لقضاء مصالحه ثانيا، فقد قرر في إصرار عدم تكرار التجربة هذه المرة كي لا تتكرر مأساته مرة أخرى. سيد لايختلف كثيرا عن "ريهام المصري" ،صاحبة أشهر جروب علي الفيس بوك لزواج ذوي الاحتياجات الخاصة، بصوت ممزوج بالحسرة سردت تجربتها.. فعقب الإعلان عن بدء باب الترشيح حاولت استغلال عامل الوقت والذهاب مباشرة لأقرب قسم شرطة لاستخراج بطاقتها الانتخابية، ولاحظت زحام شديد علي مكتب الموظف المختص بذلك، كما لاحظت أن أغلب المتواجدين كانوا مجموعة من المأجورين لصالح مرشح بعينه لكي يكونوا أنصاره في الانتخابات. أضافت:" بعد انتظار وقت طويل فوجئت بأحد الضباط يوجه كلامه لي مستنكرا وجودي وقال لي حرفيا" انتي تبع ومين اللى باعتك" ، وعندما أجبته بأنى أريد استخراج بطاقة انتخابية قام بطردي من المكان، ونظرا لإعاقتي لم أتحمل التواجد أو الدخول في اشتباك معه فرحلت دون أن أنجز شيئا. أهل الإرادة إذا كان سيد وريهام لم يتحملوا الصعوبات التي واجهتهم فتنازلوا عن حقهم في الانتخاب، فإن مينا ملاك ،المستشار الإعلامي للمؤسسة التنموية لتمكين ذوي الاحتياجات الخاصة، يعتبر نموذجا مختلفا للمثابرة والتمسك بحقوقه، فبالرغم من كل ماتعرض له من معاناة وهو "كفيف" نراه يحرص دائما علي الإدلاء بصوته ويرفض التفريط فيه حتو لو كان غير مؤثرا. حكي تجربته في الانتخابات الماضية قائلا: عندما دخلت إحدي اللجان بدائرة " الساحل" بصحبة والدتي رفض الأمن دخولها معى بحجة أن اللجنة للرجال فقط، لكني أصررت علي اصطحابها خوفا من تزوير صوتى، وبالفعل تمكنت من التصويت فى الجولة الأولى، لكنى فى جولة الإعاده لم أتمكن من إدخالها وأمام إصرارى قام أحد المستشارين المشرفين على اللجان بمعاونتي ووضع العلامة علي المرشح الذى أريده. وتابع : أثناء التصويت علي الاستفتاء الخاص بالرئاسة قمت باصطحاب صديق مقرب للإدلاء بأصواتنا، لكننا لم نتمكن خلال اليوم الأول من التصويت لعدم وجود ناخبين، ووفقا للقانون يشترط وجوده 3 مواطنين للانتخاب على الأقل، وتكرر الحال في اليوم التالى لكنى لم أيأس وحرصت على الذهاب للمرة الثالثة ومكثت في اللجنة عدة ساعات في انتظار أن يكتمل العدد ولكن لم يأت الناخبان المتبقيان، وفى نهاية الفترة المسموح بها رحلت دون تصويت. بعيدا عن اهتمام المرشحين وفي نهاية حديثه أطلق مينا دعوته للمعاقين بضرورة الحرص علي الإدلاء بأصواتهم حتى لو سمعوا عن تواجد أحداث عنف أو بلطجة داخل اللجان، مؤكدا أن الشعب المصرى يحرص دائما علي رعاية المعوقين وحفظ سلامتهم. كما طالب المجلس القومي للشباب والمجلس القومي لحقوق الإنسان بطبع الدستور بطريقة برايل ليعرف المكفوفون حقوقهم وواجباتهم لأنهم جزء من المجتمع يجب احترامه، واستنكر عدم تواجد أى خدمات مقدمة لهم ضمن البرامج الانتخابية للمرشيحن فى الانتخابات الحالية بالرغم من سعيهم الدؤوب للإدلاء بأصواتهم. وعن استعداد الجهات الرسمية لتسهيل مهمة المعاقين في الانتخابات أوضحت نهلة المدني ،المستشارة الإعلامية للمجلس القومي لحقوق الإنسان، أن المجلس وضع ضمن خطته لمراقبة الانتخابات ضرورة حرص المراقبين علي مساعدة المعاقين وذوى الاحتياجات الخاصة عند الإدلاء بأصواتهم دون التدخل فى تحديد هوية المرشح، لأنه من الناحية القانونية لا يجوز مساعدة المعاقين فى الترشيح. وأضافت أن المجلس بصدد إصدار كتيب خاص بالقواعد المتبعه داخل اللجان الانتخابية وستشمل بنود خاصة بتوجيه المعاقين للإسراع بالإبلاغ لعقاب المسئول إذا تم منعهم من الانتخاب أو تم التلاعب بأصواتهم بأي شكل من الأشكال.