لا ينكر أحد أن المرأة العربية شاركت بقوة وفعالية فى ثورات الربيع العربى، وهو ما يجعل تلك الثورات تعنى للكثيرين الآن الهاجس الأكبر الذى يسيطر على عقول المهتمين بحقوق المرأة هو ما إذا كانت المرأة ستتمتع بمزيد من الحقوق فى ظل الحكومات القادمة فى هذه البلدان، أم إنها ستفقد ما اكتسبته خلال السنوات الماضية فى ضوء تزايد نفوذ الجماعات الدينية، فها هى جماعة الإخوان المسلمين فى مصر وهاهو حزب النهضة التونسى يستعدان للفوز بنصيب الأسد فى الانتخابات البرلمانية فى البلدين..هكذا رأت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية. فرغم تأكيدات هذه الجماعات على الحريات والحقوق إلا أن المخاوف تظل قائمة، استنادا لما حدث فى العراق حيث حصلت المرأة على حقوق غير مسبوقة فى عهد الرئيس الراحل صدام حسين، إلا أن الأحزاب ذات التوجه الإسلامى حاليا قلصت حقوق المرأة فى العراق. ومن هنا، فإنه يجب على الحكومات القادمة فى كل من مصر وتونس أن تضع ضمن أولوياتها حقوق المرأة وتعديل كافة القوانين التى تعوق حصول المرأة على حقوقها. فها هى أسماء محفوظ الناشطة المصرية تقول لقد كنا هناك (فى إشارة إلى ميدان التحرير بالقاهرة) نلقى الطوب والحجارة وننقل الجثث والجرحى ونفعل كل شىء وقد كان بعض الرجال يطالبوننا بالابتعاد وآخرون يساعدوننا ويوفرون لنا الحماية . وأشارت مجلة "الايكونوميست" إلى أن الوضع فى تونس لم يختلف كثيرا عن مصر، فقد خرجت المرأة جنبا إلى جنب مع الرجل ونامت فى الشارع. وهاهى "لينا بنت مهنى" التى طافت أنحاء تونس لتوثق فى مدونتها "البنت التونسية" عمليات الاحتجاج والمظاهرات وتوثق بالصور كل الأحداث. وليس ببعيد عن تونس ومصر وبالتحديد فى اليمن هاهى "توكل كرمان" الحائزة على جائزة نوبل فى بداية أكتوبر الحالى والناشطة اليمنية المعروفة التى شاركت بقوة فى الثورة الشعبية ضد الرئيس اليمنى على عبدالله صالح وقالت له ارحل. وأشارت الايكونوميست إلى أن وضع المرأة فى البلدان العربية كان سيئا لفترات طويلة. وفى عام 2002وضع تقرير التنمية البشرية العربى الأول حرمان المرأة من بعض حقوقها ضمن عوامل منها الحريات السياسية والجهل أو سوء التعليم. وإذا كان الصوت الأعلى فى بداية الثورات العربية خاصة فى تونس ومصر هو المطالبة بالديمقراطية، فإنه وبعد نجاح الثورة فى هذين البلدين على وجه التحديد، أصبحت المطالبة بحصول المرأة على حقوقها كاملة أمرا بديهيا وحتميا. وبالنسبة لمصر فإن مشاركة المرأة فى المظاهرات ليست جديدة، فقد خرجت المرأة المحجبة فى المظاهرات ضد الاحتلال البريطانى فى ثورة 1919 للمطالبة بالاستقلال. وفى عام 1957 تم انتخاب أول سيدة فى البرلمان لتصبح مصر أول دولة عربية تسجل هذا الحدث. وفى العام الماضى تم تخصيص مقاعد فى مجلس الشعب المصرى للمرأة. وفى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر خرجت المرأة للتعليم والعمل والمشاركة فى الحياة العامة والتنمية الاقتصادية. وفى عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات حصلت المرأة على المزيد من الحقوق والمزايا بفضل دعم زوجة الرئيس "جيهان السادات". ولكن بعد ذلك واجهت المرأة فى مصر معاناة خصوصا مع تزايد النفوذ القوى للجماعات الدينية المحافظة. أما الآن فالمرأة تخرج إلى المدارس والعمل وتشارك فى الانتخابات. ومع ذلك لاتزال نسبة الأمية بين السيدات تصل إلى 42% كما أن المرأة تمثل 23% فقط من قوة العمل فى مصر. وزعمت المجلة أن المرأة تعانى من بعض المشاكل الاجتماعية فى مصر أهمها مرتبط بحقوقها كزوجة وأمور أخرى تتعلق بالميراث والطلاق وحضانة الأطفال الصغار. بينما يختلف الوضع فى تونس عن بقية الدول العربية، حيث منح الرئيس التاريخى الحبيب بورقيبة مؤسس تونس الحديثة، المرأة العديد من الحقوق والمزايا خصوصا فيما يتعلق بمساواتها بالرجل فى كثير من الحقوق أهمها الطلاق. وسار الرئيس التونسى المخلوع زين العابدين بن على على نفس النهج ، بل إنه أعطى مزيدا من الحريات للمرأة فيما يخص العمل والتعليم وأصبحت المرأة فى تونس تشكل 27% من قوة العمل وانخفضت الأمية الى 30%. وتمثل الفتيات ثلثى عدد الطلاب فى الجامعات التونسية مقارنة بنسبة2/5 فى مصر. ورأت "الإيكونوميست" أن نظام الرئيس المصرى المخلوع حسنى مبارك منح المرأة العديد من المزايا فى مصر، وذلك عبر جهود زوجته سوزان مبارك، إلا أن ذلك وظف سياسيا من أجل الحصول على دعم الغرب معنويا وماليا وسياسيا فى مواجهة الجماعت الدينية، وليس من أجل منح حريات حقيقية. وتعبر بعض المصريات عن مخاوفهن من تراجع حقوق المرأة خضوضا فى ظل تزايد نفوذ الجماعت الدينية فى السياسة. فقد تراجع عدد السيدات المشاركات فى الحكومة من أربع وزيرات لوزيرة واحدة حاليا.