يردد البعض انه ليس الآن الموقف المناسب لإثارة ملف اضطهاد الأقباط واتساءل متي إذا هذا الوقت؟ وهو يؤجل بدءا من لا صوت يعلو علي صوت المعركة فتفهم الأقباط الظرف واحترموا الموقف وتحملوا التمييز، وتمر الأيام بين حكم أمني سافر يلعب بهذه الورقة لتناسب أغراضه وبين إهمال يكاد يكون مقصودا لم يقدم فيه أي جاني لمحاكمة بدءا من مذابح الكشف 1، 2 والإسكندريات ونجع حمادي وكنيسة إمبابة وتستمر الاعتداءات والحرق والنهب بتجار الذهب والتميز في المناصب وتتراكم الأحداث في نفوس الأقباط إلي أن انفجرت ثورة يناير فوجد الأقباط فيها ذاتهم فساهموا أملا في ان تحقق لهم الحياة الكريمة الخالية من التعصب وفي نطاق مواطنة كاملة، وقد كان الموقف في ميدان الشهداء أو التحرير في الأيام الأولي أكثر من رائع في الالتحام والمحبة تذكرنا بمواقف الشعب المصري عام 19، ولكن سرعان ما أتت الرياح بما لا تشتهيه السفن وتحتضن المشاعر المتأججة المتقيحة أصلا لتصل إلي الحد الذي يؤسف له ويؤثر في وحدة وسلامة البلاد، ولم يكل قلمي عن المناداة بحلول عادلة وسريعة حتي لا ينفجر الموقف فيصبح العلاج عسيرا، وها نحن اليوم نواجه الموقف المعقد مع الأيام السوداء القادمة. وعندما أقول «الصحافة والأقباط» فلا أقصد كل الصحافة بل أقصد نقدها مهنيا وصحفيا وطرق معالجة هذا الملف الحساس فتمارس الصحافة دورها الوطني في إزالة الاحتقان وتبني العدالة ونشر الوقائع دون تهوين أو تهويل. ولنبدأ بمقال أ. عادل حمودة في الفجر عدد 24/10 بمنشيت «لمصر .. لا للأقباط» وحلل الموقف بكل إيجابية خاتما مقاله الرائع «فالطوفان عندما يأتي لا يفرق بين مسلم ومسيحي بين متعصب ومتسامح- بين جندي وكاهن بين سلفي وشيوعي كلنا في النار». ثم تأتي كارثة وزارة الإعلام بتداعياتها يلي هذا الدراسة المشبوهة في صوت الأمة العدد 567 عن المسيحية وطوائفها ومعتقاداتها وان عددهم خمسة ملايين في حين ذكرت صحيفة الفجر في 24/10 بقلم أ. محمد الباز بان عددهم 20 مليونا، وهذا الفارق الكبير بين العددين يمثل في رأيي النفسية غير الحريصة علي الحقيقة فنلقي بالزيت علي النار وأقول لهذه النفوس المختلة ان حرية العقيدة لا تقيد أو تقاس بالأعداد ولكن بالحق في مباشرة الطقوس الدينية، يلي هذا نصف صحيفة في ذات العدد تحقيق أ. وليد سرحان عن مطالب الأقباط بالإسكندرية تبدأ بالعدل وتنتهي بالمساواة وكان تحقيقا جيدا ولكن هذه المطالب ليس لأهل الإسكندرية فقط بل لأهل مصر كلها مسلمين وأقباطا. ثم يفجر فضيلة مفتي الجمهورية الإمام علي جمعة وشيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب في خبر كتبه أ. أحمد الشوكي عن تصريح لهما «بأن جماعات السلف هم خوارج هذا العصر الذين خرجوا عن السنة والشريعة معاً موضعا الأمور في نصابها بعد أن كانت تصريحات السلفيين تثير الخوف وتزيد من التعصب وتزجي الفتنة. ومشيرا إلي ما كتبه أ. أنور عصمت السادات في وفد 24/10 بمنشيت «ماسبيرو تصرخ.. عودوا لمصريتكم» وفي ذات العدد يئن قلم أ. مدحت بشاي قائلاً: «ما بعد دراما كورنيش النيل الحزينة، وبتألق أ. مصطفي عبدالرازق في مقاله بذات الصفحة قائلاً: «يوم لا ينفع فيه شنودة ولا الطيب» متسائلا ما هو الضرر الذي يمكن ان يحيق بالمسلمين من تحويل مضيفة يتم فيها الصلاة إلي كنيسة؟ ولا يفوتني مانشيت بالفجر يقول «إعلان مصر دولة خالية من الأقباط أي تقسيمها أو تهجيرهم كارثة بكل الوجوه يؤججها سوء اختيار المنشتات أو إيحاءات مفرطة. أردت بهذه الجولة الصحيفة السريعة ان ألقي الضوء علي نفوس الكتاب والصحفيين في تناول موضوع يمكن ان يعصف بأمن الدولة غير عابئين بان كلماتهم قد تؤجج النفوس وتدعوا إلي الفرقة وتبني الفتنة في حين كافة الصحفيين وهؤلاء بالذات منوط بهم تبني لم الشمل ورفع قيمة الفرد وحريته واذ جاء روح المحبة والمواطنة وإن الوطن لنا جميعا والعبادة لله وحده.. أما هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم قضاة ضمائرهم وأصحاب فتاوي علي مزاجهم وتحريف كلمات الله لتحقق أغراضهم فلهم النار وبئس المصير في الانتخابات القادمة، وأقول لهم: من أنتم لتحاكموا الضمائر وتفرضوا أحكامكم علي سائر الشعب ولا تقدرون قيمة القرآن الذي بين أيديكم وقد نهاكم في كثير من آياته ان تقسطوا لأهل الكتاب، اتقوا الله، وأقول لهم إذا بقيتم علي عنادكم فليس لكم مكان بيننا وأقول لشعب مصر كله تبينوا الحقائق عندما تصوتون في الانتخابات القادمة ولا تنذلقوا خلف شهد الكلام.. وتبني التقية وتقول «تمسكنوا حتي تمكنوا»، علي العموم وإن هذا له تأثير ضار ومحطم لنفوس الأقباط حتي عزفوا عن الترشيحات والاشتراك في المهزلة القادمة إذا ما نجح التيار السلفي الإسلامي بكل أنواعه فسوف يقود البلاد إلي الخراب، ومن المضحك المبكي أن نسبة تمثيل ترشيحات المرأة تفوق النسبة الهزيلة للأقباط بمراحل، هل هذا أساس قوي لبناء دولة مدنية حديثة؟ والحال هكذا فإن المرحلة القادمة سوف تنسف نفسها وتعود الثورة من جديد لتنسف نفسها مرة أخري حتي تستقر الأمور ولعل هذا فيه تفسير للموجة الجديدةالأمريكية «الفوضي الخلاقة» وإلي هذا الحين سوف يأكل الناس بعضهم بعضا. احمنا يا إلهي من هذا اليوم المظلم. -------- عضو الهيئة العليا